*د.محمد نورالدين
يواصل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الاحتفاء بالإنجاز المحقَّق في سوريا، معتبراً، في آخر تصريح له بهذا الخصوص، أن «الشمس تشرق من جديد في سوريا، والتاريخ تعاد كتابته ما وراء حدودنا الجنوبية.
كانوا يقولون لنا ما شأنكم حتى تكونوا في سوريا أو في ليبيا أو في العراق؟ والله، ها هي سوريا كلّها في متناول اليد».
وجدّد إردوغان تهديده للكرد، الذين دعاهم إلى أن «يَدفنوا سلاحهم أو ندفنهم معه»، مشيراً، خلال اجتماع للحكومة الإثنين، إلى أن «الخناق يضيق على حزب العمال الكردستاني وامتداده، وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا»، ومكرراً القول إن الجيش التركي «يمكن أن يدخل فجأة ذات ليلة إليهم».
على أن صحيفة «حرييت» الموالية نبهت إلى ما وصفته بـ«تباطؤ» تركيا وربّما «تخلّيها» مرحليّاً عن مهاجمة الكرد السوريين، ورأت أن السبب الأول وراء ذلك، يعود إلى «دعوة أحمد الشرع إلى حصر السلاح في يد الجيش الرسمي، وتركيا تعطي فرصة لذلك فبحسب تعبير إردوغان، تتبع تركيا في كل خطوة تخطوها تجاه سوريا، سياسة دقيقة جداً ومتعدّدة الأبعاد»، مبيّنةً أن «تركيا لا تخطّط فحسب لإخراج المسلّحين الكرد من مناطق معينة في شرق الفرات، بل لإخراجهم من كل سوريا، وهو ما يستغرق وقتاً، ذلك أن الانتصار الأكبر هو أن تنتصر من دون حرب. ولكن، إذا لم تنفع الجهود، فلن يكون من خيار سوى الحرب مع المسلّحين الكرد».
المقترحات الكردية
وعن المحادثات بين الشرع وقائد «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، مظلوم عبدي، قالت «حرييت» إن «الكرد اقترحوا، وبدعم امريكي، تشكيل لواء ضمن الجيش السوري من المسلحين الكرد، وتقاسم الثروة النفطية في شرق الفرات مناصفة بين روجافا وباقي سوريا؛ فيما قيادة الشرع مصمّمة على تسليم السلاح الكردي، لأن البديل هو تسلُّح كل الفئات السورية الأخرى والدخول في حرب أهلية، ولا معنى حينها لإسقاط الأسد».
ويبدو في الموازاة، أن عملية البحث عن حلّ للمشكلة الكردية في تركيا، تتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم؛ فبعد تصريحات إردوغان الحادّة ضدّ «الكردستاني»، شدّد الرئيس على أن بلاده ستكون «خالية من الإرهاب»، آملاً في الوقت ذاته أن يكون طريق الحلّ (الذي بدأ مع مبادرة دولت باهتشلي ولقاء نواب كرد عبد الله أوجلان في سجنه) سهلاً»، وإنْ حذّر من أن «أيّ محاولة لعرقلة طريق الحلّ وزرعه بالديناميت، ستدفع تركيا إلى خلع القفازات المخملية، واستخدام القبضة الحديدية».
تتويج لجولة غولر
ووفقاً للكاتب مراد يتكين، فإن تصريح إردوغان جاء تتويجاً لجولة قام بها وزير الدفاع ياشار غولر، وقادة القوات المسلحة، على طول الحدود مع سوريا والعراق وإيران، وهو ما قد يكون «مقدّمة لاستعدادات تركية لمهاجمة حزب العمال الكردستاني، لأن إردوغان لم يسمع من أوجلان ما كان يتوقّعه بعد لقائه اثنين من قادة حزب الديموقراطية والمساواة للشعوب الكردي».
أيضاً، جاء ردّ فعل «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، على مسار محاولة البحث عن حلّ، غير مشجع، إذ سأل زعيمه، أوزغور أوزيل: «كيف يمكن أن نسهم في عملية لسنا جزءاً منها؟ نحن لن نكون جزءاً من الحلّ ولا معرقلين له»، فيما أعلن «الحزب الجيّد» الذي يتزعّمه مساوات درويش أوغلو، معارضته الكاملة للحلّ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى «حزب ظفر» الذي يرأسه أوموت أوزداغ. أما الحزب الكردي، فيواصل من جانبه لقاءاته مع الأحزاب الممثّلة في البرلمان، على أن يلتقي بعدها إردوغان.
أيّ محافظة لنا هي سوريا؟
وبالعودة إلى التطورات السورية، كتب طه آقيول، في صحيفة «قرار» المعارضة، مقالاً بعنوان «أيّ محافظة لنا هي سوريا؟»، قال فيه إنه «في وقت كان يتوقّع فيه أن يقوم وزير خارجية النظام الجديد، أسعد الشيباني، بأول زيارة له إلى تركيا، وهو الذي أنهى دراسته الجامعية في جامعة صباح الدين زعيم، كانت المفاجأة أنه توجّه إلى السعودية، التي زار من بعدها الأردن وقطر والإمارات».
وفي رأي آقيول، فإن هذه الخطوة «صائبة جداً»، وتدلّ على «صوابية سياسة حاقان فيدان الخارجية، بعد أن قال، قبل أسبوعين، إن تركيا لا تريد إدارة سوريا. ولا يجب أن يتحكّم في سوريا لا تركيا ولا إيران ولا العرب، بل يجب أن يتعاون الجميع هناك».
ودعا آقيول تركيا إلى ألّا «تجاهر بتحكّمها في سوريا، لأن ردود الفعل السلبية على ذلك ستظهر عاجلاً أم آجلاً. وهذا ليس أمراً نظرياً، بل يجب أن يستفاد من دروس الواقع، خصوصاً عندما عمل إردوغان على تخريب العلاقات مع مصر بعد إطاحة محمد مرسي والمجاهرة بمعارضته وصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم».
وفي «غازيتيه دوار»، كتب فهيم طاشتكين أن «الجولاني لم يَطرح بعد أيّ صيغة يمكن أن تطمئن الكرد والعلويين والدروز والمسيحيين والسنة غير المتدينين.
المسيحيون نقلوا مخاوفهم إلى الوزير الفرنسي، فيما يستمرّ صيد العلويين. هؤلاء طالبوا بوقف الاعتقالات التي تجري لأبنائهم بحجّة أنهم من النظام السابق، وطالبوا بعفو عام نظير التعاون مع دمشق. الدروز يريدون حكماً ذاتياً وعدم تعيين محافظ أو مدير أمن أو موظفين من خارج المحافظة، وأن يكون مطلب الفدرالية ضمن الدستور وألا يسلموا سلاحهم.
أما الكرد، فلم يخرج من اجتماعهم مع الجولاني أيّ شيء. ولسان حال الجولاني أنه لا حلّ يمكن أن يؤدي إلى تقسيم سوريا، بما فيه الفدرالية. لكن الجولاني لا يقول ما هو الحلّ».
ورداً على ما يقوله إردوغان من أن «الشمس تشرق من جديد في سوريا»، ختم طاشتكين مقالته، بالقول: «الجو لا يزال معتماً، ولا أحد يعلم كم سيستمرّ هذا الليل. ولكن، إذا بقيت سوريا بيد هيئة تحرير الشام، فإن الشمس ستبقى غارقة إلى الأبد».