*يوسي أخيمير
صحيفة "معاريف"الاسرائيلية/ الترجمة والتحرير: محمد شيخ عثمان
سأبدأ بالحلقة: في الثمانينات، كان هناك جدل بين محرري نظام "معاريف" حول سؤال يبدو تافها، مسألة النسخ: كيف ينبغي للمرء أن يكتب "تركيا" ؟ تكمن جذور السؤال في الثورة التي قام بها مصطفى كمال في هذا البلد منذ أكثر من قرن.
ألغى الحاكم الجريء والمبتكر السلطنة وحولها إلى جمهورية علمانية حديثة تتطلع إلى الغرب.
كجزء من الثورة، تم حظر ارتداء الحجاب وتم تحويل النص العربي إلى النص اللاتيني. الترجمة العبرية لاسم الدولة حسب الحرف العربي هي تركيا. الترجمة من النص اللاتيني: ديك رومي. تم تحديد النقاش في نظام الصحف - تركيا وليس تركيا. توفي أتاتورك ("أبو الأتراك")، كما كان يُلقب بمصطفى كمال، عام 1938.
ويطمح الزعيم الحالي للبلاد، رجب طيب أردوغان، إلى لقبه. ومن يتابع ما يحدث في تركيا اليوم يرى في ظل حكم أردوغان شبه الدكتاتوري عملية عودة إلى الأسلمة، فالدين قاس، ومن يدري هل حتى النص العربي لن يتم استعادته.
ويحلم "أبو الأتراك" المعاصر بإعادة تركيا إلى أيام مجدها، إلى أيام الدولة العثمانية التي كانت ضعيفة على معظم مناطق الشرق الأوسط وأجزاء من أوروبا، وأن يكون هو السلطان. ولا تنشأ الأسلمة في محيط تركيا فحسب، بل وتنشأ بشكل خاص في المدن الكبرى، في مظاهرات عنيفة تحمل رموزاً قومية ودينية.
وتطمح تركيا أردوغان إلى السيطرة على حوض شرق البحر الأبيض المتوسط وهي تتخذ خطوات مهمة لتثبيت الحقائق في "البحر التركي".
ورغم أن مالطا البعيدة تقع خارج نطاق طموحات أردوغان، فإن قبرص القريبة تقع ضمن النطاق. واستولى السلطان الحديث على الجزء الشمالي من الجزيرة، بالقرب من سواحل إسرائيل، وأقام سيادته الخاصة هناك، بما في ذلك قيادة اللغة التركية.
هذه «جمهورية» غير معترف بها، لكنها امتداد للدولة الأم العملاقة. وتشن تركيا أردوغان حرب استنزاف ضد الأقلية الكردية التي ينتشر سكانها في العراق وسوريا وتركيا.
إذا كان هناك أمة تستحق الاستقلال ووطنها، فهو الشعب الكردي فأردوغان يقمع بيد ثقيلة أي مظهر من مظاهر الاستقلال الكردي، ويحظر استخدام اسم كردستان (في تركيا يطلق عليهم "أتراك الجبال") واللغة الكردية.
تركيا أردوغان تقود مصلحة في ليبيا، الدولة الواقعة في شمال أفريقيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، والتي حكومتها فضفاضة. ولطالما وضعت تركيا أردوغان أعينها على سوريا، ووقفت خلف المتمردين الذين أطاحوا بنظام الأسد وتحاول ضم مناطق في شمال البلاد.
وتعتزم إقامة قواعد عسكرية على الأراضي السورية والسيطرة على مدنها الساحلية وتحويل سوريا إلى محمية تركية. وترى تركيا أردوغان أن إسرائيل هي العامل الذي يمنعها من العودة إلى أيام مجدها الإمبراطوري.
إنها القوة الصاعدة في منطقتنا، وإيران هي القوة المتراجعة. إن كراهية أردوغان لإسرائيل لا تعرف حدودا. إنه يخرج ضدنا بكلمات متعجرفة وأفعال استفزازية، والخوف هو أن اليوم لن يكون بعيداً، وستقوم تركيا أردوغان أيضاً باتخاذ إجراءات صارمة ضد الأعمال العسكرية.
قضية مرمرة تتضاءل أمام ما قد يفعله هذا الرجل الخطير ضد إسرائيل. منذ سنوات عديدة، تعمل تركيا على زيادة نفوذها المدمر في القدس الشرقية، وتتدخل فيما يحدث في عاصمتنا، وتثير وتضخ الأموال في المؤسسات الإسلامية.
أردوغان يقدم الكثير من الدعم لحماس، ويستضيف رؤوس الثعابين في عاصمته، ويشجعهم على عدم التسوية مع إسرائيل.
والأكثر إثارة للدهشة هو أن تركيا هذه لا تزال عضوا في حلف شمال الأطلسي، الذي يغمض عينيه في وجه الطموح الإمبراطوري للسيطرة. "أوضح" صحافي تركي منذ وقت ليس ببعيد: "تواجه سوريا خطرين رئيسيين: الأول هو هجمات إسرائيل وطموحاتها للتوسع، والثاني هو تهديد وحدة الأراضي السورية من خلال التنظيم الإرهابي الكردي.
وفي التعامل مع هذين الخطرين، فإن تركيا هي الضامن والحامي الرئيسي". وأعلن وزير الخارجية التركي فيدان خلال زيارته إلى دمشق: "لا يمكن التساهل مع استغلال إسرائيل للوضع الحالي لنهب الأراضي السورية".
إن أسلمة تركيا، وجنون العظمة في السيطرة، ومعاداة أردوغان للسامية، وكراهيته الشديدة لإسرائيل، وتأسيس تركيا البطيء على الأراضي السورية المتهالكة، كل هذه الأمور تشكل مصدر خطر متزايد لإسرائيل.
انتصرنا على غزة وجنوب لبنان، وانفتح علينا شر اليمن الحوثي. لا تزال إيران تتآمر ضدنا، لكن علينا الآن أن نولي المزيد من الاهتمام للجبهة السورية التركية الجديدة التي تتشكل في الشمال.
ومن أين سيأتي الخلاص؟ ليس فقط في قوة ذراعنا الطويلة، بل أيضاً في إسقاط نظام أردوغان في تركيا والنظام في إيران. أو بعد ذلك سيأتي الرفاهية أيضًا لشعبهم.