×

  بحوث و دراسات

  رســــــائل "دافــــــوس"



النتائج الرئيسية للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025

*انترريجيونال للدراسات الاستراتيجية

الباحث : عبد الله جمال:في ظل التحديات المتصاعدة من صراعات مستمرة وعدم يقين اقتصادي مصحوب بتقدم تكنولوجي متسارع، اجتمع رؤساء الدول في دافوس بسويسرا لحضور الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025، وذلك خلال الفترة من 20 إلى 24 يناير الجاري، تحت شعار "التعاون من أجل العصر الذكي"، وبمشاركة نحو 3000 شخصية بارزة من أكثر من 130 دولة، من بينهم أكثر من 50 رئيس دولة وحكومة، إضافة إلى مئات من القادة الحكوميين رفيعي المستوى. هذا التجمع الدولي يأتي في وقت يشهد فيه العالم حالة من عدم اليقين، مع تغيرات قيادية على الساحة الدولية، واستمرار الأزمات في مناطق متعددة. وفي هذا السياق، التقى قادة العالم مع ممثلين عن القطاع الخاص وخبراء المجتمع المدني لفتح قنوات الحوار، وتعزيز الحلول المستدامة للتحديات العالمية المشتركة.

 

محددات عالمية

يتزامن اجتماع هذا العام مع بروز مجموعة من التحديات التي تُهدد الاقتصاد العالمي، تتراوح بين الصراعات المسلحة والكوارث المناخية. ويمكن استعراض أبرز محددات انعقاد المنتدى كما يلي:

 

1- تراجع حدة التفاؤل بشأن النظام العالمي:

 أظهر تقرير المخاطر العالمية 2025 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أن هناك حالة من "تراجع التفاؤل" تسود توقعات عام 2025، حيث أصبحت التحديات الجيوسياسية، والبيئية، والمجتمعية، والاقتصادية، والتكنولوجية، أكثر تفاقماً. فعلى سبيل المثال، خلال العام الماضي، تصاعدت الصراعات العالمية، وازدادت الظواهر الجوية المتطرفة المرتبطة بالتغير المناخي، بجانب تزايد الاستقطاب المجتمعي والسياسي. ووفقاً للتقرير، تُعد المعلومات المضللة أكبر تهديد عالمي خلال العامين المقبلين، كما تظل القضايا البيئية مصدر القلق الأساسي على مدى العقد القادم، بدءاً من الطقس المتطرف، وصولاً إلى فقدان التنوع البيولوجي وشح الموارد الطبيعية.

 

2- تصاعد أزمات التغيرات المناخية:

ما زال تغير المناخ قضية محورية، حيث تسعى القيادات الأوروبية إلى تعزيز الالتزام باتفاقية باريس، رغم التحديات التي ظهرت مع سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خاصة بعد إعلانه انسحاب بلاده من هذه الاتفاقية فور وصوله للبيت الأبيض، الأمر الذي أشعل مناقشات جديدة حول الزعامة العالمية للمناخ، وحث دول مثل الصين والاتحاد الأوروبي على ملء الفراغ. كما شدد المنتدى على ضرورة الانتقال إلى الطاقة النظيفة، مع دعوات لتسريع الاستثمارات في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية.

وفي هذا السياق، تُشير تقديرات علمية إلى أن عام 2024 كان العام الأكثر دفئاً على الإطلاق على كوكب الأرض، ومن ثم أصبحت تأثيرات تغير المناخ واضحة للغاية في جميع أنحاء العالم؛ حيث زاد عدد الأحداث المناخية المتطرفة خمسة أضعاف في السنوات الخمسين الماضية، ناهيك عن تسبب الكوارث الناجمة عن تغير المناخ في أضرار تجاوزت 3.6 تريليون دولار منذ عام 2000، وفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي.

 

3- عودة دونالد ترامب إلى السلطة:

 تتزامن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مع تصاعد التساؤلات حول تأثير سياساته على النظام العالمي؛ إذ يُتوقع أن تُحدث وعوده بفرض رسوم جمركية على الاقتصادات الكبرى، مثل الصين والاتحاد الأوروبي، تغييراً في خريطة التجارة الدولية. كما أن مراجعاته المحتملة للتحالفات العسكرية، مثل الناتو، قد تُعيد صياغة دور الولايات المتحدة في الأمن العالمي. إضافةً إلى ذلك، تعكس سياسات ترامب المحتملة، مثل إلغاء لوائح بيئية ومالية داخلية، توجهاً نحو تقليل الاعتماد على التعاون متعدد الأطراف، مما قد يؤدي إلى توترات بين واشنطن وحلفائها التقليديين.

 

4- توسّع نطاق الحرب التجارية بين واشنطن وبكين:

 لا تزال السياسة الاقتصادية لدونالد ترامب غامضة وفي مرحلة "الانتظار والترقب"، حيث لم يُعلن بعد عن تفاصيل برنامجه الجديد للرسوم الجمركية. ومع ذلك، من المتوقع أن تشمل خطواته الأولى تجاه الصين الإبقاء على الرسوم المفروضة في عهد بايدن أو فرض تدابير جديدة، حيث كان اقتراح ترامب السابق بفرض رسوم بنسبة 60% على السلع الصينية نقطة انطلاق محتملة لاشتداد الحرب التجارية بينهما.

من جانبه، حذّر إيان بريمير، رئيس مجموعة أوراسيا، خلال إحدى فعاليات منتدى دافوس، من تصاعد حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، مشيراً إلى استقرار مؤقت في العلاقات بفضل جهود مكثفة لإدارة العلاقات الثنائية، مؤكداً أن الأشهر المقبلة ستشهد تحولات جذرية في العلاقات بين البلدين، كما اعتبر هذه القضية أنها الأكثر أهمية على الساحة الدولية.

وفي أحدث تقرير لاستطلاع آراء كبار الاقتصاديين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، قالت الغالبية العظمى من خبراء الاقتصاد الذين شملهم الاستطلاع (89%)، إنهم يتوقعون حرباً تجارية من القيود التجارية المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين.

 

5- تزايد التحركات الأوروبية لتأكيد الاستقلالية الاستراتيجية:

 أبرز القادة الأوروبيون خلال منتدى دافوس، بقيادة أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، التزام القارة بالتعددية والعمل المناخي، خلافاً لسياسات ترامب المغايرة، واصفةً اتفاق عام 2015 بأنه "أفضل أمل للبشرية جمعاء"، وتعهدت: "سوف تظل أوروبا على مسارها، وستواصل العمل مع جميع الدول التي تريد حماية الطبيعة، ووقف الانحباس الحراري العالمي".

ويعكس تأكيد أوروبا على "الاستقلال الاستراتيجي" رغبتها في تأكيد قدر أكبر من الاستقلال عن السياسات الأمريكية، وخاصة في المسائل الأمنية والتجارية. من ناحيته، حث المستشار الألماني أولاف شولتز وشخصيات أوروبية أخرى، على ضرورة تعزيز الإنفاق الدفاعي، وتعزيز التكامل الاقتصادي لحماية المصالح الاستراتيجية لأوروبا، دون الاعتماد على أية أطراف خارجية، في إشارة ضمنية إلى احتمالية تخلي ترامب عن الأمن الأوروبي.

ومن اللافت للنظر أن الوضع الاستراتيجي غير المتوازن أصبح أكثر وضوحاً عندما يتعلق الأمر بالأمن؛ حيث كانت الحرب على أوكرانيا بمثابة جرس إنذار لمسألة اعتماد أوروبا المفرط على الشراكة عبر الأطلسي. بيد أن هذا الإدراك لا يعني أن الاتحاد الأوروبي ينبغي له أن يعطي الأولوية للاستقلال على التحالفات، نظراً لأن الردع النووي الأمريكي والشراكات الدفاعية، بما في ذلك حلف شمال الأطلسي، أمر لا غنى عنه، ولا يمكن لأوروبا أن تعتبر هذا الترتيب الدفاعي أمراً مفروغاً منه.

في المقابل، يرى مارك روته، أمين عام حلف الناتو، أن أوروبا لا بد أن تبذل المزيد من الجهود في الدفاع عن نفسها لدعم أوكرانيا، حتى تتمكن من التفاوض من موقع القوة وردع روسيا في المستقبل، بغض النظر عن هوية الرئيس الأمريكي، قائلاً: "إن الحلفاء الأوروبيين يجب أن يتحولوا إلى عقلية الحرب".

 

6- استمرار الصراع بين روسيا وأوكرانيا:

 خلال حملته الرئاسية، صرح ترامب بأنه قادر على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا في غضون يوم واحد. ورغم عدم ذكره أياً من الدولتين في خطاب تنصيبه، إلا أنه أشار إلى رغبته في أن يكون "صانع سلام وموحد".

وفي خطابه في دافوس، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى تشكيل قوة حفظ سلام أوروبية تضم ما لا يقل عن 200 ألف جندي لمنع أي هجوم روسي جديد بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن هذا العدد يعادل تقريباً حجم القوات المسلحة الفرنسية بأكملها، وفق تقديرات وزارة الدفاع الفرنسية في عام 2020. وأضاف زيلينسكي أن هذا الرقم ضروري لضمان الأمن إذا بلغ إجمالي القوات المسلحة الروسية 1.5 مليون جندي، بينما لا تمتلك أوكرانيا سوى نصف هذا العدد.

 

7- المخاوف من استمرار الاضطرابات في الشرق الأوسط:

جاء انعقاد منتدى دافوس في ظل اضطرابات عميقة بمنطقة الشرق الأوسط، فبالرغم من التوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار في غزة، يبدو أن الوضع هش وقابل للتفجر مجدداً، وخاصة في ظل التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية. وهو الوضع المشابه أيضاً في لبنان. أضف إلى ذلك التحولات القائمة في سوريا، والتخوف أيضاً من الدخول في حرب أهلية، علاوة على الصراع التركي الكردي المتواصل، واستمرار المساعي الإيرانية لترميم النفوذ في المنطقة بعد تعرض وكلائها في المنطقة لصدمات كبيرة، وخاصة حزب الله. ناهيك عن استمرار تهديد الحوثيين للملاحة في منطقة البحر الأحمر.

 

مخرجات "دافوس"

 

ركزت القمة الاقتصادية في دافوس على توجيه دول العالم نحو أخذ الحيطة، وكذلك الاهتمام بعدة ملفات، منها:

 

1- أهمية عودة الاستقرار النسبي لمنطقة الشرق الأوسط:

 ركز عدد من المناقشات في المنتدى على قضايا الشرق الأوسط، وضرورة عودة الاستقرار إلى المنطقة. وفي هذا السياق، أعرب الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس وزراء قطر، عن أمله في تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة، مشيداً "بالأخبار الجيدة" بشأن توقف القتال، مؤكداً -خلال ندوة حول دبلوماسية الصراعات- أن المساعدات الإنسانية وصلت إلى غزة، مع عودة الرهائن، معتبراً ذلك خطوة أولى نحو الاستقرار.

من جهته، أبدى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ تفاؤله بشأن وقف إطلاق النار في غزة، معتبراً أنه "مفتاح لإطلاق المزيد من المبادرات". أما توم فليتشر، منسق المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة، فقد أكد أولويته في ضمان استمرار تدفق المساعدات إلى غزة خلال وقف إطلاق النار، مشيراً إلى تطلعه لأن يسهم ترامب في تعزيز عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، خاصة وأنها مهمة متعثرة منذ عقود طويلة.

 

2- مساعٍ لضمان استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا:

بعد مرور نحو ثلاث سنوات على بداية الحرب الأكرانية، استغل زيلينسكي منصته في دافوس لدعوة الحلفاء الأوروبيين إلى البقاء متحدين، قائلاً: "نحن عند نقطة تحول أخرى، يراها البعض أزمة، بينما يعتبرها الآخرون فرصة". كما أكد على أهمية إثبات أوروبا نفسها كلاعب عالمي قوي، مشيراً إلى عدم وجود حاجز جغرافي كالمحيط لفصل الدول الأوروبية عن روسيا، مسلطاً الضوء أيضاً على الدور الحاسم للولايات المتحدة كحليف رئيسي لأوروبا.

وفي سياق متصل، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن الاتحاد الأوروبي سيستمر في دعم أوكرانيا "بدون أية شروط"، بغض النظر عن موقف الولايات المتحدة. كما دعا أمين عام حلف الناتو، مارك روته، الولايات المتحدة الأمريكية إلى مواصلة إمداد أوكرانيا بالأسلحة.

 

3- تصاعد الجدل بشأن السياسات المحتملة للإدارة الأمريكية الجديدة:

 تزامنت الاجتماعات السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي مع يوم تنصيب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لفترته الرئاسية الثانية غير المتتالية. وخلال اليوم الرابع من المنتدى، ألقى ترامب خطاباً افتراضياً، حيث استعرض أولويات ولايته الجديدة، إذ تعهد بخفض الضرائب على الشركات، وفرض رسوم جمركية على الشركات التي لا تقوم بالتصنيع داخل الولايات المتحدة، كما أثار جدلاً بتصريحاته عن إمكانية حل العجز التجاري مع كندا بجعلها "الولاية رقم 51".

ويناء على ذلك، شهد المنتدى تبادل وجهات النظر حول التأثيرات المحتملة لعودة ترامب إلى السلطة على مجالات التجارة والتكنولوجيا والجيوسياسة، ودعت نجوزي أوكونجو إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، إلى التريث وعدم اتخاذ قرارات متسرعة تجاه تعهداته، قائلة: "لنكن هادئين ولنرَ ما سيحدث".

هذا وقد أثارت عودة ترامب إلى المشهد السياسي نقاشات واسعة في دافوس؛ حيث أدت قراراته التنفيذية المتعلقة بتوسيع استخدام الطاقة، وفرض التعريفات الجمركية، وتخفيف القيود التنظيمية إلى تأثيرات اقتصادية ملحوظة. وبينما رحب البعض بهذه السياسات كفرصة لدعم الشركات الأمريكية، عبّر القادة الأوروبيون والآسيويون عن مخاوفهم من تآكل التعاون التجاري متعدد الأطراف، وزيادة حدة التنافس الجيوسياسي.

وعلى صعيد آخر، أثارت سياسات ترامب انقساماً في أوروبا، حيث أعادت الخلافات السياسية داخل دول مثل فرنسا وألمانيا إلى الواجهة، في حين تبنى قادة صاعدون، مثل جورجيا ميلوني من إيطاليا، التي شاركت في مراسم التنصيب، مواقف أكثر توافقاً مع توجهات ترامب. وفي تعليق له، أشار آلان بيرسيت، الرئيس السويسري السابق ورئيس مجلس أوروبا، إلى أن عودة ترامب تمت ضمن عملية ديمقراطية، لكنه أكد ضرورة حماية الديمقراطية بشكل مستمر، موضحاً: "نشهد تراجعاً في الديمقراطية على مستوى العالم، حتى في الديمقراطيات الأكثر تقدماً. إنه اتجاه نحو الأسوأ"، في إشارة ضمنية لعودة ترامب للسلطة مرة أخرى.

 

4- محاولة الصين تأكيد مكانتها العالمية:

 أبرزت مشاركة الصين في دافوس طموحها الواضح لتعزيز مكانتها كقائد عالمي في مجالات الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي، حيث أكد نائب الرئيس الصيني دينج شيويه شيانج -خلال كلمته- التزام بلاده بالعولمة وبدعم الترابط بين سلاسل التوريد العالمية، محذراً من مخاطر السياسات الحمائية. كما استعرض التحول الذي شهدته الصين من محركات النمو التقليدية إلى نموذج جديد يركز على الاستهلاك المحلي، والتصنيع المتقدم، والتحول إلى الطاقة الخضراء، مع الحفاظ على سياسات الانفتاح بالرغم من التوترات الجيوسياسية.

وضمن استراتيجيتها المناخية الطموحة، سلطت الصين الضوء على استثماراتها الضخمة في مجالات الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية. وفي هذا السياق، أكد تشو مين، نائب المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي، على النقلة النوعية التي يشهدها الاقتصاد الصيني، موضحاً أن الصين تتحول من الاعتماد على البنية التحتية والصادرات والعقارات -التي يواجه جميعها تحديات العائد المتناقص- إلى محركات نمو جديدة، تمنح الاقتصاد الصيني قدراً أكبر من المرونة في مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية.

 

5- التحذير من مخاطر التغير المناخي:

في جلسة مخصصة لحالة المناخ والطبيعة، أشار نائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل جور إلى التأثيرات المتزايدة للبشر على كوكب الأرض، مصرحاً: "إن العالم يُطلق يومياً نحو 175 مليون طن من الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي"، كما أشار إلى أن هذه الانبعاثات تحبس كميات إضافية من الحرارة تكافئ انفجار 750 ألف قنبلة ذرية من الجيل الأول يومياً على الأرض.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تواجه الشركات التي لا تتكيف مع مخاطر المناخ خسائر محتملة، قد تصل إلى 7% من أرباحها السنوية بحلول عام 2035. وبناء على ذلك. من جانبه، طرح المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، سؤالاً حاسماً أمام الحضور، قائلاً: "ما الذي يجب أن يكون أولوية: أمن الطاقة أم انتقالها؟". وأوضح أن التوازن بين هذين الهدفين ليس مستحيلاً، موضحاً: "من خلال سياسات تحول مدروسة، يمكن تحقيق أمن الطاقة، وخفض الأسعار، وتحقيق الرخاء، وخلق فرص العمل. الجمع بين هذين الهدفين ليس متناقضاً، بل هو ضرورة ملحة".

 

6- تناول ملامح العلاقة بين التطورات التكنولوجية والصناعة:

 برزت إمكانات الذكاء الاصطناعي بشكل لافت في مناقشات الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، مع التركيز على موضوع "الصناعات في العصر الذكي"، حيث تناولت الجلسات محاور عدة، شملت المركبات الكهربائية، والأمن السيبراني، والمصانع الذكية، وتأثيرات الذكاء الاصطناعي على الحكومات والأمن القومي.

وفي جلسة حول تنظيم سلاسل توريد المركبات الكهربائية، ناقش المشاركون استراتيجيات المصنعين وصناع القرار لتلبية الطلب المتزايد، بالرغم من تباطؤ نمو مبيعات المركبات الكهربائية في الولايات المتحدة وأوروبا، بيد أنه يُتوقع أن يصل عدد المركبات الكهربائية الجديدة إلى أكثر من 30 مليوناً بحلول عام 2027، وسط مساعٍ مكثفة لتأمين سلاسل إمداد مستدامة وموثوقة في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة.

وفيما يتعلق بمستقبل الذكاء الاصطناعي، أشار "يان لوكان"، كبير علماء الذكاء الاصطناعي في ميتا، إلى ظهور نموذج جديد من هياكل الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الخمس المقبلة، يتجاوز قدرات النماذج الحالية، موضحاً أن نماذج اللغة الكبيرة المستخدمة حالياً ستصبح غير صالحة كعنصر أساسي في أنظمة الذكاء الاصطناعي المستقبلية.

 

7- التحذير من تصاعد مخاطر الدين العام العالمي:

تواجه الولايات المتحدة مؤخراً تحدياً اقتصادياً جديداً؛ حيث تجاوز إنفاقها على سداد فوائد الديون إنفاقها العسكري لأول مرة. وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة ليست مقتصرة على الولايات المتحدة، فإن دولاً أخرى، كالمملكة المتحدة، تواجه أزمات ديون بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وضعف الإيرادات الضريبية. ونتيجة لذلك، نادت نائبة رئيس صندوق النقد الدولي، "جيتا جوبيناث"، إلى ضرورة الحاجة لإحداث تغيير جذري لمواجهة هذه التحديات، منوهة إلى وصول حجم الديون العامة العالمية إلى مستويات الـ100 تريليون دولار، بينما يجعل ارتفاع أسعار الفائدة سدادها أكثر تكلفة. كما أوضحت أن التحيز للتفاؤل في التنبؤات الاقتصادية أدى إلى التقليل من تقدير المخاطر مثل الأزمات المالية والأوبئة، مما يرفع الدين الفعلي إلى مستويات أعلى من المتوقع بنحو 10 نقاط مئوية.

 

8- التأكيد على أهمية المساواة بين الجنسين:

 تناولت جلسات النقاش حول موضوع المساواة بين الجنسين، تأكيدات الأبحاث المتكررة للفوائد الاقتصادية لتحقيق تلك المساواة؛ إذ يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 20% إذا حصلت النساء على فرص متساوية مع الرجال في المجالات التعليمية والمهنية والصحية. من ناحيتها، أشارت "آنا بيردي"، المديرة الإدارية للعمليات في البنك الدولي، إلى أن تحقيق المساواة بين الجنسين لا يحتاج إلى نقاش إضافي، بيد أن التحديات ما زالت قائمة، حيث يتعرض وصول النساء إلى خدمات الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية للهجوم في العديد من الدول.

 

خلاصة القول

في عصر يتسم بتحديات عالمية متزايدة مثل الأزمات الاقتصادية المتكررة، وشدة تغير المناخ، وتزايد التفاوت الاجتماعي، والتوترات الجيوسياسية التي تعطل الاستقرار الدولي، أصبحت المنتديات الدولية مثل دافوس أكثر أهمية من أي وقت مضى؛ حيث تسمح هذه المنتديات للحوار بين الدول والشركات والجهات الفاعلة الدولية الأخرى، بهدف تنسيق جهودهم لإيجاد حلول مشتركة.

وفي حين نجح المنتدى لعام 2025 في تعزيز الحوار حول القضايا الحرجة، إلا أن ترجمة هذه المناقشات إلى عمل ذي مغزى يظل تحدياً هائلاً، وذلك نتيجة لتوسع نطاق الصراعات الجيوسياسية العالمية، وارتفاع حالة عدم اليقين الاقتصادي والاضطرابات التكنولوجية وتغير المناخ.


01/02/2025