د.محمد نورالدين : يوم السبت 15/2/2025 صادف ، الذكرى الـ26 لاعتقال عبدالله اوجلان، زعيم «حزب العمال الكردستاني»، وأبرز رموز الحركة الكردية في تركيا منذ الحرب العالمية الثانية.
وكان اوجلان اعتُقل في العاصمة الكينية، نيروبي، بالتنسيق الكامل بين الاستخبارات التركية والأميركية والإسرائيلية، وذلك بعد إبعاده في خريف عام 1998، من سوريا، بفعل التوتّر الذي طرأ على العلاقات بين أنقرة ودمشق وصولاً إلى حافة الحرب، فكان أن خرج إلى روسيا فاليونان وإيطاليا وصولاً إلى كينيا، حيث اختُطف واقتيد، في الـ16 من شباط من العام التالي، إلى تركيا.
وتكتسب الذكرى هذا العام أهميّة مضاعفة، مع كثرة الحديث في الآونة الأخيرة عن أن اوجلان سيوجّه من سجنه في إيمرلي في بحر مرمرة، في ذكرى اعتقاله، «نداءً» إلى «الكردستاني» لترْك السلاح، والتخلّي عن العمل المسلّح ويتسق ذلك مع مسار التواصل الجديد الذي دشّنه، مطلع تشرين الأول الماضي، زعيم «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، عندما فاجأ الجميع باقتراحه توجيه اوجلان خطاباً تحت قبّة البرلمان إلى كتلة نواب «حزب المساواة والديمقراطية للشعوب» الكردي.
وأحدث الاقتراح المتقدّم، حركةً سياسية في تركيا، قادت وفداً من النواب الكرد إلى إيمرلي، مرتَين، لزيارة اوجلان، حيث تحدّث الوفد نفسه عن احتمال توجيه مثل هذا النداء، من دون معرفة ماهيته. وعلى امتداد اللقاءات والمناقاشات، ظلّ الموقف الرسمي ثابتاً وعالي النبرة، لجهة أن «الإرهاب» الكردي يجب أن ينتهي في كل مكان: في تركيا وسوريا والعراق.
في المقابل، لم يصدر عن الأوساط الحاكمة أو المحيطة بـ«حزب العدالة والتنمية» أو وسائل إعلام الحزب، ما يعكس أيّ خطوات قد تُقدِم عليها السلطة في ما يتعلّق بمطالب الحركة الكردية في تركيا. لا بل بدا لافتاً أن الحديث عن المطالب، يأتي حصراً من الجانب الكردي، وهو ما بدأ يزرع الشك في مآل الحوار الحالي، إذ لا يمكن أن يستمرّ الحوار، وبالتالي أن ينجح، من طرف واحد. والواقع أن تاريخ العلاقة بين الدولة التركية العميقة والحركة الكردية على امتداد مئة عام، كان عبارة عن مجازر ومحاولات لمحو الهوية الكردية، ولا سيما في عقدَي العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، فيما لم يغيّر وصول «العدالة والتنمية» إلى السلطة منفرداً عام 2002، السلوك التركي السلبي تجاه الكرد.
على أن هذا الواقع ليس غائباً عن بال قادة الحركة الكردية في تركيا؛ ومع أن الصحافية في صحيفة «نفس» (nefes)، نوراي باباجان، ذكرت أن «العدالة والتنمية» قد جهّز فريق العمل الذي سيتفرّغ لحلّ المسألة الكردية - ويتكوّن من وزير الداخلية السابق والنائب الحالي إفكان علاء، ورئيس كتلة الحزب في البرلمان عبدالله غولر، والناطق باسم الحزب عمر تشيليك، إضافة إلى وزير الخارجية حاقان فيدان، ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالين -، فإنها تناولت المؤشرات السلبية بخصوص مسار «المصالحة»، ومن بينها إقالة عدد كبير من رؤساء البلديات الكرد في جنوب شرق البلاد، وتعيين موالين للسلطة مكانهم، وكذلك إقالة العديد من رؤساء بلديات تابعين لـ«حزب الشعب الجمهوري» بتهمة التعاون مع «الإرهاب الكردي»، وآخر هؤلاء رئيس بلدية فان، عبدالله زيدان، الذي كان فاز بـ55% من الأصوات السنة الماضية، من دون أن تُمنح له شهادة الفوز بحجة أنه لم يكن يمتلك شروط الترشُّح، وحُكم عليه قبل يومين بالسجن ثلاث سنوات وتسعة أشهر، وأيضاً اعتقال عدد كبير من الصحافيين الموالين للحركة الكردية، واستمرار الحرب التركية على الكرد في سوريا وشمال العراق.
بناءً على كل تلك المؤشرات، صدرت عن أوساط الكرد أخيراً مجموعة من المواقف التي تعكس تشاؤماً واضحاً، إذ إن رئيس «حزب المساواة والديمقراطية للشعوب» بالتوازي، تونجير باقرخان، تحدّث بوضوح عن أن التحرّك المقبل مرتبط بما إذا كان اوجلان سيوجّه النداء أم لا، على أن تُتَّخذ الإجراءات المناسبة في ضوء ذلك.
وتساءل: «إذا كان النداء بترك السلاح، فما هي الخطوات التي ستلي ذلك من قِبل الحكومة؟
وما هي خريطة طريق الدولة؟
ومَن يترك السلاح، إلى أين سيذهب، وماذا سيفعل، هل يعود إلى عائلته؟ وما هو مستقبل المعتقلين السياسيين، ومصير التعليم باللغة الأم (الكردية)؟
وما هو مصير صيغة الإدارة المحلية، وما هو مصير الإقالات؟».
وأضاف أن «السلام ليس مجرّد كلمة يتمّ التلفُّظ بها، بل مسار دستوري وقانوني.
والسلام ليس السبب في ما يجري، بل هو نتيجة لحرب الإبادة ضدّ الشعب الكردي».
وفي مناسبة أخرى، قال باقرخان إنه «في وقت تناقش فيه المسألة الكردية منذ مئة عام، لا يمكن للحوار أن يتم في زنزانة لا تتعدّى مساحتها الـ 12 متراً مربعاً».
كما رأى أنه يجب توفير الشروط للقاء اوجلان بحزبه مباشرة، مضيفاً أنه «يجب أوّلاً إخراج اوجلان من عزلته ومعتقله، ولو كنت مكانه لم أكن لأوجّه نداءً، وإذا وجَّهت نداءً، مَن سيصغي إليّ؟».
يجب البدء بنقطة ما
ووفقاً لصحيفة «يني أوزغور بوليتيكا» الكردية المؤيدة لـ«الكردستاني»، فـ«إنهم يتحدّثون في تركيا عن "السلام"، وينتظرون من "إيمرلي" العديد من الأشياء. لكنّهم لا يقرنون ذلك بأيّ خطوة عملية».
ورأت أنه «إذا كانت السلطة جادّة، فيجب البدء بنقطة ما، وهي أوّلاً إعلان وقف إطلاق نار بالتوازي بين الجانبين». وقالت: «الشخص الوحيد الذي على تركيا أن تعرف أنه المخاطب لدى الكرد، هو زعيم الشعب الكردي عبدالله اوجلان. الجميع في تركيا يعرف ذلك، لكن نظام الخوف والترهيب الذي تشكَّل في تركيا يجعل الجميع يمارسون لعبة الأكاذيب منعاً للتعرّض للقتل. فالرئيس الراحل، طورغوت أوزال، قال إنه تجب مناقشة كل شيء حتى منح الكرد الفدرالية، فكان الجواب بقتله عام 1993.
أنا محقّ أكثر
كذلك، فإن رئيس الوزراء الراحل، نجم الدين إربكان، كان يقول إن التركي يلقّن ابنه كل يوم: "أنا تركي، أنا على حقّ"، فيأتي الكردي فيقول: "أنا كردي، أنا محقّ أكثر"، فكانت النتيجة قتْله سياسياً». وتابعت: «اليوم، تدعو الدولة، اوجلان إلى إعطاء الأمر بفسخ حزب العمال الكردستاني، ولا تقول شيئاً آخر. حسناً، وبعد ذلك، ما هي الخطوات التالية؟»، لتخلص إلى أن «إردوغان لا يريد سوى تمديد ولايته بالكذب على الكرد بوعود لا يَعرف منها شيئاً. السلطة غير جادّة تجاه عملية السلام.
ستنهار الدولة القومية المتعصّبة
وكما انهارت الدولة القومية المتشدّدة في العالم العربي، ستنهار الدولة القومية المتعصّبة في تركيا»؛ إذ إن «الشرط الأول للسلام، التفاوض مع اوجلان وإعلان متبادل لوقف إطلاق النار، والشرط الثاني الاعتراف بالهوية الكردية ووجود الشعب الكردي وحقوقه الديمقراطية في الدستور والقوانين، والشرط الثالث هو إطلاق سراح اوجلان وتحريره بالكامل»، وإلّا «كيف يمكن اوجلان أن يُصدر موقفاً وهو لم يلتقِ بقيادة حزب العمال؟ أليست دعوة باهتشلي، اوجلان، إلى أن يوجّه بصورة فورية نداءً لترك السلاح وحلّ الحزب، نوعاً من أنواع الإرهاب والتعذيب ضدّه؟».
يُفهم من كل ما تقدَّم، أن كلّ شيء مرتبط بطبيعة نداء اوجلان ومضمونه، وأن توجيه هذا النداء غداً ليس محسوماً، بل الميل أكثر نحو تأجيله، خصوصاً أن رئيسة «حزب المساواة والديمقراطية للشعوب»، تولاي خاتم أوغوللاري، قالت إن الوقت، حتى الـ15 من شباط، قصير وقد لا يكفي لاستكمال التحضير لتوجيه النداء، مع ترجيح أن يحدث ذلك خلال شهر شباط.
نجاح مسار المصالحة
ويرى محللون أن نجاح مسار المصالحة يعتمد بدرجة كبيرة على استعداد أنقرة لتقديم تنازلات ولكن أيضا على قدرة أوجلان على إقناع حزبه بقبول خارطة الطريق الجديدة، خاصة مع تصعيد تركيا هجماتها على شمال العراق، بالإضافة إلى موقف أنقرة المعادي للإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها.
ويقول عباس شاهين، الرئيس المشارك لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب في ديار بكر، “لا يمكن لأي حرب أن يستمر إلى الأبد”، مؤكدا أنّ “الإصرار على عدم التوصّل إلى حل لن يفيد أحدا” معتبرا أنّ “أسوأ أنواع السلام أفضل من الحرب.”
ويشير سيدات يورطاس، من مركز تيغر للأبحاث في ديار بكر، إلى أنّ هذه المرة تختلف عن المبادرات السابقة لأنّها تأتي من زعيم حزب قومي.
وبالنسبة إلى هذا الخبير، فإنّ الدولة لاحظت حجم التغييرات التي طرأت على الشرق الأوسط منذ هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 والذي تسبب باندلاع حرب مدمرة في قطاع غزة.
ويقول إنّ حكومة أردوغان تراقب الحركة التي أدت إلى إسقاط حكم بشار الأسد في سوريا وإبعاد إيران عن الساحة. ويضيف “نحن على أعتاب لحظة تاريخية”، مشيرا إلى أنّ “الدولة ترى أنّ هناك حاجة إلى حلّ دائم للقضية الكردية.”
توجّس وقلق
ويواصل حزب المساواة وديمقراطية الشعوب تحرّكاته، حيث سيتوجّه إلى شمال العراق الأحد للقاء زعماء كرد العراق، في وقت يتحصن مقاتلو حزب العمال الكردستاني منذ أكثر من عقد في جبال العراق. ولكن التوجّس والقلق لا يزالان قائمين.
ويقول مراقبون إن جميع الأطراف في تركيا تتعامل مع العملية بشكل إيجابي؛ الأحزاب السياسية الرئيسية، أردوغان، أوجلان، وصلاح الدين ديميرتاش، لكن الطرف الوحيد الذي يرسل إشارات مختلطة في الوقت الحالي هو قادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل.
وقد يكون ما سبق نتيجة لتزايد الضغوط أو لأن الشخصيات البارزة في حزب العمال الكردستاني أيضا لديها خلافات داخلية فيما بينها، بحسب مديرة مكتب “ديلي صباح” في أنقرة.
ويقول الكاتب التركي أرطغرل أوزكوك إن “مؤسس حزب العمال الكردستاني أشار إلى أنه يستطيع إقناع ثلاثة من الأجنحة الموزعة ما بين سوريا وتركيا وأوروبا، وأنه ليس متأكدا من الإجابة التي سيحصل عليها من جبال قنديل.”
ولحزب العمال الكردستاني أجنحة وتيارات قوية تدعمها دول إقليمية ودولية أبرزها إيران. ويقول باكير أتاجان، مدير مركز إسطنبول للفكر والدراسات الإستراتيجية التركي، إن قسما كبيرا من أجنحة الحزب قد يتجاوب مع نداء زعيمهم باستثناء بعض الأجنحة المتواجدة في جبال قنديل شمال العراق وشرق سوريا وإيران ودول أوروبية، وهؤلاء لا يشكلون سوى 30 في المئة من أجنحة الحزب العسكرية.
وأوضح أتاجان أن الجناح الإيراني ينشط في العراق وسوريا وإيران وتركيا وهو لا يأتمر بأوامر أوجلان، بل بقادته المعروفين بولائهم لإيران وهؤلاء أبرز المعارضين لدعوات السلام.