×

  بحوث و دراسات

  ستيف ويتكوف رجل المهمات الصعبة



«وزير خارجية الظل» حيّد روبيو وحيّر العالم

 

«ستيف يستطيع التكفل بالمهمة»... تعبير يتكرر على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدى الحديث عن المهام الصعبة في السياسة الخارجية. المقصود هنا هو ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للشرق الأوسط، والذي توسع دوره بشكل كبير في الأشهر الأولى من عهد ترمب ليشمل الحرب الروسية الأوكرانية والمفاوضات مع إيران.

يصفه البعض اليوم بـ«وزير خارجية الظل»، فالدور الذي لعبه حتى الساعة في إدارة ترمب يحاكي تقليدياً دور وزير الخارجية، ما طرح تساؤلات عدة حول الدور الفعلي لوزير الخارجية ماركو روبيو في هذه الملفات، وما إذا كان ترمب بتكليفه لويتكوف في إدارة الأزمات الدولية قد حيّد فعلياً وزير خارجيته.

 

وزير خارجية «الظل»

تغيب الخبرة الدبلوماسية عن السيرة الذاتية لويتكوف، الملياردير الأميركي والمستثمر العقاري. كما أنه تجنب أي مساءلة من الكونغرس أو تصويت للمصادقة عليه؛ لأن منصبه لا يتطلب موافقة المجلس التشريعي على خلاف روبيو، السيناتور الجمهوري السابق عن ولاية فلوريدا، والذي تم انتخابه لهذا المقعد، ثم تعرض لمساءلة مجلس الشيوخ الذي صوت بالإجماع على المصادقة عليه في منصب وزير الخارجية. ويقول البعض إن هذا التعيين بحد ذاته كان تحييداً لدور روبيو قبل تسلمه منصبه حتى.

ولم يمنع غياب خبرة ويتكوف في الدبلوماسية ترمب من تكليفه بملفات حساسة في السياسة الخارجية، فكان هو من ترأس جهود وقف إطلاق النار في غزة، والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقاد المفاوضات المباشرة مع طهران.

ولعل غياب الخبرة هذا هو السبب الفعلي لثقة ترمب بويتكوف بدلاً من وزير خارجيته، فهو يرى في مبعوثه صورة له، كرجل أعمال خارج عن المنظومة السياسية التقليدية في واشنطن، فويتكوف لا يتقاضى راتباً من الحكومة الأميركية كما أنه يسدد تكاليف معظم رحلاته الخارجية من ماله الخاص.

ويتحدث جاكوب هيلبورن، كبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك» والمحرر في مجلة «ناشونال إنترست» للسياسة الخارجية، عن علاقة ترمب بمبعوثه ووزير خارجيته قائلاً: «إن (ماركو الصغير) كما دعاه ترمب دُفِع إلى الصفوف الخلفية وهو لا يشارك فعلياً في ملف إيران والصين. هو يعمل قليلاً على أوروبا لكنه كلف بملفات أميركا الوسطى والجنوبية».

ويشير هيلبورن إلى وجود مساعٍ من المقربين من ترمب «لتقويض» روبيو، معتبراً أن ترمب «لا يحبه» منذ أن تنافسا في الانتخابات التمهيدية في عام 2016، وأَضاف: «لقد منحه وظيفة وزير الخارجية ليهينه، أما ويتكوف فهو رجل أعمال خارج عن الدائرة السياسية، ولهذا فإن ترمب يحبه».

 

خلاف داخلي

بطبيعة الحال، وكما هي العادة في الدبلوماسية، ينفي روبيو علناً هذه التجاذبات الداخلية، فيشيد بويتكوف و«التزامه بإحقاق السلام في الصراعات العالمية»، ويصفه بـ«القائد الرائع في حركة (أميركا أولاً)». كلمات داعمة في الظاهر لكن مضمونها مشبع بالمعاني، فتوصيف ويتكوف يسلط الضوء على تجاذب الشقين المتعارضين في فريق ترمب: الجمهوريين التقليديين الممثلين بروبيو ومستشار الرئيس للأمن القومي مايك والتز من جهة، و«الترمبيين» أو مناصري «ماغا» ، وعلى رأسهم نائبه جي دي فانس وويتكوف من جهة أخرى.

ويرى تشارلز كوبشان، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في إدارتي أوباما وكلينتون، أنه من الطبيعي أن يتم تشكيل فريق لديه آراء مختلفة على غرار فريق ترمب، يعرض على الرئيس قرارات مختلفة ليختار منها، لكنه يعقب قائلاً: «ليست هذه هي الطريقة التي يعمل بها البيت الأبيض حالياً، وتدريجياً سيتم إما طرد وإما إسكات أنصار العولمة التقليديين، فالجناح اللآيديولوجي لـ(ماغا) هو الجناح الذي يكسب اهتمام ترمب ويفوز في هذه المعارك الداخلية».

 

مواقف مثيرة للجدل

 

-إيران والبرنامج النووي

تعدّ المعركة على السياسة الخارجية مصيرية خاصة في ظل تقلب المواقف الأميركية التقليدية في ملفات عدة، والتضارب في بعض الأحيان في المواقف الصادرة عن فريق ترمب، ولعلّ خير دليل على ذلك التصريحات المتعلقة بالملف النووي الإيراني؛ فبعد أن فاجأ ويتكوف الكثيرين إثر تلميحه بأن الاتفاق الذي تسعى إليه إدارة ترمب مع طهران سيسمح لها بالاستمرار بتخصيب اليورانيوم بدلاً من وقف البرنامج النووي بالكامل، عاد ليوضح موقفه قائلاً إن أي اتفاق سيتطلب وقف التخصيب وإنهاء البرنامج النووي.

ويعرب دايفيد شينكر، نائب وزير الخارجية السابق في عهد ترمب الأول، عن قلقه العميق من تصريحات ويتكوف التي تراجع عنها، قائلاً: «ما يقلقني هو أن تلك التصريحات تعني أن الإدارة ستسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم، وبمجرد أن نخطو خطوة من هذا النوع، سيضعنا هذا على منحدر يعيدنا إلى الاتفاق النووي الذي ألغاه ترمب لأنه وصفه بالاتفاق السيئ».

 

بوتين «رجل رائع وذكي جداً»

بهذه الكلمات وصف ويتكوف الرئيس الروسي في مقابلة مع تاكر كارلسون، مذيع «فوكس نيوز» السابق، في 21 مارس (آذار)، مضيفاً: «لقد أعجبني، وأعتقد أنه كان صريحاً جداً، لا أراه رجلاً سيئاً»، ولم يتوقف ويتكوف عند هذا الحد بل اعتبر أن العائق الأكبر أمام المفاوضات هو «ما يسمى بالأقاليم الخمسة: دونباس والقرم ولوغانسك، وإقليمين آخرين» على حد قوله. موقف أثار حفيظة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي اتهم ويتكوف بتأييد الموقف الروسي، كما أغضب بعض الجمهوريين كالمسؤول السابق في وكالة الاستخبارات الدفاعية مايكل بريجينت، الذي قال: «لقد أحرج ويتكوف نفسه عندما مدح بوتين... أعتقد أنه من الأفضل له أن يعود لبيع العقارات في نيويورك وليس التعامل مع أعدائنا».

 

*«ريفييرا» غزة

ويقول الكثيرون من الذين تحدثت «الشرق الأوسط» معهم إن ويتكوف يتعامل مع السياسة الخارجية من منطلق بائع العقارات وصانع الصفقات، وبدا هذا واضحاً من خلال طرح ترمب لفكرة «ريفييرا غزة» بعد عودة ويتكوف من زيارة القطاع في خطوة نادرة لمسؤول أميركي. ومن هذا المنطلق، يشبهه البعض بصهر ترمب جاريد كوشنر الذي كان لديه تأثير كبير على الرئيس الأميركي في عهده الأول وخط مباشر معه، على غرار ويتكوف في عهده الثاني الذي هو كذلك يعمل بطريقة مستقلة نسبياً عن الهيكلية المتعارف عليها في الحكومة الأميركية.

 

روبيو وبلينكن بين ويتكوف وبيرنز

رغم النفوذ المتزايد الذي يحظى به ويتكوف، فإنها ليست المرة الأولى التي يحيّد فيها رئيس أميركي وزير خارجيته عن بعض الملفات. آخر مثال على ذلك كان الرئيس السابق جو بايدن الذي اعتمد على مدير الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز في ملفات السياسة الخارجية وكلفه بدلاً من وزير خارجيته أنتوني بلينكن بالتواصل مع بوتين في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2021؛ لإقناعه بعدم غزو أوكرانيا، كما زار كابل للقاء قادة من حركة «طالبان»؛ تمهيداً لسحب القوات الأميركية من أفغانستان.

لكن الفارق الأبرز بين بيرنز وويتكوف هو أن الأول شغل مناصب دبلوماسية لأكثر من ثلاثين عاماً في إدارات ديمقراطية وجمهورية، وهو ما يغيب عن سجل ويتكوف. فهل يثبت الرجل بأنه قادر على صنع الصفقات وتحقيق ما عجزت عنه الإدارات السابقة والتقليديين في الحزب؟ أم أنه سيطلّق السياسة ويعود إلى حبه الأول في بيع العقارات؟

صحيفة "الشرق الاوسط" اللندنية


11/05/2025