×

  رؤى حول العراق

  تجديد الشراكة..عن دوافع زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى تركيا



 

*انترريجيونال للدراسات

أجرى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، زيارة رسمية إلى تركيا في 8 مايو 2025، التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعدداً من كبار المسؤولين الأتراك. وتأتي هذه الزيارة في إطار سعي البلدين إلى تعميق الشراكة الاستراتيجية، وتعزيز الحوار بشأن الملفات الخلافية. وتزامن ذلك مع إعلان أنقرة، في 7 مايو 2025، عن تعيين وزير الغابات وشؤون المياه السابق فيسيل إيروجلو، ممثلاً خاصاً لها لدى العراق، في خطوةٍ تعكس الأهمية المتزايدة التي توليها تركيا لعلاقاتها مع بغداد، خاصةً في ظل المتغيرات الإقليمية الراهنة. في هذا الإطار، تركز زيارة السوداني إلى أنقرة على تعزيز التعاون الثنائي في عدد من القضايا، منها الأمن الإقليمي، والتعاون الاقتصادي، وتقاسم الموارد المائية.

 

أهداف بغداد

 

ترتبط زيارة السوداني إلى تركيا، بجملة من الدوافع العراقية، وهو ما يمكن بيانه كالتالي:

 

1– سعي "السوداني" إلى توظيف السياسة الخارجية انتخابياً:

 ترتبط زيارة السوداني إلى تركيا، التي تأتي قبل نحو أربعة أشهر من الانتخابات البرلمانية العراقية، برغبته في توظيف السياسة الخارجية كورقة دعم انتخابي، من خلال إبراز قدرته على تعزيز علاقات العراق مع دول الجوار، وعلى رأسها تركيا. ويمثل هذا التقارب أولوية استراتيجية بالنسبة إليه؛ لكونه يسهم في استقطاب الكتل السنية من جهة، ويتيح له موازنة النفوذ الإيراني المتصاعد في الداخل من جهة أخرى. وفي هذا الإطار، تبرز الاتهامات التي وجهها قيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحق، إلى تركيا في مطلع أبريل 2025، بشأن تشكيل مليشيات تابعة لها داخل العراق، كتعبير عن رفض بعض الفصائل الموالية لطهران لمحاولات السوداني الانفتاح على أنقرة.

 

2– توظيف الوساطة التركية لحل القضايا العالقة مع دمشق:

يُعد توظيف الوساطة التركية في حل الملفات العالقة بين بغداد ودمشق أحد الدوافع الرئيسية لزيارة السوداني إلى أنقرة؛ فعلى الرغم من التقدم النسبي في مسار التقارب بين العراق وسوريا، خاصةً بعد توجيه السوداني دعوة رسمية إلى الرئيس السوري أحمد الشرع في 27 أبريل 2025 لحضور القمة العربية المقررة في 17 مايو 2025، فإن عدداً من القضايا الخلافية ما زالت قائمة، منها الاتهامات السورية للعراق بدعم عناصر من الجيش السوري السابق، مقابل المخاوف العراقية من بعض التيارات المتشددة المتمركزة داخل سوريا، التي تتبنى مواقف عدائية تجاه المكونات الشيعية في الإقليم، على خلفية دعمها النظام السابق.

في هذا السياق، يأمل السوداني الاستفادة من علاقات أنقرة الوثيقة مع دمشق لإحداث اختراق في هذه الملفات، وفتح مسار تفاوضي يقلص حدة التوتر ويعيد بناء الثقة. وتستند هذه الرغبة إلى تقديرات تشير إلى أن تعزيز التقارب العراقي–السوري من خلال البوابة التركية، قد يُفضي إلى إعادة رسم التحالفات الإقليمية، بما يسمح ببلورة محور ثلاثي يضم أنقرة وبغداد ودمشق، يمكن أن يساهم في تحييد الضغوط الإيرانية، أو على الأقل موازنة نفوذها المتزايد داخل العراق.

 

3– تأمين المصالح العراقية في الساحة السورية عبر تركيا:

 يبدو أن بغداد ترى أنقرة شريكاً محتملاً لدعم حضورها في الملف السوري، خصوصاً بعد أن أضحى المشهد في سوريا أكثر تعقيداً مع سقوط نظام الأسد وصعود قوى جديدة مدعومة من أطراف إقليمية، على رأسها هيئة تحرير الشام المقربة من تركيا. وبالنظر إلى محدودية الدور العراقي المباشر في سوريا، تسعى بغداد اليوم إلى استعادة حد أدنى من التأثير، مستفيدةً من العلاقة المتنامية بين أنقرة والإدارة السورية الجديدة. ويأمل العراق، من خلال هذا التقارب، أن يتمكن من حماية بعض مصالحه السياسية والأمنية، خصوصاً فيما يتصل بالقضايا الحدودية، ومنع تمدد الجماعات المتشددة داخل أراضيه.

 

4– تفعيل التشاور مع أنقرة في ظل التهديدات الإقليمية المتصاعدة:

 في ظل التصعيد الإقليمي المستمر، خاصةً المرتبط بالتهديدات الإسرائيلية، حرص السوداني، خلال زيارته إلى أنقرة، على تفعيل قنوات التشاور السياسي مع الجانب التركي بشأن هذه التطورات؛ فقد أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة في سوريا ولبنان واليمن، إضافةً إلى الحرب على غزة، إلى تفاقم المخاوف في بغداد من ارتدادات أمنية تمس استقرار المنطقة، وتنعكس على الداخل العراقي بشكل مباشر أو غير مباشر. وبالنظر إلى تقاطع المصالح وتداخل التهديدات، تسعى بغداد إلى بناء تفاهمات مشتركة مع أنقرة تتيح قراءة أكثر تنسيقاً للمتغيرات الإقليمية، وتعزيز قدرة البلدين على التعامل السياسي والأمني مع بيئة إقليمية تتسم بدرجات متصاعدة من عدم الاستقرار.

 

5– تعزيز التعاون الأمني مع أنقرة لمواجهة التهديدات العابرة للحدود:

 يسعى السوداني إلى تعزيز مساحات التعاون الأمني بين بلاده وبين تركيا لمواجهة المخاطر الأمنية العابرة للحدود، لا سيما تلك المتعلقة بتهديدات حزب العمال الكردستاني؛ وذلك بعد قيام الحزب في مطلع مايو 2025 بشن هجومين على قوات البشمركة في محافظة دهوك شمال العراق. وقد أعاد هذا التصعيد تسليط الضوء على أولوية التنسيق الأمني بين بغداد وأنقرة، لا سيما فيما يتعلق بمواجهة الفصائل المتشددة داخل الحزب، التي ترفض مبادرات التسوية، وفي مقدمتها مبادرة أوجلان للسلام.

كما تسعى بغداد إلى توسيع مجالات التعاون مع أنقرة فيما يخص ضبط الحدود المشتركة ومنع تسلل عناصر تنظيم داعش، بالنظر إلى ما تشكله هذه التهديدات من مخاطر مباشرة على الأمن الوطني. وقد أكد الجانبان خلال الزيارة أهمية تطوير آليات تبادل المعلومات والتنسيق العملياتي، بما ينعكس إيجاباً على استقرار البلدين، ويساهم في الحد من التهديدات الأمنية المتفاقمة.

 

6– فتح قنوات للتفاهم مع أنقرة لمعالجة أزمتَي الطاقة والمياه:

 تمثل قضايا الطاقة والمياه محوراً حيوياً في زيارة السوداني إلى أنقرة؛ نظراً إلى تأثيرها المباشر على الاستقرار الاقتصادي والبيئي في العراق؛ فعلى صعيد ملف الطاقة، تسعى بغداد إلى التوصل إلى اتفاق يُنهي أزمة تصدير النفط من إقليم كردستان العراق عبر خط أنابيب ميناء جيهان التركي، المتوقف منذ مارس 2023، وهو ما كلف العراق خسائر تُقدر بنحو 19 مليار دولار. ويعود هذا التوقف إلى قرار محكمة تحكيم دولية ألزم تركيا بدفع تعويضات لبغداد؛ لنقلها النفط من دون موافقة الحكومة الاتحادية؛ ما أدى إلى تعليق الضخ من جانب أنقرة.

أما على صعيد المياه، فتأتي الزيارة في ظل أزمة مائية متفاقمة نتيجة السياسات التركية في بناء السدود على نهرَي دجلة والفرات، وهو ما أدى إلى انخفاض حاد في منسوب المياه داخل العراق. ويسعى السوداني إلى استخدام مسارات التعاون مع أنقرة، كورقة ضغط سياسية واقتصادية لدفع تركيا نحو مزيد من المرونة في ملفَّي النفط والمياه، وتحقيق تسوية تخدم المصالح العراقية على المديَين القريب والمتوسط.

 

7– توسيع الشراكة مع تركيا عبر مشروع "طريق التنمية":

 تأتي هذه الزيارة في توقيت مهم بالنسبة إلى العراق؛ حيث تسعى بغداد إلى تأمين مصالحها الاقتصادية مع تركيا من خلال الحرص على إنجاح مشروع "طريق التنمية"، الذي يعد من المشاريع الكبرى التي تربط العراق بتركيا بشبكة من الطرق البرية والمواصلات التجارية. ويلقى هذا المشروع اهتماماً لافتاً من جانب بغداد، التي تسعى إلى ضمان تعزيز حضور الجيوسياسي في الإقليم، خصوصاً أن المشروع يربط الخليج العربي بأوروبا عبر الأراضي العراقية والتركية. وفي رؤية العراق، فإن "طريق التنمية" قد يرفع حجم التبادلات التجارية مع تركيا من 20 مليار دولار في الوقت الحالي إلى نحو 30 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة.

 

تحديات ضاغطة

 

على الرغم من أن زيارة السوداني إلى تركيا كشفت عن عمق التفاهمات المشتركة بين البلدين، فإن ثمة تحديات لا تزال تلقي بظلالها على واقع ومستقبل العلاقة بين بغداد وأنقرة، وهو ما يتضح في الآتي:

 

1– استمرار التعنت التركي في ملف تقاسم المياه:

 رغم الانفتاح السياسي والتعاون الأمني والاقتصادي بين بغداد وأنقرة، لا يزال ملف تقاسم مياه نهري دجلة والفرات يمثل نقطة توتر تقوِّض فرص التقارب الحقيقي بين الجانبين؛ فحتى الآن، لم تُبدِ تركيا استجابة فعالة للمطالب العراقية، وظلت متمسكة بمواقفها التقليدية في إدارة الموارد المائية؛ ما جعل أزمة المياه في العراق تتفاقم، وقلص رصيد الثقة بقدرة الحوار الثنائي على تحقيق نتائج ملموسة في الملفات الحيوية.

 

2– رفض الفصائل الشيعية مسار الانفتاح على أنقرة:

يمثل الرفض الصريح من قبل الفصائل الشيعية الموالية لإيران أحد أبرز التحديات التي تعيق مسار التقارب العراقي–التركي؛ فهذه القوى تنظر بعين الشك إلى الانفتاح على أنقرة، وتعتبره مهدداً لمصالح حلفائها الإقليميين، وقد بدأت بالفعل تعبر عن رفضها لهذا التوجه من خلال رسائل إعلامية ومواقف سياسية تستهدف إضعاف موقف حكومة السوداني، وتصوير هذا الانفتاح كخطوة تتعارض مع المصلحة الوطنية، وتخدم توازنات إقليمية مناوئة.

 

3– التوغلات العسكرية التركية المتكررة داخل العراق:

على الرغم من سعي بغداد إلى تعزيز مسار الشراكة مع أنقرة، تشكل العمليات العسكرية التركية المتكررة في شمال العراق عائقاً كبيراً أمام بناء الثقة بين الطرفين؛ فالقصف الجوي، وتوغلات القوات التركية التي طالت نحو 20 قرية في محافظة دهوك منذ مطلع 2024، تُوظَّف داخلياً من قِبَل خصوم السوداني كورقة ضغط، وتُقدَّم كدليل على فشل الحكومة في حماية السيادة الوطنية؛ ما يضعف موقفها في الدفع بمسار التقارب مع تركيا أمام الرأي العام الداخلي.

 

مقاربة مزدوجة

ختاماً، عكست زيارة السوداني إلى أنقرة سعياً مدروساً إلى تعزيز حضوره الإقليمي في لحظة تشهد تصاعداً في التوترات الإقليمية وتداخلاً في المصالح؛ ففي ظل اقتراب الانتخابات التشريعية، بدت الزيارة محاولة مزدوجة لاحتواء ارتدادات التحولات الجيوسياسية من جهة، واستثمارها لترسيخ موقعه داخلياً من جهة أخرى، كما تؤشر الزيارة إلى مستوى متقدم من التفاهم مع أنقرة، قد يتيح إعادة مقاربة الملفات الخلافية بطريقة أكثر توازناً، بعيداً عن منطق التصعيد أو الاصطفاف الإقليمي.


18/05/2025