×

  رؤى حول العراق

  قمَّة بغداد.. رهان على وحدة المواقف العربيَّة في زمن التصدّعات



*أ. د. أحمد فكاك البدراني

 

تستضيف العاصمة العراقية بغداد قمة عربية استثنائية في عام (2025)، وسط ظروف إقليمية معقدة وتحديات أمنية وسياسية واقتصادية غير مسبوقة. وتكتسب قمة بغداد أهميتها ليس من توقيتها فحسب، بل من محاولتها إعادة صياغة المشهد العربي عبر بوابة التجسير السياسي وترميم العلاقات العربية- العربية التي شابها الكثير من الشروخ خلال السنوات الماضية.

 

 

محاولة لتجاوز التشتت العربي

لقد عانت المنطقة العربية خلال العقدين الأخيرين من موجات متتالية من التفكك الداخلي والخلافات البينية، بدءاً من الانقسامات في المواقف من ثورات "الربيع العربي"، مروراً بالحروب بالوكالة، وصولاً إلى الاصطفافات الإقليمية التي فتّتت الجسد العربي المشترك. قمة بغداد تأتي كمحاولة لإعادة الثقة بين العواصم العربية، وفتح مسارات جديدة للحوار والمصالح المتبادلة، لا سيّما في ظل التحديات العابرة للحدود، مثل الإرهاب، والهجرة، وأزمات الطاقة والغذاء.

 

الملفات الساخنة على الطاولة

تُطرح في القمة مجموعة من القضايا التي لم تعد تقبل التأجيل:

 • غزّة: في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، والمأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون، تمثل غزّة جرحاً نازفاً في الضمير العربي، ومسؤولية أخلاقية وسياسية تستوجب موقفاً عربياً موحداً يدعم صمود الشعب الفلسطيني ويسعى لوقف العدوان والضغط من أجل حل عادل وشامل.

 

 • سوريا: لا تزال الأزمة السورية تراوح مكانها، مع تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين، وتداخل المصالح على الرغم من نجاح ثورتها وهروب الأسد.

تبحث القمة في إمكانية دعم حل سياسي حقيقي، يحفظ وحدة سوريا ويُنهي التدخلات الخارجية.

 

 • اليمن: بين هدنة هشة وأمل بسلام دائم.

يعود الملف اليمني إلى أجندة القمة بوصفه اختباراً للإرادة العربية في وقف نزيف دولة عربية مهددة بالتقسيم والانهيار.

 

 • العراق وعلاقاته مع دول الجوار تركيا وإيران، ومشكلة المياه وضرورة بناء علاقات حسن الجوار، ومدى لعب العراق أدواراً إيجابية تخدم دول الجوار من خلال لعبه دور الوسيط في الأزمات الإقليمية، لاسيما أنَّ العلاقات العراقية- الإيرانية والعراقية التركية معقّدة بحكم الجغرافية والتاريخ.

لكن ثمة قناعة متزايدة أنَّ التوازن في هذه العلاقة يتطلب دعماً عربياً صادقاً وفعّالاً.

 

دبلوماسية التوازن والانفتاح

من أبرز ملامح قمة بغداد (2025)، أنها تسعى إلى ممارسة دبلوماسية التوازن، إذ تحاول بغداد أن تتموضع كوسيط لا كطرف، وكجسر تواصل لا كجدار فصل. وقد ساعد موقع العراق الجغرافي وواقعه السياسي على أن يكون ملتقى للأضداد، وساحة للممكنات، لا فقط للصراعات، ولعل كاريزما رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وحنكته السياسية عامل إضافي لنجاح هذا الأمر، فضلاً عن اعتداله ووسطيته التي وحّدت الصف العراقي في ظل حكومته.

يُنظر إلى هذه القمة باعتبارها رهاناً عربياً على تجاوز الأزمات عبر الحوار، لا التصعيد، وعلى بناء تكتل عربي مرن، يتعاطى مع القضايا الإقليمية من منظور واقعي، قائم على المصالح المشتركة لا على الإيديولوجيا أو الاصطفاف الأعمى.

 

هل تنجح القمة؟

نجاح قمة بغداد لن يُقاس فقط ببيانها الختامي، بل بمدى قدرتها على إطلاق مسارات تنفيذية حقيقية، وإحداث تحول نوعي في آليات العمل العربي المشترك، بعيداً عن الشعارات.

ولعل وصول القيادات العربية بهذا الحجم إلى بغداد أحد ركائز النجاح المنشود، ولا سيما أنَّ بغداد تشهد حالة إعمار متواصل لم تشهده منذ ثلاثة عقود ونيف.

ثم أننا في عالم متغير، خصوصاً مع إعادة تشكيل التوازنات الدولية، فإنَّ وجود موقف عربي موحّد لم يعد ترفاً، بل ضرورة وجودية للأمة وقد تنطلق من بغداد هذه المرة.

أقول: إنَّ قمة بغداد (2025) ليست نهاية المطاف، بل بداية ممكنة لمسار عربي جديد، يواجه الأزمات لا يهرب منها، ويفكر بالمستقبل لا الماضي.

ومن قلب بغداد، التي عانت ما عانته، تنطلق إشارة بأنَّ العرب قادرون– إذا ما توفرت الإرادة والإدارة– على صياغة واقع جديد أكثر استقراراً وإنصافاً لشعوبهم.

*وزير الثقافة والسياحة والآثار


18/05/2025