×

  قضايا كردستانية

  أردوغان أمام اختبار تاريخي بعد حلّ حزب العمال الكردستاني



*بارزان الشيخ عثمان

في خطوة وُصفت بالتاريخية والجريئة، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) خلال مؤتمره الثاني عشر، تخليه عن الكفاح المسلح، وحلّ نفسه طوعاً، في تحول غير مسبوق لمسار الحركة الكردية المسلحة في تركيا. ومع أن هذه الخطوة فتحت الباب أمام احتمالات جديدة، إلا أن الترقب والقلق لا يزالان يخيّمان على الأوساط الكردية والمراقبين للشأن التركي – الكردي، وحتى الإقليمي.

بين من يرى فيها بداية لانهيار التنظيم، ومن يقرأها كتراجع تكتيكي في ظل حسابات إقليمية ودولية، تنقسم الآراء حول نيات أنقرة ومدى جديتها في التعاطي مع هذه المبادرة. هناك من يرى أن ما جرى يصب بالكامل في مصلحة الحكومة التركية، دون أن يترافق مع بوادر واضحة لحلّ سياسي شامل للقضية الكردية المتجذرة في تاريخ الجمهورية التركية.

التجارب التاريخية للكرد – سواء في تركيا أو في الأجزاء الأخرى من كردستان الكبرى (إيران، العراق، سوريا) – لا توحي بكثير من التفاؤل. فعلى مدى أكثر من قرنين، كثيراً ما استُخدمت الحركات الكردية كورقة تفاوض أو كأداة لتصفية الحسابات الإقليمية، قبل أن تُقصى وتُحاصر في اللحظة الحاسمة. وقد كانت السلطات العثمانية والصفوية مثالاً مبكراً على هذا التلاعب، حين سعت لإفشال أي تقارب كردي داخلي، حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية.

هذا الإرث من الخيبات – الممتد من ثورات آرارات وديرسيم في تركيا، إلى تجربة جمهورية مهاباد في إيران، وثورة أيلول في العراق – لا يزال يثقل الذاكرة السياسية الكردية، ويغذي الحذر من أي مبادرات مفاجئة لا تقابلها ضمانات سياسية واضحة من الطرف المقابل.

وفي السياق نفسه، يخشى عدد من المراقبين أن تلقي تداعيات هذه الخطوة بظلالها على المسارات الكردية في سوريا، لا سيما في مناطق الإدارة الذاتية التي لطالما شكلت حساسية خاصة لدى أنقرة.

مع ذلك، فإن خطوة (PKK) لم تكن وليدة لحظة، ولا نتيجة ضغوط ظرفية، بل جاءت بعد مشاورات إقليمية ودولية واسعة، وفي ظل تحولات بنيوية يشهدها النظام الدولي، وانعكاسات سياسية بدأت تطال المنطقة برمتها، بما فيها تركيا التي تواجه تحديات داخلية وخارجية متشابكة.

من هنا، فإن المسؤولية باتت اليوم ملقاة على عاتق الدولة التركية، وبخاصة على الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يتعين عليه إثبات جدارته السياسية، وتوظيف هذه اللحظة التاريخية لإطلاق عملية حوار وطني حقيقية، تقود إلى مصالحة شاملة مع الكرد.

يتطلب ذلك خطوات ملموسة تبدأ برفع القوانين الاستثنائية عن المناطق الكردية، والعمل على إعادة إعمارها، واحترام الحقوق الثقافية والسياسية للكرد، باعتبارهم مكوّناً أساسياً في النسيج التركي. كما ينبغي إعادة النظر في الانتشار العسكري التركي خارج الحدود، خصوصاً في العراق وسوريا، والذي كان يُبرَّر غالباً بوجود (PKK).

إن بقاء مطار السليمانية الدولي مغلقاً أمام الطيران المدني، في منطقة تُعدّ جزءاً من العراق الفيدرالي، لا يخدم الاستقرار الإقليمي، ويعزز الانطباع بوجود سياسة انتقائية تجاه مكونات كردستان العراق، وهو ما يحتاج إلى مراجعة عاجلة.

في الوقت ذاته، فإن المؤسسة العسكرية التركية مطالبة بضبط خطابها، وتجنّب إطلاق تصريحات سلبية والكف عن استفزاز الطرف المقابل قد تؤدي إلى إحراج الوسطاء و قد تقوّض فرص الحل، خاصة أن عملية نزع سلاح منظمة بحجم (PKK) ليست مسألة آنية، بل تتطلب آليات رقابة دولية وضمانات سياسية صارمة.

في المحصلة، فإن المبادرة قد تشكل فرصة تاريخية نادرة، لكنها مرهونة بصدق النوايا التركية، وبقدرتها على كسر حلقة الشك التي تراكمت عبر عقود من الإقصاء والعنف. والكرة الآن في الملعب التركي: إما أن تُكتب صفحة جديدة عنوانها المصالحة والازدهار، أو أن تُضاف هذه اللحظة إلى سجل الإخفاقات المريرة في العلاقة بين الدولة التركية والكرد.

وإن غداً لناظره قريب.


22/05/2025