ان نكسة ثورة ايلول في العام 1975 لم تكن نكسة طارئة بل كانت هناك العديد من العوامل الأساسية التي دفعت الى هذه النكسة، ومن هذه العوامل عدم التوصل الى اتفاق تام بيننا وبين الحكومة العراقية، حيث كان شاه ايران يحاول منع أي اتفاق بين الكرد والحكومة العراقية لكي تسنح له فرصة للاتفاق مع العراق والحصول على مكاسبه، بعد فشل التفاوض تجدد القتال مرة أخرى، بعد أن لعب الشاه بأدوار خبيثة لأشعال الحرب في كردستان وكان صدام حسين آنذاك يتباهى بقوته، وكان هناك محاولات للوصول الى التصالح بين الشاه وصدام حسين، وقد تم ذلك حيث إلتقى صدام وشاه ايران في الجزائر على هامش مؤتمر نفطي في 6 آذار من العام 1975، وتم التوقيع على اتفاقية الجزائر المشؤومة التي رعاها هواري بومدين بمباركة أمريكية.
نصت الاتفاقية على إنهاء الحركة الكردية بالمقابل يمنح العراق عدة مناطق حدودية لايران بما فيها نصف شط العرب، كما تضمنت الاتفاقية عدة نقاط منها ان يقوم البيشمركة بتسليم انفسهم اما الى العراق أو الى ايران وترك السلاح.
كان هناك رأيان لدى البيشمركة، الأول التوجه الى ايران والثاني العودة الى العراق، وقد توجه فعلاً قسم منهم الى ايران والقسم الآخر الى العراق، وخيمت حالة من الحزن والقلق لدى المواطنين بسبب هذه النكسة التي ألمت بالثورة الكردية.
كانت هناك بعض القيادات تؤمن بالمقاومة وعدم ترك السلاح والصمود في وجه الديكتاتورية. وحتى ان عدداً من قوات البيشمركة توجهت الى المدن وظلت مختفية بين المواطنين دون تسليم انفسهم الى السلطات العراقية.
العديد من المناضلين الذين بقوا في ايران كانوا يفكرون في تشكيل حركة جديدة أو ثورة جديدة، وكنت أنا معهم، وفي ذلك الوقت وصلت الينا رسالة من الأخ مام جلال نقلها لنا المرحوم فاضل ملا محمود تحدث فيها عن ضرورة تأسيس حركة جديدة لمواصلة النضال وكان مام جلال قد ارسل رسائل عديدة الى عدد كبير من المناضلين، وفي ذلك الحين تم عقد اجتماع مهم في بيت الشخصية الوطنية عزيز شمزيني بتأريخ 11/4/1975 في مدينة ورمى، لبحث مستقبل الكرد وماهي الخطوات الضرورية التي يجب اتخاذها لاستمرار النضال. الذين حضروا الاجتماع هم:
الاستاذ ابراهيم احمد الذي كان له دور مهم وفاعل في هذا الاجتماع، علي العسكري، عمر مصطفى (دبابة)، د. خالد سعيد، رسول مامند، ملازم طاهر علي والي، سعدي كجكه، ملا ناصح، سيد كاكه، عبدالرحمن كومه شيني، كمال محي الدين، علي هزار، كاردو كلالي، سليم آغوب.وعدد من المناضلين الآخرين الذين لا أتذكر أسماءهم، وصلت الى الاجتماع رسالة من الشهيد صالح اليوسفي، حيث جاء فيها ان العودة الى العراق والعيش بسلام افضل من البقاء في ايران، كما تليت خلال الاجتماع رسالة اخرى مرسلة من الأخ مام جلال، وتقرر خلال الاجتماع العودة الى العراق، وتحسباً من اجراءات الاجهزة القمعية لنظام صدام تم تقسيم المناضلين، لم أحضر الاجتماع بسبب سفري الى طهران للسفر الى دمشق مع الأستاذ عبدالرزاق عزيز، الذين عادوا الى العراق عادوا عن طريق ثلاثة منافذ وهي (حاج عمران، بنجوين، خانقين)، وبعدها قامت السلطات العراقية بتهجير العديد منهم الى المناطق الوسطى والجنوبية.
نحن بدورنا تأكدنا بأن نية صدام حسين ليست سليمة، فتوجهنا انا والأخ عبدالرزاق عزيز فيلي وعدد آخر من المناضلين الى بيروت، ومن ثم توجهنا معاً الى دمشق بعد أن وصلناها يوم 12/4/1975 عن طريق بيروت والتقينا الأخ مام جلال. فرأيناه مليئاً بالتفاؤل والثقة بالنفس والمعنويات العالية، وأخبرنا بأنه علينا الاستمرار في النضال وتشكيل حركة تحرر جديدة لمقاومة الظلم والطغيان.
عقدنا لقاءات عديدة مع القوى العراقية المعارضة في دمشق ومنها حزب البعث اليساري والحزب الشيوعي العراقي – القيادة المركزية – بقيادة المرحوم الدكتور ابراهيم علاوي والحركة الإشتراكية العربية بقيادة الأستاذ عبدالاله النصراوي.
بعد عدة أيام عقدنا اجتماعاً عصر يوم 22/5/1975 ضم كل من الأخ مام جلال وأنا وعبدالرزاق عزيز والدكتور فؤاد معصوم، في هذه الاثناء تمكننا من تأسيس علاقات مع عدد من الذين كانوا يعارضون سياسات حزب البعث الصدامي في العراق بالاضافة الى عدد من المناضلين القوميين والاحزاب العراقية الاخرى، ومن خلال هذه العلاقات أعرب عدد كبير منهم استعدادهم لدعم الحركة الكردية الجديدة وقد ساهموا فعلاً بمساعدتنا ودعمنا. بعد ذلك قمنا بارسال رسائل الى العديد من الضباط الذين بقوا في ايران فجاءوا الى دمشق وبدأوا بتدريب البيشمركة الذين انضموا الى الحركة الجديدة، وتمكننا من حشد عدد جيد من البيشمركة، من هؤلاء الضباط كل من الشهداء ابراهيم عزو، وحسن خوشناو، وجمال خوشناو، وسيد كريم. وهذه التحركات قد اعطت المواطنين روحية جديدة ومعنويات عالية وكبيرة بأن الحركة الكردية مازالت مستمرة في النضال..
في يوم 24/5/1975، اجتمعنا نحن" مام جلال والدكتور فؤاد معصوم وعبدالرزاق وأنا" في مقهى طليطلة وأعددنا بياناً كان مام جلال قد رسم خطوطه الاساسية، ومن اجل اغناء وتطوير هذا البيان قام الأخ مام جلال بنقل مسودة البيان الى عدد من الأخوة الذين كانوا في برلين، منهم: المرحوم د.كمال فؤاد ونوشيروان مصطفى و عمر شيخ موس، الدكتور جبار شريف والدكتور دلشاد احمدي و د. ارجمن صديق ود. لطيف رشيد والسيدة هيرو ابراهيم احمد التي كانت مناضلة بارزة، وقد تم إختيار كل من د.كمال فؤاد ونوشيروان مصطفى وعمر شيخ موس ليكونوا أعضاء في الهيئة المؤسسة اضافة الى الأربعة الذين ذكرتهم، وبعد اجراء تعديلات على صياغة البيان، تم الاعلان عن البيان التأسيسي للاتحاد الوطني الكردستاني في يوم 1/6/1975 في دمشق، وتم نشر البيان ثلاثة ايام على التوالي في اذاعة دمشق، وقد منح هذا البيان أملا وحماسا كبيرين للمواطنين بوجود حركة جديدة لثورة شعب كردستان، وكان هذا الإعلان صدمة كبيرة للحكومة العراقية لأن صدام حسين كان قد أعلن في 7/4/1975 على شاشات التلفاز قائلاً: ماذا يستطيع أن يفعل جلال طالباني في دمشق، وقال: " لو تطلع نخلة براسه مايكدر يصعد 10 من البيشمركة الى الجبال".
و للتأريخ أقول كان هناك عدد كبير من العرب قد تولدت لديهم هذه القناعة بأنه لاجدوى للثورة ونصحونا بعدم إعلان الثورة، اتذكر انني نقلت رسالة من مام جلال الى القائد الفلسطيني جورج حبش في العام 1976، حيث طلبنا منه تزويدنا بالسلاح.
فقال لنا: ماذا تعملون بالسلاح؟
فقلت له: ستنطلق الثورة الجديدة.
فقال: ضد من؟
فقلت له: ضد صدام.
فقال لي: هل انتم مجانين؟؟ الكل مع صدام.. الروس والامريكان والعرب وحكام الخليج جميعهم يدعمون صدام وانا ايضاً مع صدام.
ثم خاطبني قائلاً: اخي تعالوا الى هنا وعيشوا بسلام وسنمنحكم منازل، انتم شباب والحياة امامكم فلماذا تُقتَلون هكذا!!! ليس بامكانكم محاربة صدام!
فقلت له: نحن سنحارب صدام وليكن مايكون، وخرجت غاضباً.
ولكن هناك العديد من المناضلين الذين ساندوا ودعموا الاتحاد الوطني الكردستاني، نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
من حزب البعث العربي الاشتراكي (قطر العراق) البعث اليساري:احمد العزاوي، محمد عبد الطائي (ابو سيف)، د.احمد الموسوي، باقر ياسين، محمود الشيخ راضي، الدكتور محمود شمسه، الدكتور فاضل الانصاري، الدكتور سهيل السهيل، مهدي العبيدي، حازم الكبيسي، شفيق الياسري، اسماعيل غلام، فوزي الراوي.
ومن القوميين:عبد الاله النصراوي، خالد رضى دله علي، الدكتور قيس العزاوي، جواد الدوش (ابو شوقي)، كنعان الخشاب، محمد محيل، الدكتور محمد جعفر، ابراهيم عوني القلمجي.
ومن تنظيم الجيش الشعبي لتحرير العراق: أحمد النمر.
ومن القيادة المركزية للحزب الشيوعي:د.ابراهيم علاوي، خليل غزالة، د.عبدالحسين الهنداوي، مظفر النواب، خالد الياسري.
ومن المناضلين القوميين:أياد سعيد ثابت، مبدر الويس، محمد سليمان، هاشم علي محسن.
ومن الحزب الشيوعي العراقي تنظيم وحدة القاعدة:الدكتور عادل عبدالمهدي، الشهيد فاضل ملا محمود، سامي شورش، حازم النعيمي، محمد الهنداوي، حجي فيلي، علي الشبيبي.
بفضل تعاون هؤلاء الأخوة مع الاتحاد الوطني الكردستاني توفرت لنا أرضية جيدة للعمل النضالي، كما كان لنا أصدقاء وعلاقات جيدة مع عدد آخر من المناضلين من المعارضة العراقية الديمقراطية في لبنان وكان لهم دور كبير في دعم الاتحاد الوطني الكردستاني منهم:
تحسين الشيخلي، عادل وصفي، المهندس حامد الطويل البصراوي، محمد الحبوبي، زهير كمال الدين، جبار الزهيري، ادريس ادريس، والصحفي اسماعيل زاير، الشاعر رياض النعماني، الفنان مؤيد الراوي، علاوي خليل، الشهيد وائل حامد.
بعد ذلك قررنا ان نبدأ النضال المسلح وانطلاق الثورة.. فقال الأخ مام جلال ستبدأ الثورة الجديدة بعد عام على تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني أي في يوم 1/6/1976، حيث لم تكن هناك أية معارضة كردية على ساحة كردستان وظن صدام بأن الثورة الكردية قد انتهت والى الأبد، لذا قام الشهيد ابراهيم عزو ومعه (37) من أفراد قوات البيشمركة الشباب ودخلوا الى كردستان، لكنه مع الأسف استشهد مع عدد من رفاقه في هذه الرحلة على يد بعض العشائر المتعاونة مع الجيش التركي آنذاك. وهكذا بدأت المسيرة النضالية للاتحاد الوطني الكردستاني حتى ايامنا هذه وتحقيق كل هذه المكتسبات لشعب كردستان.
ذكريات التأسيس
على الرفاق الاستمرار في مسيرة النضال ومنح الشباب فرصة أكبر لتبوء المناصب في الاتحاد الوطني الكردستاني، وتطوير برامج وفعاليات ونشاطات الاتحاد الوطني الكردستاني.
لقد كان للرئيس مام جلال دوراً كبيراً وفاعلاً في قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني كما كان له الدور العظيم في العراق الجديد وتعزيز وترسيخ الديمقراطية، نتمنى له الشفاء التام، مؤكداً: نحن جميعنا بحاجة الى مام جلال.
حدث غريب
كنا في اجتماع في منزل الدكتور عادل عبدالمهدي، الأخ مام جلال وعبدالرزاق عزيز و فاضل ملا محمود وأنا، فدخلت علينا السيدة زوجة الدكتور عادل عبدالمهدي وقالت: ماذا تفعلون؟
فقال لها الدكتور عادل عبدالمهدي مازحاً: نحن نناضل في سبيل تحرير العراق من نظام صدام حسين، وسيأتي يوم يسقط فيه هذا النظام وسأصبح أنا رئيساً للجمهورية وقد يصبح مام جلال نائباً لرئيس الجمهورية، أو بالعكس فقد يصبح مام جلال رئيساً للجمهورية وأنا سأصبح نائبه، وهكذا دارت الأيام وسقط نظام صدام، وأنتخب الرئيس طالباني رئيساً للجمهورية وأصبح الدكتور عادل عبدالمهدي نائباً لرئيس الجمهورية، وبعد هذا الفوز العظيم للشعب التقيت السيدة عقيلة الدكتور عادل عبدالمهدي في أحدى المناسبات، فذكرتها بالحادثة فقالت لقد صدقت النبوءة فأصبح مام جلال رئيساً للجمهورية وعادل عبدالمهدي نائبه.
والشيئ بالشيئ يذكر قال الأستاذ حسن العلوي في كتابه (بقية الصوت) عام 2000 بأن اول رئيس جمهورية للعراق سيكون جلال طالباني..
وكل عام والاتحاد الوطني الكردستاني ومناضلوه بخير.
وألف تحية الى أرواح شهدائنا الطاهرة، وتحية خاصة الى قوات بيشمركه كردستان المدافعين عن كردستان.
*احد مؤسسي الاتحاد الوطني و سكرتير المجلس المركزي /2015 والمقال عبارة عن حوار خاص له مع صحيفة"الاتحاد"