×


  سوريا و الملف الکردي

  سوريا بين عبث اللاعبين ومصير وطن



*رضوان شيخو

 

ليست هكذا تُحل المعضلة السورية، ولا تُدار أوطان تعاني جراحا مفتوحة منذ أكثر من نصف قرن. إن محاولات القوى الدولية والإقليمية لترتيب الأوضاع في سوريا وفقا لأجنداتها السياسية والاقتصادية والأمنية الخاصة، دون أدنى اعتبار لمطالب السوريين ومخاوفهم وهوياتهم المتنوعة، لا تعدو كونها إعادة إنتاج لفشل مدو سبق أن شهدناه في غير مكان من هذا العالم.

سوريا، في عيون تلك القوى، باتت ساحة نفوذ، لا وطنا نابضا بالناس والتاريخ والكرامة. إنها معادلة خطيرة، تُبنى على تجاهل تطلعات السوريين في حياة حرة كريمة، وعلى اختزال المجتمع إلى هويات طائفية أو عرقية يجري اللعب بها وتوظيفها، ثم إبقاؤها تحت السيطرة عبر القمع أو التجييش أو التفرقة.

هذه السياسات ليست فقط ظالمة، بل قصيرة النظر وخطيرة على الجميع، حتى على من يخططون لها. فالتاريخ ملئ بالأمثلة: كيف تحالفت قوى دولية مع صدام حسين رغم قمعه الفاضح، وكيف طُمست هويات كبرى كالمكون الشيعي في العراق لعقود، وكيف تم تهميش الصوت الكردي إلا في لحظات الثورة. وكما تمادت أنقرة بشعارها "يا لسعادة من يقول أنا تركي"، ها هي اليوم، وإن بتكتيك ظرفي، تقر بفشل هذه المقاربة الأحادية في إدارة تنوعها الداخلي.

النظام السوري، بشقيه الأب والابن، أصر لعقود على لون واحد، وهوية سياسية وطائفية ضيقة، ما أوصل البلاد إلى هذا الانهيار البنيوي. بدلا من الإصغاء إلى مكونات المجتمع ودعوتهم إلى حوار حقيقي ورسم خريطة نجاة جماعية، جرى تسعير خطاب التخوين والطائفية، ما أدى إلى نزيف الثقة، وتكريس الخوف، وانسداد الأفق أمام أي صيغة للعيش المشترك.

الفظائع التي ارتُكبت في مناطق كالساحل والجنوب وريف دمشق، لم تكن سوى نتاج مقاربات السلطة التي اختارت القبضة الحديدية وإطلاق المتشددين والتغاضي عن الجرائم، لتعيد الناس قسرا إلى "بيت الطاعة". ولكنها – وبدلا من فرض الاستقرار – فتحت الباب على مصراعيه لانقسام سوريا وتفككها من الداخل.

كثرة الشد تُرخي، كما يقول المثل، والسياسات المستندة إلى العنف والمكر لا تبني وطنا. بل تزرع قنابل مؤجلة قد تنفجر في وجه الجميع، محليين ودوليين. والمفارقة أن بعض وسائل الإعلام العربية، التي كانت يوما تنأى بنفسها عن التجييش، انجرت هي الأخرى إلى مستنقع الاصطفاف والتحريض، وكأنها نسيت – أو تناست – دروس الاستبداد القريب.

ربما الآن، من منفاه، يبتسم بشار الأسد في سره، وهو يرى المشهد الراهن، حيث البعض بدأ يحن إلى "استقرار القمع"، نسيانا لمآسيه وجرائمه. ولكن ما نعيشه اليوم ليس إلا امتدادا لتلك الحقبة، وما يُحاك للغد، إن لم يتغير المسار، قد يكون أكثر ظلاما.


24/07/2025