*سوران الداوودي
تتحول كركوك إلى ورقة “جوكر” في كل مرة يدخل فيها العراق مرحلة سياسية جديدة أو أزمة ما. يد اللاعبين السياسيين تتناول كركوك بعناوين وأشكال عدّة. تتغيّر السياقات، وتتبدل المواقف، لكن المدينة تظلّ ثابتة في المشهد كموضوع للصراع والتسويق السياسي، ومصدر للتجاذب، ومحرّك للتوتر، من دون أن تكون هناك حلول حقيقية واقعية هدفها الاستقرار الدائم.
غدت كركوك ملفا جاهزا للاستخدام “الاستغلال” السياسي، يُفتح فجأة من هذا الطرف حين تشتد به الأزمات، ويُغلقه ذاك عندما تتطلب المصالح تسوية وقتية.
تُطرَح أحيانا كرمزٍ للتعايش، وأحيانا أخرى تُقدَّم كعنوانٍ للنزاع، وتُوصَف بأنها برميل بارود. وتُهمَل مرات تماما، لتعود إلى الذاكرة عندما يحتاجها أحدٌ ما لتأجيج جمهور أو تعطيل اتفاق.
أزمة كركوك لم تعد أزمة محلية، لا يمكن لأحد إنكار ذلك، بل تجاوزت حدود العراق لتصبح أداة تُستخدم من بعض الدول في السياسات الإقليمية.
بعض دول الجوار تتعامل مع كركوك كورقة ضغط في علاقاتها مع بغداد، أو حتى كدعاية قومية، كما تستثمر تركيا الخطاب القومي التركي في الحديث عن التركمان لصالحها. وفي كثير من الأحيان، تُدار السياسة الخاصة بكركوك من خارجها، سواء من محافظات عراقية أخرى أو حتى من دول إقليمية.
العرب السنّة في كركوك غالبا ما ينصتون إلى سياسيين من الأنبار وصلاح الدين وديالى. أما التركمان، فما تزال سياساتهم متأثرة كثيرا بالبوصلة التركية وموجَّهة من أنقرة.
وفي المقابل، ورغم أن الكورد يمثلون القوة الأكثر تنظيما وخبرة في المحافظة، فإن مركز القرار الكردي لا يزال متأثرا بأربيل والسليمانية. كل ما ذُكر عن الأطراف السياسية يجعل كركوك تفتقر إلى فاعلية سياسية محلية تعبّر عن سكانها بمختلف مكوّناتهم.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال موقف الحكومة الاتحادية في بغداد، التي ما زالت تتعامل أحيانا بتوجّس، وأحيانا بتحفّظ، مع مسألة الدخول إلى كركوك كـ”حكومة” وليس كطرف سياسي.
معظم تحركاتها تأتي استجابة لمطالب جهات سياسية، ولم تبادر هي إلى اتخاذ خطوات فعلية مستقلة تدخل ضمن رسم صورة حكومية رصينة تحترم خصوصية المحافظة وتطمئن مكوناتها. وهذا الغياب أو الحذر يعمّق الفجوة، ويجعل من كركوك أرضا رمادية تتنازعها الأجندات دون أن تجد من يمسك بزمام المبادرة.
يجب ألا تبقى كركوك مجرد ورقة في المفاوضات بين الأحزاب، أو بين بغداد وأربيل، أو ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والمحلية. كركوك مدينة يجب أن تُحكم بعدالة، وتُدار بتوافق، مع مراعاة الاستحقاقات الانتخابية، والابتعاد عن المزايدات والشعارات، قريبا من التعايش، بعيدا عن التوتر المستمر.
يجب أن تُمنَح هذه المدينة ما تستحقه من استقرار وتوازن، بعيدا عن الأجندات.
حتى يتحقّق ذلك، ستبقى كركوك، للأسف، عنوانا للحضور السياسي الساخن.