*موسى عليزاده طباطبائي
*صحيفة "إيران" الايرانية
يمكن اعتبار زيارة امين المجلس الاعلى للامن القومي ،علي لاريجاني ، إلى العراق ولبنان نقطة تحول مهمة في مسار تعزيز السياسات الأمنية والدبلوماسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد التطورات الأخيرة في المنطقة.
جاءت هذه الزيارة في وقت تشهد فيه المنطقة، خاصة بعد الحرب المفروضة على ايران التي استمرت 12 يوما، وضعا بالغ التوتر والحساسية من الناحية الأمنية، ما يجعل الحاجة إلى إدارة ذكية وتعاون إقليمي أكبر من أي وقت مضى.
إن اختيار الدكتور لاريجاني أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي خطوة مدروسة وذكية، إذ يتمتع، إلى جانب خصاله الشخصية والإدارية، بمكانة معروفة بين السياسيين في المنطقة والعالم، ويحظى باحترام واسع لدى المسؤولين العراقيين.
بدء هذه الجولة من بغداد، في أول زيارة خارجية للدكتور لاريجاني في منصبه الجديد، يحمل رسالة واضحة عن الأهمية الاستراتيجية للعراق في السياسة الخارجية الإيرانية.
وقد جاءت الزيارة في إطار مشاورات نشطة ومتواصلة بين البلدين، وأكدت مجددا على أن العراق، بوصفه جارا محوريا، له دور حاسم في المعادلات الإقليمية للجمهورية الإسلامية.
بعد اعتداءات الكيان الصهيوني على الأراضي الإيرانية وانتهاكه لحرمتها الجوية، اتخذت بغداد مواقف واضحة وداعمة على مستويات الحكومة والبرلمان والقوى السياسية والشعبية، بما يعكس عمق التلاحم بين الشعبين في مواجهة التهديدات الخارجية.
ومنذ سنوات، يواصل رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، دعم النهج الدبلوماسي الإيراني في التعامل مع دول المنطقة وخارجها.
ومن أبرز إنجازات هذه الزيارة توقيع مذكرة تفاهم أمنية إيرانية-عراقية نصت صراحة على أن أي طرف لن يسمح باستخدام أراضيه ضد الآخر.
وهذه الاتفاقية لا تعكس فقط التزام البلدين العميق بالأمن المشترك، بل تمثل أيضا ضمانة قوية ضد التدخلات المزعزعة للاستقرار والتهديدات الإقليمية، وتؤكد عزمهما على منع أي خطوات تؤدي إلى التوتر والحفاظ على الاستقرار.
كما كان من المحاور الأساسية للزيارة توافق البلدين على مواجهة الدعم العلني أو الخفي الذي يقدمه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة للجماعات الإرهابية في المنطقة.
ويمكن لمثل هذا التعاون أن يغيّر ميزان القوى في المنطقة لصالح الأمن والاستقرار ويحول دون تفاقم الأزمات. وفي هذا الإطار، اتفق الجانبان على ضرورة تكثيف المشاورات الإقليمية، ومنها الاتفاق على عقد اجتماع مشترك بين إيران والعراق مع دول مجلس التعاون للخليج الفارسي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
ومن النقاط اللافتة في هذه الزيارة، توفر الإرادة السياسية القوية لتنفيذ الاتفاقيات والتعهدات الأمنية فعليا. وكان من أهداف لقاءات لاريجاني أيضا متابعة تنفيذ التفاهمات التي أُنجزت خلال زيارة الرئيس بزشكيان إلى العراق في ايلول/سبتمبر الماضي.
كما بحث الطرفان تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية، وإنشاء ممرات مشتركة، وتوسيع التعاون التجاري.
وشكّل حضور لاريجاني في بعض مواكب الأربعين ومشاركته في تقديم الخدمات للزوار مظهرا من مظاهر الدبلوماسية الشعبية الإيرانية التي تعزز مكانة البلاد الثقافي في العراق.
وفي الجزء الثاني من الزيارة، كان لبنان محور المحادثات والمشاورات. فسياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقوم دائما على أن أمن المنطقة يجب أن تتولاها دول المنطقة، وأن التدخلات الأجنبية، ولا سيما من القوى الغربية، لا تسهم في الاستقرار، بل غالبا ما تؤدي إلى زعزعته وتفاقم الأضرار السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي ظل الضغوط الخارجية على لبنان، خاصة من الولايات المتحدة، لطرح خطط مثل نزع سلاح حزب الله، جاءت زيارة المبعوث الإيراني البارز برسالة واضحة مفادها دعم طهران لاستقلال لبنان ووحدة أراضيه وحق شعبه المشروع في الدفاع عن نفسه.
تشكل هذه الجولة بحد ذاتها إنجازا مهما للدبلوماسية الإيرانية، خصوصا أنها جرت في وقت يسعى فيه خصوم الجمهورية الإسلامية لتقديم صورة معزولة عنها.
لكن الحضور الفاعل والمؤثر لطهران في بغداد وبيروت، عشية أكبر تجمع ديني في العالم وهو أربعين الإمام الحسين (ع)، قدّم صورة واضحة عن عمق الروابط الثقافية والشعبية بين إيران وجيرانها.
وهذا الحدث لم يُظهر فقط قوة إيران السياسية والأمنية، بل وجّه أيضا رسالة صريحة للمجتمع الدولي بأن الجمهورية الإسلامية، تدافع عن أمنها ومصالحها الوطنية والإقليمية بحكمة واقتدار.
في المجمل، تعكس هذه الجولة العزم الجاد لإيران على المضي قدما في سياساتها الأمنية والشراكية إقليميا، والتصدي للتهديدات الخارجية، ودعم الاستقرار السياسي والأمني، وهو نهج لا يخفى على أحد أهميته وضرورته في بيئة غرب اسيا المليئة بالتحديات.
وفي هذا الإطار، يُعد الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان جزءا أساسيا من النسيج الاجتماعي والسياسي في هذين البلدين، ويلعبان دورا مهما في الحفاظ على الأمن وتحقيق المصالح الوطنية، فيما يشكل دعمهما جزءا لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمنية والدبلوماسية الكبرى لطهران في المنطقة.
*رئيس دائرة الخليج الفارسي بوزارة الخارجية
*الترجمة: وكالة الانباء الايرانية