شكر رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، قادة الفصائل على استجابتهم لنصيحته المقدّمة إليهم، بشأن التعاون لفرض سيادة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، والانتقال إلى العمل السياسي بعد انتفاء الحاجة الوطنية للعمل العسكري.
بعد تصريح زيدان أعلنت كتائب حزب الله العراقية في بيان أن الحديث عن حصر السلاح بيد الدولة مقدمة لنزع سلاحها وذلك لن يتحقق إلا بشروط مضيفة أن " المقاومة حق وسلاحها باق بأيد مجاهديها، والحديث عن أي تفاهم مع الحكومة لن يكون إلا بعد خروج جميع قوات الاحتلال والناتو والجيش التركي".
الضغوط الدولية
ويأتي تصريح زيدان في وقت تتزايد فيه الضغوط الأميركية على بغداد، في إطار مطالبات واضحة بإنهاء وجود التشكيلات المسلحة خارج سلطة القيادة العامة للقوات المسلحة، وربط الاستقرار الأمني والسياسي بملف حصر السلاح بيد الدولة.
وفي هذا الإطار، يرى مدير المركز العراقي العراقي للدراسات الاستراتيجية الدكتور غازي فيصل أن "الضغوط الأميركية، سواء الصادرة عن وزارة الدفاع (البنتاغون) أو وزارة الخارجية، باتت واضحة باتجاه تفكيك المنظمات والفصائل المسلحة خارج إطار الدولة، وعدم السماح بمشاركتها في التشكيلة الحكومية المقبلة".
ويضيف فيصل أن هذه الضغوط تشمل أيضاً "عدم تكليف رئيس وزراء مقرب من الفصائل أو من إيران"، في ظل ما وصفه بـ"المواجهة الدبلوماسية والاقتصادية، وحتى العسكرية، المستمرة بين الولايات المتحدة وإيران".
استراتيجية أوسع
وبحسب فيصل، فإن واشنطن "تمضي في استراتيجية تهدف إلى شرق أوسط خالٍ من التنظيمات المسلحة"، مشيراً إلى أن هذه الرؤية تشمل ملفات عدة في المنطقة، من لبنان وسوريا إلى اليمن والعراق، ومرتبطة بأمن المصالح الأميركية وحلفائها.
ويتابع أن "استمرار الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية يهدف في النهاية إلى الوصول لتفكيك هذه الفصائل"، لافتاً إلى أن بعض القيادات بدأت بالفعل الإعلان عن التزامها بنزع السلاح وتسليمه للسلطات المختصة.
وفي السياق نفسه، يشير فيصل إلى أن هذا التوجه "تزامن مع خطاب سياسي داخلي، من بينها موقف السيد عمار الحكيم، الذي أيد بصورة واضحة حصر السلاح بيد الدولة، وتعزيز وتقوية قدرات المؤسسات الأمنية الرسمية".
البعد الإقليمي
وعلى الصعيد الإقليمي، يلفت فيصل إلى أن "بعض الفصائل صدرت بحقها عقوبات اقتصادية من وزارة الخزانة الأميركية"، ما يعني بحسب رأيه، "صعوبة القبول بإسناد أي مناصب رسمية لها، وحصر التعامل معها ضمن مسار التفكيك ونزع السلاح".
ويضيف أن واشنطن "لن تقبل بأي أنشطة عسكرية تهدد مصالحها في العراق أو إقليم كردستان أو المنطقة"، محذراً من أن "أي تهديد أمني للسفارات أو القنصليات سيُقابل برد حاسم"، مستشهداً بما وصفه بـ"الرد الأميركي الأخير ضد مواقع لتنظيم داعش في سوريا".
ويؤكد فيصل أن الولايات المتحدة "لن تُبدي تهاوناً في المواجهة المسلحة مع التنظيمات التي تعتبرها (واشنطن تنظيمات إرهابية)"، في حال تعرّض مصالحها أو قواتها للخطر.
بين الخطاب والنتائج
ويرى فيصل أن قبول بعض الفصائل بخطاب نزع السلاح والانتقال إلى العمل السياسي "يشكل خطوة إيجابية نحو تعزيز دور القوات المسلحة العراقية، وإنهاء حالة الازدواجية في ملف الدفاع"، معتبراً أن ذلك يندرج ضمن مسار تفكيك ما وصفه بـ"الدولة العميقة أو الدولة فوق الدولة".
وفي المحصلة، يعكس تصريح رئيس مجلس القضاء الأعلى، إلى جانب التحليلات السياسية المتداولة، مرحلة جديدة من إدارة ملف السلاح في العراق، تتقاطع فيها الحسابات الداخلية مع الضغوط الدولية، وسط ترقب لما إذا كان هذا التحول في الخطاب سيُترجم إلى خطوات عملية تعزز سيادة الدولة واستقرارها.