×


  المرصد الايراني

  جواد ظريف: في خضم الخوف والحرب، لا يزال التعاون النووي السلمي ممكنا



صحيفة"الغارديان"البريطانية/ الترجمة والتحرير: محمد شيخ عثمان

 

قبل عشر سنوات، بعد الاتفاق النووي مع إيران، كتبتُ في صحيفة الغارديان عن الحاجة المُلِحّة لنزع السلاح النووي عالميا، بدءا بإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.

 وبعد عقد من الزمان، وبينما تتأرجح منطقتنا على شفا كارثة، لم تعد هذه الدعوة نبيلة فحسب، بل ضرورية.

لم يكن هذا الاقتراح مبادرة إيرانية جديدة. فمنذ عام ١٩٧٤، اقترحت إيران إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط في الأمم المتحدة، وسرعان ما انضمت إليها مصر.

وقد أُقرّ هذا الاقتراح بأغلبية ساحقة في الجمعية العامة.

 وبعد استخدام العراق للأسلحة الكيميائية خلال الحرب العراقية الإيرانية، وُسِّعت المبادرة عام ١٩٩٠ لتشمل جميع أسلحة الدمار الشامل. ولكن على مدى نصف قرن، عرقلت إسرائيل وداعمها الرئيسي، الولايات المتحدة، أي تقدم.

هذا الشلل ليس صدفة،فرغم الدعم السنوي الساحق في الجمعية العامة للأمم المتحدة والالتزامات المتكررة في معاهدة منع الانتشار النووي، لا يزال الشرق الأوسط من المناطق القليلة في العالم التي تفتقر إلى إطار عمل خالٍ من الأسلحة النووية.

وقد أحرزت أكثر من 100 دولة من دول عدم الانحياز، في مؤتمر مراجعة وتمديد معاهدة منع الانتشار النووي عام 1995، تقدما نحو إنشاء هذه المنطقة كشرط لتمديد المعاهدة لأجل غير مسمى. ومع ذلك، وبعد مرور 30 عاما، لم يتغير الكثير.

في الواقع، تدهور الوضع، مما يُظهر أن امتلاك الأسلحة النووية، وإن كان عادة ما يؤدي إلى مغامرات متهورة، إلا أن هذه الأسلحة لا تضمن النجاح بأي حال من الأحوال، ولا توفر مناعة أو أمانا للمواطنين.

 وقد دفع العمل العسكري غير القانوني الأخير الذي شنته إسرائيل، الدولة النووية غير الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، ضد المنشآت النووية الإيرانية الخاضعة للمراقبة الدولية، منطقتنا إلى حافة الهاوية.

 إن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها غير المبررة، وعجز الولايات المتحدة عن إجبار إيران على الرضوخ، قد يُغرق هذه المنطقة، وبالتالي العالم أجمع، في حربٍ أبدية.

كفى. يجب أن نأخذ على عاتقنا مسؤولية مستقبل أمن منطقتنا.

 لقد حان الوقت لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تتجاوز الخطابات الجوفاء وتتجه نحو تعاون إقليمي حقيقي قائم على الاحترام المتبادل والاستخدام السلمي للطاقة النووية. ولذلك، نقترح إنشاء شبكة الشرق الأوسط للبحوث والتقدم النووي، أو "المنارة".

ستكون منارة هيئة إقليمية مصممة لتسهيل التعاون النووي السلمي بين أعضائها. وهي مفتوحة لجميع الدول المؤهلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وللانضمام، يجب على الدول رفض تطوير أو نشر الأسلحة النووية والالتزام بالتحقق المتبادل من امتثالها.

 وفي المقابل، ستساعد منارة هذه الدول على الاستفادة من التكنولوجيا النووية السلمية، بما في ذلك إنتاج الطاقة، والطب، والزراعة، والبحث العلمي.

إن مثل هذه الهيئة ليست بديلا عن نزع السلاح، بل هي خطوة نحوه. فالتعاون النووي الإقليمي، مع ضمانات قوية وإشراف متبادل، من شأنه أن يعزز منع الانتشار ويعزز أمن الطاقة دون أن يُمهد الطريق للعسكرة.

لطالما جادل البعض بأن التقدم في نزع السلاح الإقليمي يجب أن ينتظر حتى تنزع إسرائيل سلاحها. لكن نظاما لم يُبدِ أي اعتبار للشرعية الدولية بارتكابه جرائم دولية كالفصل العنصري والإبادة الجماعية، ومؤخرا المجاعة الجماعية، لن يتأثر بهذا الضغط السلبي - وهو ما لم يحدث بالتأكيد منذ أكثر من 50 عاما.

وقد كانت ترسانته النووية الخطيرة، وستظل دائما، أخطر تهديد لمبدأ عدم الانتشار الدولي والسلام والاستقرار الإقليمي والعالمي.

إن احتجاز مئات الملايين من البشر رهائن لترسانة نووية لنظام واحد، وإفلاته من العقاب السياسي، هو وصفة لعدم الاستقرار الدائم، علينا أن نجد طريقا جديدا للمضي قدما.

من شأن منارة أن تُسهم في إعادة صياغة النقاش النووي في المنطقة. لفترة طويلة، اقتصرت القضايا النووية على المخاطر والتهديدات. لكن العلوم النووية تُقدم حلولا أيضا لأزمة المناخ، وندرة المياه، والأمن الغذائي، وتنويع مصادر الطاقة.

ومع تضاؤل احتياطيات النفط والغاز، ستكون الطاقة النووية حيوية للنمو والاستدامة في المنطقة ويمكن لمنارة أن تجعل هذا المستقبل واقعا مشتركا وآمنا.

هكذا سيعمل المشروع. ستنسق منارة البحث والتعليم والتطوير بين الدول الأعضاء. وستدعم المشاريع المشتركة في مجالات تتراوح من تخصيب اليورانيوم وإدارة النفايات إلى الاندماج النووي والطب.

 سيتشارك الأعضاء المرافق، ويجمعون الخبرات، ويضمنون الشفافية من خلال مجلس تنظيمي مشترك. ستكون المساهمات متناسبة مع قدرة كل دولة، مع استفادة جميع الأعضاء.

سيكون مقر الشبكة في إحدى الدول المشاركة، مع مكاتب فرعية ومنشآت تخصيب مشتركة محتملة في دول أخرى. ويتولى الإشراف عليها مجلس محافظين مؤلف من ممثلين وطنيين، مع دعوة مراقبين دوليين من الأمم المتحدة ومجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية للمشاركة. والأهم من ذلك، أن تتضمن منارة ضمانات متبادلة قوية لمنع تحويل المواد للاستخدام العسكري.

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، استيقظنا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على إدراك جماعي للصورة المروعة لمستقبلنا ما لم نغتنم هذه الفرصة.

نعلم أن انعدام الثقة متأصل في منطقتنا. لإيران مظالمها، وللآخرين مظالمهم أيضا. لكن التاريخ لا يجب أن يُحدد مصيرنا.

ندعو دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تأييد منارة والبدء بمفاوضات رسمية حول هيكلها واختصاصاتها ومعايير عضويتها. ويمكن لقمة إقليمية - برعاية الأمم المتحدة وبدعم من القوى العالمية - أن تُرسي الأساس. ولن تُقلل هذه الخطوة من خطر الصراع النووي فحسب، بل ستُقدم أيضا نموذجا للتعاون في عالم مُمزق.

الوضع الراهن غير قابل للاستمرار. لم يعد كابوس التصعيد وقدرته الكامنة على التسبب في الانتشار محض افتراض؛ بل أصبح على وشك أن يصبح حقيقة واقعة. ولكن لا يزال هناك وقت لاختيار مسار مختلف.

يمكن أن تكون منارة منارة تُرشدنا نحو مستقبلٍ لا يعود فيه الشرق الأوسط ساحة للصراع النووي، بل رائدا في السلام والتقدم والطاقة المسؤولة. الآن هو وقت العمل.

 

*جواد ظريف أستاذ مشارك للدراسات العالمية بجامعة طهران. شغل منصب وزير خارجية إيران وكبير المفاوضين النوويين بين عامي ٢٠١٣ و٢٠٢١. شاركه في تأليف الكتاب محسن بهاروند، نائب وزير الخارجية الإيراني وسفيرها لدى المملكة المتحدة.


14/08/2025