*سيروان شيخ غريب
الأرشيف الوطني هو ذاكرة الشعوب، ومن دونه يصبح التاريخ عرضة للنسيان أو التشويه.
وفي التجربة العراقية – الكردستانية، برز مشروعان متكاملان لعبا دورًا نوعيًا في حفظ هذه الذاكرة: الإنصات المركزي في موسمه الأول، ومجلة المرصد في موسمه الثاني.
الإنصات المركزي: رصد يومي وبناء ذاكرة حية
انطلقت تجربة الإنصات المركزي في 12 آذار 1994، واستمرت بالصدور اليومي حتى عام 2021، مسجلةً أكثر من 7500 عدد متواصلة.
وقد شكّلت هذه الأعداد سجلًا يوميًا ثريًا للأخبار والتقارير والمواقف والمقالات، بما يجعلها بمثابة “دفتر يوميات” شامل لأكثر من ربع قرن من تاريخ العراق وكردستان السياسي والاجتماعي.
هذا الرصيد الضخم لا يقدّر بثمن، إذ يُعد مادة خامة للباحثين والمؤرخين ومراكز الأرشفة.
المرصد: من الرصد اليومي إلى التوثيق التحليلي
مع نهاية الموسم الأول، وابتداءً من العدد 7501، واصل المشروع مساره تحت اسم مجلة المرصد، بصيغة ورقية وإلكترونية.
المجلة تصدر بواقع مجلتين أسبوعيًا حتى يومنا هذا، محافظةً على استمرارية التوثيق، لكنها انتقلت من الرصد اليومي إلى التحليل العميق والتوثيق المؤسسي.
وهكذا جمعت بين وظيفة الصحافة ودور الأرشفة، لتكون جسرًا بين المادة الصحفية والبحث التاريخي.
تكامل التجربتين في بناء الأرشيف الوطني
ما قدمه الإنصات المركزي على مدى 27 عامًا من رصد يومي، تواصل اليوم في المرصد عبر متابعة تحليلية وتوثيقية، ما يجعلنا أمام أرشيف متكامل يمتد من عام 1994 حتى اليوم، بلا انقطاع.
هذا الأرشيف لا يخص كردستان وحدها، بل يشكل جزءًا من الذاكرة الوطنية العراقية أيضًا، لشموليته وثرائه وتنوع مصادره.
تكمن أهمية هذا المسار في أنه لا يقتصر على حفظ الأحداث، بل يقدم مادة علمية خامة تساعد المؤرخين والباحثين وصنّاع القرار على فهم المسار التاريخي بعمق.
كما أنه يرسّخ فكرة أن الأرشيف ليس مجرد وثائق حكومية جامدة، بل هو أيضًا صحافة حية، مقالات، تقارير، وشهادات يومية على لحظات مفصلية في تاريخ العراق وكردستان.
من هذا المنطلق، يمكن القول إن الإنصات المركزي والمرصد قد أسهما في تحويل الصحافة إلى ركن أساسي من أركان الأرشيف الوطني، ووفّرا للذاكرة الجمعية العراقية – الكردستانية ما تحتاجه من استمرارية ومصداقية.
وما تراكم منذ 1994 حتى اليوم يشكل كنزًا وثائقيًا يضعنا أمام مسؤولية الحفاظ عليه، وتوظيفه في خدمة المستقبل.
*كاتب متخصص في الارشيف الوطني