×


  الاتحاد الوطني الکردستاني

  عملية السليمانية تكريس لسيادة القانون



*سوران الداودي

 

في فجر يوم الجمعة، شهدت مدينة السليمانية واحدة من أهم العمليات الأمنية في السنوات الأخيرة، حيث أقدمت القوات الرسمية على تنفيذ أمر قضائي بإلقاء القبض على لاهور شيخ جنكي، بعد امتناعه المتكرر عن المثول أمام القضاء. العملية، التي رافقها اشتباك مسلح مع مجموعة من المرافقين التابعين له، أسفرت عن استشهاد ثلاثة من عناصر القوات الأمنية الذين ضحّوا بحياتهم في سبيل تنفيذ واجبهم. ورغم ألم الخسارة، فإن الرسالة المركزية لهذه العملية واضحة: لا أحد فوق القانون، وسيادة القانون هي الضمانة الوحيدة لحماية المجتمع من الفوضى.

بعيدًا عن أي تفسيرات سياسية أو حسابات حزبية، جاءت العملية في إطار قانوني صرف. السلطات القضائية أصدرت أوامر واضحة باستدعاء لاهور شيخ جنكي للمثول أمام العدالة، غير أن الأخير رفض الامتثال، مفضّلًا التحصن في فندق محاط بمسلحين ضن قوة تشكلت خارج الاطار القانوني وبدعم من جهات معروفة . هذه الخطوة لم تكن مجرد عصيان إداري أو قانوني، بل شكلت تحديًا مباشرًا لسلطة القضاء، الأمر الذي جعل التدخل الأمني واجبًا لا يحتمل التأجيل.

عند بدء تنفيذ أمر القبض، بادر المسلحون المرافقون للاهور بإطلاق النار على القوات الرسمية، ما حوّل العملية إلى مواجهة عسكرية محدودة. الرد الأمني كان محسوبًا ودقيقًا، والهدف لم يكن الاشتباك بحد ذاته، بل فرض هيبة القانون والقبض على المطلوب دون إلحاق أضرار بالمدنيين أو بالممتلكات العامة والخاصة. ورغم سقوط ثلاثة شهداء من القوات، فإن العملية انتهت بالقبض على المطلوب، وإرسال رسالة قوية لكل من يفكر في تحدي القضاء أو مواجهة مؤسسات الدولة.

ليس من قبيل المصادفة أن تتم العملية في ساعات الفجر الأولى بعد مطالبات عدة بتسليم انفسهم وتحديد مهلة لذلك . هذا التوقيت جرى اختياره بعناية لتفادي أي أضرار جانبية على المدنيين، حيث تكون الشوارع خالية والحركة في حدها الأدنى. مثل هذا القرار يعكس عقلانية المؤسسات الأمنية، وحرصها على تقليل الخسائر، وحصر المواجهة في نطاق المسلحين فقط. فالقانون لم يكن يستهدف المجتمع، بل مجموعة محدودة اختارت التمرد على الشرعية القضائية.

من أبرز ما تكشفه العملية هو استمرار بعض الأطراف في محاولة تشكيل قوى مسلحة موازية، بتمويل ودعم خارجيين معروفين. هذه المحاولات لا تمثل مجرد تهديد أمني، بل هي مشروع لتقويض النظام العام وتهميش سلطة المؤسسات الدستورية.

إن عسكرة المجتمع تعني تحويل المدن إلى ساحات صراع، وجرّ المواطنين الأبرياء إلى أتون مواجهات عبثية. وهنا تكمن أهمية العملية: إنها لم تستهدف فردًا بعينه بقدر ما استهدفت فكرة التفلت من القانون واللجوء إلى السلاح كوسيلة للضغط والابتزاز.

الرسالة التي خرجت بها السليمانية صباح الجمعة هي أن سيادة القانون ليست خيارًا انتقائيًا، بل قاعدة شاملة.

الامتثال لأوامر القضاء واجب على الجميع، وأي محاولة للتهرب أو التمرد ستُواجه بالحزم. فالقانون ليس أداة في يد جهة سياسية أو فئة اجتماعية، بل هو الإطار الجامع الذي يحمي الجميع. واللحظة التي يُكسر فيها هذا الإطار، تفتح الباب أمام الفوضى والانقسام.

دماء الشهداء الثلاثة الذين ارتقوا خلال العملية لم تذهب سدى. إنها تضحيات ثمينة في معركة فرض القانون وترسيخ الاستقرار. فهؤلاء الشهداء يمثلون خط الدفاع الأول عن المجتمع، والضمانة بأن سيادة القانون لن تكون مجرد شعار. كل قطرة دم سالت في هذه العملية هي عهد جديد بأن الاستقرار لن يتحقق إلا بالالتزام بالقانون، وأن لا مكان للمسلحين خارج الأطر الرسمية.

ما جرى في السليمانية لم يكن مجرد حادثة أمنية عابرة، بل محطة فاصلة بين منطق السلاح ومنطق القانون. لاهور شيخ جنكي، الذي رفض المثول أمام القضاء، اختار المواجهة المسلحة فخسر رهانه، وأصبح الآن في قبضة العدالة. أما المجتمع، فخرج برسالة تطمئن أن المؤسسات الأمنية قادرة على حماية سيادة القانون، حتى لو كان الثمن غاليًا.

العملية أكدت أن زمن المساومات السياسية مع المسلحين خارج الشرعية قد انتهى، وأن سيادة القانون هي المرجع النهائي للجميع. وفي هذا الدرس الصارم، يكمن الأمل في بناء مجتمع أكثر استقرارًا، حيث لا صوت يعلو فوق صوت العدالة.


24/08/2025