*بيشه جوهر
انتخاب بافل جلال طالباني رئيسا للتحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي ليس مجرد لقب يطلق على شخصية كوردية في مؤتمر ومراسيم, بل يشكل لحظة تاريخية للتمثيل السياسي الكوردي والقيم التي ناضل من أجلها، إن وجود رئيس مثل بافل جلال طالباني في التحالف له أهمية كبيرة بالنسبة للمنطقة والشرق الأوسط أجمع.
من المشروع والاهمية الان أن نتساءل ما أهمية مسؤولية الرئيس؟ فالإجابة واضحة، يمكن الاجابة عليها على المنوال التالي:
كثيرا ما أصبحت الديكتاتورية الشكل السياسي السائد في المنطقة، إلا أن وجود بافل طالباني، كرئيس ديمقراطي وابن رئيس سابق عظيم كمام جلال، لايزال يُمثل النموذج السائد في المنطقة، لهذا السبب فإن انتخاب رئيس كوردي تقدمي ودبلوماسي وصاحب رؤية لرئاسة التحالف العربي أمر في غاية الأهمية وله وزن ثقيل، وفي الوقت نفسه، يواصل الرئيس بافل في دوره الجديد مسيرة والده، الرئيس مام جلال، الذي مثل الكورد وحركتهم السياسية لأكثر من نصف قرن.
الرئيس مام جلال، بصفته كأول رئيس كوردي عراقي وقائد للثورة ومؤسس الاتحاد الوطني الكوردستاني، سعى دائما إلى تعزيز الحوار والديمقراطية والتعايش المشترك ونقل النضال الكوردي من حدود كوردستان المغلقة إلى العواصم والمحافل الدولية.
التاريخ شاهد على اسم الرئيس مام جلال وفكرة الحوار ونبذ العنف كانا دائما على نفس المستوى و التوازن. وأعرب عن اعتقاده بأن العراق والمنطقة لا يمكن أن يصلا إلى التقدم والاستقرار إلا من خلال أتباع نهج الحوار واحترام المكونات والتعايش المشترك, في وقتنا الراهن أن بافل جلال طالباني أيضا يتبع نفس سياسة والده, إن هذا المسار الذي يسلكه السيد بافل ليس سهلا، فنحن لا نعلم أيضا ما إذا كان الجيل القادم من القيادة الكوردية سيكون قادرا على تحويل هذه المثل العليا إلى ممارسة عملية و واقع والتغلب على العقبات أم لا؟, ولكننا على يقين بأن رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني سينجح في هذه المرحلة المهمة أيضا.
في وقتنا الراهن يواجه العالم العربي العديد من التحديات، بدءا من الصراعات المسلحة وانتشار المليشيات و تفاقم التفاوت والصراعات الاقتصادية والسياسية, كل هذه ومئات الآلاف الأخرى من المشاكل والصراعات, عانت منها المنطقة ولكن لم تكن القيادة الموحدة حينها ذات الصوت الواحد ضرورية كما هي في وقتنا الراهن, وفي ظل هذا الوضع فإن وجود هذا التحالف في المنطقة سيكون مهما ومنهلا لانبعاث الامل و الحوار لمناقشة بصدد القضايا المعقدة المستجدة في المنطقة.
صحيح في كل عذه الصراعات قد يكون صوت الديمقراطيين الاجتماعيين غير عاليا, ، ولكنها ضرورية لأنها تحمل رسالة مشتركة صحيحة و سليمة: تسعى شعوب المنطقة إلى المساواة والعدالة والحكم الرشيد, إلا أن انتخاب الرئيس بافل يُظهر أن القيادة الكردية، وخاصة الاتحاد الوطني الكوردستاني، قد سعت جاهدة لتحقيق هذه القيم الثمينة، فلا أحد يستطيع مثله النضال من أجلها, علاوة على ذلك أيضا فإن انتخاب هذا الرئيس الكوردي لمثل هذا التحالف في العالم العربي يحمل رسالة مفادها أن الدول العربية تنظر إلى الكورد كشركاء وأصدقاء حقيقيين، وأن المرحلة التي كانت تنظر فيها إلى الكورد كأجانب قد زالت و انتهت, فهذا الأمر يدعو للثناء والتقدير، حيث تمكن الرئيس بافل والاتحاد الوطني الكوردستاني من تحقيق هذا الإنجاز المهم من اجل كورد وكوردستان.
ومن ناحية أخرى، كان الاتحاد الوطني الكوردستاني دائما في النضال من أجل تحقيق القيم و المعايير الديمقراطية، فكان دائما مختلفا عن الأحزاب السياسية الكوردية الأخرى, و من جهة اخرى مثل أي حزبا اخر واجه الاتحاد الوطني الكوردستاني أيضا نصيبه من الصراعات والضغوطات المحلية والدولية وضغوطات الحكم, لذلك يُمكن للسيد بافل تعزيز مكانة الاتحاد الوطني الكوردستاني داخليا وخارجيا أيضا من خلال هذا الدور الجديد, كما يُمكنه أن يُثبت عمليا بأن الديمقراطية الاجتماعية ليست مجرد هدف شعارات طنانة, بل هي سبيلٌا من أجل الإصلاح السياسي.
أنني متأكدة بأن هذا الطريق لن يكون سهلا و وسيكون مليئا بالعقبات أمام السيد بافل بسبب الصراعات الكثيرة الحادة والمشاكل المتنوعة في المنطقة، ولكن كما أشار هو نفسه خلال خطابه الانتخابي، فإن هذا التحالف لا ينبغي أن يكون سوقا للخطابات، بل يجب أن منصة للعمل المشترك والتضامن والسياسة الحقيقية.
وفي الختام، أود هنا القول بإن انتخاب السيد بافل هو فخر ومسؤولية كبيرة. هذه المرحلة الجديدة هي بمثابة باب له من أجل تقديم رؤيته بشأن المشاكل المشتركة بين الكورد والعرب كاللفقر، وعدم المساواة، واليأس... وما شابه ذلك. ويمكنه أن يجعل هذه المرحلة الجديدة نقطة تحول في تطبيق المُثُل العليا الى ممارسة عملية، تسوية الاختلافات وجمع الاطراف و الاراء تحت مظلة واحدة.
المنطقة هنا بحاجة إلى قيادة حكيمة كي تُرسّخ الأمل والثقة والوحدة في قلوب جماهيرها, وأنا على ثقة تامة بأن السيد بافل قادر على إثبات أن هذا المنصب ليس مجرد لقبا, بل إنه فصلا جديد للديمقراطية الاجتماعية في العالم العربي.