*سوران الداوودي
في خطوة متوقعة تحمل دلالات سياسية عميقة، انتُخب بافل جلال طالباني رئيسا للتحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي، وهو حدث يمكن اعتباره تحولا مهما على أكثر من صعيد العربي و الديمقراطي والكردستاني. هذا الاختيار لم يأتِ اعتباطا، بل كان احد معطيات طبيعة المرحلة التي تمر بها المنطقة ، ويجسد في الوقت نفسه الإرث والتاريخ السياسي للاتحاد الوطني الكوردستاني الذي عُرف كونه جسرا للتواصل والحوار بين المكونات.
يمثل انتخاب بافل جلال طالباني تعزيزا للحضور الكردي في الاوساط العربية و يجسد انتقال العلاقة بين العرب والكرد من دائرة التوتر والصراع إلى مديات جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والشراكة السياسية والفكرية. كما ان منح هذا الموقع لشخصية شابة تحمل توجها إصلاحيا وتقدميا يشكل دفعة قوية للتيار الديمقراطي الاجتماعي في المنطقة العربية، في ظل الأزمات السياسية والاجتماعية المتراكمة.
وبحكم انتماء الاتحاد الوطني الكردستاني إلى الاشتراكية الدولية، فإن رئاسة بافل طالباني للتحالف العربي الديمقراطي الاجتماعي تفتح الباب لجسور التواصل المتين مع الحركات الديمقراطية العالمية، ما يعزز مكانة هذا التحالف ويمنحه ابعادا إقليميا ودوليا مهما.
إن انتخاب طالباني يحمل رسالة واضحة لترسيخ مفهوم الديمقراطية التعددية في العالم العربي. فهو من الشخصيات المعروفة بتبني مبدأ الشراكة والتعايش، ما يتوافق مع جوهر الديمقراطية الاجتماعية التي لا تقتصر على صناديق الاقتراع، بل تشمل العدالة الاجتماعية والحقوق المدنية وتوازن المكونات.
أن هذا الموقع يضع الرئيس بافل طالباني في موقع مواجهة التيارات المتطرفة التي تهدد استقرار المنطقة، ويعزز من إيجاد الحلول الديمقراطية البديلة المعتدلة . إضافة إلى ذلك، فإن خطابه المتكرر حول إشراك الشباب والمرأة في الحياة العامة قد يشكل أساسا لبرامج التحالف المقبلة، بما يمنح الديمقراطية الاجتماعية في العالم العربي طابعا أكثر حيوية وتجددا.
اما على الصعيد الكردستاني فلا يمكن إغفال الأهمية الخاصة لهذا الانتخاب فبالنسبة إلى إقليم كردستان فهو يثبت أن الاتحاد الوطني الكردستاني ليس مجرد لاعب محلي أو عراقي فحسب وانما قوة إقليمية فاعلة تمتلك امتدادا عربيا كما يعزز هذا الموقع صورة كردستان كشريك في قضايا الديمقراطية وحقوق الشعوب في المنطقة ، بعيدا عن الصورة التقليدية في إطارها القومي فقط.
كذلك، فإن وجود زعيم كردي في تحالف عربي واسع يمنح الكرد قوة إضافية في التوازنات السياسية داخل العراق، إذ يرسخ هذا الحضو كجزء من معادلة إقليمية أوسع. والأهم من ذلك، أن انتخاب بافل طالباني يمثل استمرارا لإرث والده الرئيس الراحل جلال طالباني، الذي اشتهر بلقب “مام جلال” وكان يُنظر إليه كجسر للتواصل بين الكرد والعرب وبين الديمقراطية الاجتماعية في كردستان والعالم العربي.
إن انتخاب بافل جلال طالباني رئيسا للتحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي ليس مجرد حدث تنظيمي داخلي، بل هو خطوة سياسية كبيرة تحمل أبعادا استراتيجية تعزز حضور الكرد في الفضاء العربي من جهة ، وتدعم الديمقراطية الاجتماعية كخيار مستقبلي من جهة أخرى كما تمنح كردستان بعدا جديدا يجعلها جزءا أصيلا من التوازنات الإقليمية. بهذا الانتخاب، يتجدد الإرث السياسي لمدرسة طالباني، ويُفتح أفقا جديدا للعلاقة بين العرب والكرد على قاعدة الديمقراطية والشراكة.