*د.ليراز مارغاليت
صحيفة"معاريف" /الترجمة والتحرير: محمد شيخ عثمان
التفجيرات هي العنوان الرئيسي، لكن القصة الحقيقية تكمن في الكلمات التي تلتها.
لقد أكدت إسرائيل مرارا وتكرارا أن هذا "قرارنا المستقل"،أي شخص مُلِمٌّ بالخطاب السياسي يعلم أنه عندما يُصرّ أحدهم على الاستقلال، فغالبا ما يكون هناك ما يدعو إلى الشك في العكس.
لم تكن هناك حاجة لتكرار ذلك إلا إذا كانت رسالة مُنسَّقة وفي هذه الحالة، يبدو أن الرسالة قد وُضعت بالتعاون مع ترامب: إسرائيل لها دور المُنفِّذ، والأمريكيون لديهم دور المُخطِّط، وقطر لديها دور الفاعل الذي يُدين بصوت عالٍ وبالتالي يُحافظ على كرامته، ولكن يمكنه الاستمرار في التوسط خلف الكواليس.
علينا أن نتوقف لحظة ونلحظ، للوهلة الأولى، بدا هجوم الدوحة محيرا بعض الشيء: ففي اليوم السابق فقط، كانت هناك شائعاتٌ عن احتمال حدوث انفراج في المفاوضات. حتى رئيس الأركان أبدى تحفظاتٍ على الخطوة، محذرا من أنه من السابق لأوانه استنفاد جميع خيارات التوصل إلى اتفاق. لكن كل من تابع سلوك حماس في الآونة الأخيرة يعلم: مرارا وتكرارا، نشعر بالأمل، ونشعر بخيبة أمل. لا جدوى من التشبث بكل تصريحٍ متفائل.
يتبين أن ادعاء حماس "جاهز للتوصل إلى اتفاق" مجرد لعبة توقيت في كل مرة.
إن الإصرار اللامتناهي، ورفض طرح القضايا الرئيسية على الطاولة، والقدرة على إطالة أمد المفاوضات لأشهر دون التوصل إلى أي اتفاق، كلها استراتيجية مدروسة.
في مواجهة هذا، أدركت إسرائيل ضرورة إحداث صدمة، إجراء يوضح لحماس بأقصى قدر ممكن: من المستحيل الاستمرار في المماطلة إلى الأبد.
لم يكن الهجوم يهدف إلى تصفية أشخاص فحسب، بل إلى القضاء على الشعور بالحصانة،ليُظهر أنه حتى لو كنتَ في قطر، محاطا بالوسطاء وأجواء الأمن، فإن إسرائيل قادرة على الوصول إليك. وعندما يتبين أن من تم استبعادهم، أو على الأقل وُصفوا بذلك، هم نفس كبار المسؤولين الذين اعتُبروا "الأكثر عنادا" في المفاوضات، فإن الرسالة واضحة: كل من يُعقّد التوصل إلى اتفاق يُعرّض نفسه للخطر الشخصي.
وبعبارة أخرى، لم تكن عملية الاغتيال مجرد خطوة عسكرية، بل كانت خطوة وعي متعددة الطبقات: بالنسبة للجمهور الإسرائيلي كانت "ردا على هجوم"، وبالنسبة لترامب كانت دليلا على أن إسرائيل "تتصرف" وتنفذ تحذيره، وبالنسبة لحماس كانت تحذيرا بأنهم لا يملكون وقتا لا نهائيا، وأن العناد قد يصبح قاتلا.
الادعاء بأن هذا كان "ردا على هجوم القدس" جزء من الرواية، لا أحد يصدق حقا أن هذه العملية خُطط لها بين عشية وضحاها. لقد وفر الهجوم ذريعة عاطفية، وشرعية شعبية. يتقبل الجمهور قصة بسيطة: "قتلونا - انتقمنا". هذا ليس الواقع العملي، بل هو الواقع السردي.
لكن الرسالة الحقيقية كانت موجهة إلى حماس، لم يكن هناك أي ابتكار في القدرات، طائرات تقصف على بُعد آلاف الكيلومترات من الوطن - كنا قد عرفنا ذلك بالفعل كان الابتكار في الساحة: في قلب الدوحة، المكان الذي شعر فيه كبار مسؤولي المنظمة بالأمان وحرية الحركة.
لكن إسرائيل زعزعت هذا الشعور بالأمن وبالإضافة إلى ذلك، فإن التسريب الذي يفيد بأن أولئك الذين تم إقصاؤهم كانوا "الأكثر عنادا في المفاوضات"، حتى لو لم يكن دقيقا، يخدم الغرض: إخبار الباقين بعدم العناد الشديد، وقد يكون الثمن شخصيا.
لكن هنا تبرز مفارقة مثيرة للاهتمام: فرغم ادعاء إسرائيل أنها قضت على "حماس العنيدة"، وزعمت حماس أن من قضوا فقط هم من صغار المسؤولين، فإن هذا يثير سؤالا محيرا: هل كان فشلا عملياتيا؟ لست متأكدا.
يبدو أن الفشل "المُخطط له" بحد ذاته كان جزءا من الرسالة: إظهار القوة دون إفشال المفاوضات تماما. الهجوم على قطر يوجه رسالة تتجاوز حماس، إيران وحزب الله يتلقيان رسالة واضحة: لا مكان آمن، حتى تحت رعاية حلفاء أمريكا و هذا جزء من سياسة "الملعب الطويل" التي انتهجتها إسرائيل - القدرة على الوصول إلى أي مكان وفي أي وقت.
لكن ثمة ما هو أعمق من ذلك فلسنوات عديدة، كانت هناك "قاعدة غير مكتوبة" في الشرق الأوسط تقضي بعدم قيام إسرائيل بعمليات عسكرية في دول الخليج التي تربطها علاقات بها أو بالولايات المتحدة لكن الهجوم على الدوحة يُظهر استعداد إسرائيل لكسر هذه القواعد، ويشير إلى أنها تعتبر أمنها القومي شاغلا رئيسيا، متفوقا على الاعتبارات الدبلوماسية أو مصالح الدول الأخرى.
هذه رسالة مزدوجة للعالم العربي:
من جهة، قد تردع دولا أخرى عن عرض الوساطة مستقبلا - فمن ذا الذي سيخاطر بتحويل أراضيه إلى ساحة صراع إسرائيلي؟ ومن جهة أخرى، قد تشجعها على القيام بدور أكثر فاعلية في حل الصراع، لمنع أي تصعيد مستقبلي.
وهنا تتجلى المفارقة القطرية بكل قوتها. تستضيف قطر أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، وتستضيف أيضا قيادة حماس. يكشف الهجوم هذا الغموض ويدفع قطر إلى التساؤل: هل يمكنها حقا الاستمرار في اللعب على كلا الجانبين؟
وها هو ترامب يتدخل. قبل أيام قليلة، نشر أن هذا، بالنسبة له، "التحذير الأخير لحماس". التحذير الأخير يعني: في المرة القادمة، ستأتي ضربة موجعة. إسرائيل لا تعمل في فراغ؛ ما كانت لتنطلق إلى الدوحة دون إبلاغ ترامب فحسب، بل دون موافقته الصريحة. في الواقع، نفّذت إسرائيل تهديد ترامب.
بمعنى آخر، لم يكن القصد من الاغتيال هزيمة حماس عسكريا، بل كان الهدف منه إدارة الوعي. اللعبة مزدوجة: يقدم ترامب نفسه كشخص "لا يعرف" التفاصيل، ويحافظ على صورة الوسيط مع قطر، لكنه في الواقع يرسل إشارة إلى إسرائيل بأنه يدعمها، ويرسل إشارة إلى حماس بأن صبره بدأ ينفد.
قد يكون تعليق الوساطة القطرية مؤقتا، لكنه ينقل الكرة إلى ساحات أخرى، مصر، الأردن، أو ربما وساطة أمريكية أكثر مباشرة. ربما يكون هذا بالضبط ما أرادته إسرائيل وترامب: نقل المفاوضات من حيث تشعر حماس بالراحة إلى ساحة تقل فيها مساحة المناورة. لم يكن الهجوم على الدوحة نهاية اللعبة، بل كان تغييرا في قواعدها.