*محمد شيخ عثمان
في الخطاب السياسي والثقافي السائد في المنطقة العربية، تتكرر عبارة “الأقليات” كوسم توصيفي يُطلق على الشعوب غير العربية، حتى تلك التي تضرب جذورها في أرض الرافدين وميزوبوتاميا وشمال أفريقيا قبل آلاف السنين. هذا الاستخدام ليس بريئا؛ قد يستخدم دون تعمد لكن في احيان كثيرة يُخفي نزعة استعلائية تنكر على هذه الشعوب مكانتها التاريخية، وتحصرها في هامش الهوية الوطنية.
تاريخيا ،الاخوة العرب لم يكونوا السكان الأصليين للعراق، استقروا في الجزيرة العربية ومنها هاجروا شمالا وشرقا مع موجات الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، أي قبل حوالي 1400 عام.
أما أرض الرافدين فكانت قبل ذلك بمئات وآلاف السنين مأهولة بشعوب وحضارات سبقت قدوم العرب، أبرزها السومريون والأكديون والبابليون والآشوريون والكرد،اذن ،الكرد ليسوا “وافدين” إلى العراق كما يُصوَّر أحيانا، بل هم من أقدم شعوب المنطقة وهم الامتداد التاريخي للميديين الذين أسسوا مملكتهم في جبال زاغروس في القرن السابع قبل الميلاد، وكانت عاصمتهم أرابخا (كركوك الحالية). وكانوا قوة مركزية في تاريخ ميزوبوتاميا.
هذا الامتداد التاريخي يؤكد أن الكرد مكوّن أصيل من هوية العراق والمنطقة، وليسوا “أقلية” طارئة.
أما السومريون، الذين أقاموا أول حضارة مدنية مكتوبة في جنوب العراق (الألف الرابع قبل الميلاد)، فقد مثّلوا الأصل الأقدم للهوية الرافدينية،ورغم اندماجهم لاحقا مع الأكديين وغيرهم، إلا أنهم ظلوا شاهدا على أن العراق لم يكن يوما حكرا على قومية واحدة .
وفي مصر، يتكرر المشهد نفسه. الأقباط هم الامتداد الطبيعي للمصريين القدماء، حضارة النيل التي سبقت دخول العرب إليها بآلاف السنين ومع ذلك، يُختزل الأقباط في الخطاب السائد إلى مجرد “أقلية مسيحية”، بينما هم في الحقيقة أصحاب الأرض الأصليين، تماما كما الكرد في ميزوبوتاميا، وفي شمال أفريقيا، فيُستخدم المصطلح ذاته مع الأمازيغ بينما هم يشكلون العمود الفقري لتاريخ المغرب والجزائر وتونس وليبيا قبل وصول العرب من الشرق في القرن السابع الميلادي ورغم كل ذلك، كثيرا ما يتم التعامل معهم بوصفهم “أقلية”، على الرغم من أنهم يشكلون نسبة معتبرة من سكان المنطقة ويمتلكون لغة وهوية وحضارة ضاربة في القدم.
هكذا نكتشف أن مصطلح “الأقليات” ليس سوى أداة سياسية لتقزيم الهويات الأصيلة، بينما التوصيف الأدق والأعدل هو “المكونات”. فالدولة الوطنية لا تُبنى على نزعة إقصاء، بل على الاعتراف المتبادل بأن كل شعبٍ مكوّن أصيل، يشارك في صناعة الحاضر والمستقبل.
لن يكون بإمكاننا الحديث عن حلول جادة لأزمات المنطقة، ما لم نصحّح لغتنا ورؤيتنا،فالاعتراف بتاريخ الشعوب الأصيلة – كردا وأقباطا وأمازيغ وسريان وآشوريين وغيرهم – ليس منّةً، بل هو حجر الأساس لأي مشروع ديمقراطي عادل.
التسمية إذن ليست تفصيلا لغويا؛ إنها مفتاح العدالة والعيش المشترك.