موقع "T24" التركي/الترجمة والتحرير / محمد شيخ عثمان
تقرير حاص :جانسو تشامليبل:يبلغ عدد من تصنفهم الدولة على أنهم قيادات في حزب العمال الكردستاني نحو 200 شخص. وتبين أن قسما كبيرا من هؤلاء يرغبون في العودة إلى تركيا والظهور ضمن الساحة السياسية القانونية والديمقراطية. لهذا السبب بدأ الجانب الحكومي البحث عن صيغة جديدة.
وبينما تطرح أفكار وسيناريوهات مختلفة، بدأ النقاش حول خيار نقل الكادر القيادي الأعلى في PKK إلى جزيرة إمرالي. وأكدت مصادر تحدثت إليها أن هذا الخيار مطروح بجدية على الطاولة، ويجري بحثه ضمن إطار يشمل عبدالله أوجلان أيضا.
في مراسم تسليم السلاح الرمزية التي نظمها PKK في 11 تموز، شارك مسؤولون من تركيا بصفة مراقبين.
بالنسبة لتركيا، فإن عام 2025 تميز بلا شك بأمرين أساسيين، أحدهما العتبات التي جرى تجاوزها في المسار الذي تسميه الحكومة "تركيا بلا إرهاب".
فبعد دعوة أوجلان في 27 شباط تحت عنوان "نداء السلام والمجتمع الديمقراطي"، أقدم PKK، وبسرعة غير متوقعة، خلال أربعة أو خمسة أشهر، على خطوات ذات طابع رمزي عال باتجاه حل نفسه. إلا أن الدولة، التي يفترض أنها انطلقت في هذا المسار بناء على نوع من القبول المسبق، تبدو متوترة وبطيئة في تنفيذ الخطوات القانونية التي تحملت مسؤوليتها.
وبعد عشرين يوما فقط من دعوة 27 شباط التي أطلقها أوجلان ونجح إلى حد ما في فرضها على تنظيمه، جاءت عملية بلدية إسطنبول الكبرى، وما تلاها من عمليات وتوقيفات أدخلت البلاد في ما يشبه حالة طوارئ جديدة. وهو ما جعل صدقية المبادرة التي قدمها معسكر السلطة كمشروع "سلام داخلي" موضع تساؤل.
من المعروف أن أحد العوامل التي تبطئ خطوات أنقرة هو مستقبل قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب عمودها الفقري. فتصميم المسار بالتوازي مع تطورات الساحة السورية أفضى إلى نتائج حتمية. وأصبح اندماج قسد بشكل ما في الجيش المركزي السوري الجديد نقطة ارتكاز لإقناع الرأي العام التركي بمشروع "تركيا بلا إرهاب".
وقد جرى الترويج المتكرر والقوي، وأحيانا بصيغة أقرب إلى الإنذار، لرسالة مفادها أن "قسد ستفكك"، إلى درجة أن الجهات الرسمية نفسها هي التي وجهت كل الأنظار إلى هذا الملف. وفي تقرير اللجنة الذي رفعه حزب العدالة والتنمية إلى الرئيس رجب طيب أردوغان، جرى تسجيل أن أحد "العتبات المبدئية" للانتقال إلى التعديلات القانونية التي ينتظرها طرف PKK هو التزام قسد باتفاق 10 آذار.
ورغم أن أنقرة تناور بهامش واسع، فإن توقع تحرك قسد بالوتيرة التي تنتظرها أنقرة، أو تبني الولايات المتحدة فورا وبشكل كامل خط توماس باراك، ليس واقعيا في وقت بدأت فيه هجمات داعش بالتصاعد داخل سوريا وخارجها. ومن المرجح أن يشهد هذا المسار مزيدا من المد والجزر.
في هذه الأثناء، نشر موقع "أودا تي في " قبل يومين خبرا أعلن فيه "الانتقال إلى مرحلة جديدة في مسار الحل".
الجزء الذي لفت انتباه وسائل الإعلام الأخرى كان أن بناء المسكن الجديد في إمرالي، المعروف أنه مخصص لأوجلان، أوشك على الانتهاء. وبطبيعة الحال، اشتعلت ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي. واضطرت المديرية العامة للسجون التابعة لوزارة العدل إلى إصدار بيان أكدت فيه أنه "لا يوجد بناء أو تخصيص فيلا أو مسكن خاص في سجن إمرالي". غير أن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن أوجلان سيحصل قريبا على مبنى أوسع بكثير من القسم الذي يقيم فيه حاليا، مع إمكانات تواصل أوسع.
أما الجزء الأقل لفتا للانتباه في خبر أودا تي في، فكان الادعاء بأن نقل الكادر القيادي المكون من 200 شخص في PKK إلى سجن إمرالي يأتي ضمن حزمة "العودة إلى الوطن". أي أن الدولة تدرس بجدية نقل القيادات العليا، وفي مقدمتهم مجلس قيادة KCK الموجود حاليا في دول مختلفة، إلى تركيا ووضعهم قرب أوجلان.
تؤكد المصادر أن عدد الأشخاص المصنفين كقيادات في PKK يبلغ نحو 200. وعند انطلاق مشروع "تركيا بلا إرهاب"، كان التصور العام أن يتم إرسال هؤلاء تدريجيا إلى دول ثالثة مثل النرويج والسويد وجنوب إفريقيا. لكن تصريحات الرئيسة المشاركة لمجلس قيادة KCK بسه هوزات، التي قالت فيها "نريد قوانين حرية لا عفوا"، كشفت عن واقع جديد. فالغالبية من هؤلاء باتت ترغب في العودة إلى تركيا والمشاركة في الحياة السياسية القانونية، ما دفع الدولة إلى البحث عن صيغة مختلفة.
وفي إطار هذه النقاشات، برز خيار نقل الكادر القيادي الأعلى في PKK إلى جزيرة إمرالي. وأكد المعنيون أن هذا الخيار يعد الأقوى حاليا، ويجري بحثه ضمن إطار يشمل أوجلان نفسه.
*هل سيقبل 40 إلى 50 اسما بالذهاب إلى إمرالي؟*
تشير المعطيات إلى أن بعض القيادات العليا في PKK تنظر بإيجابية إلى خيار إمرالي، وهي مستعدة لقضاء ما لا يقل عن ثلاث سنوات في سجن إمرالي. غير أن الدولة لا تتوقع أن يقبل جميع نحو 200 قيادي بهذا الخيار. لكن من يروجون لهذه الصيغة يعتقدون أن موافقة 40 إلى 50 شخصا، يحظون أيضا بموافقة أوجلان، قد تكون كافية لنجاحها.
وإذا قبلت مجموعة من القيادات بهذا السيناريو، في مرحلة تشهد فيها ظروف تواصل أوجلان نوعا من الانفراج، فسيكون السؤال الأول المطروح: هل سيتمكن أوجلان من اللقاء المنتظم مع قيادات PKK الموجودة على الجزيرة نفسها؟
*كبح تأثير أجهزة الاستخبارات الخارجية*
قد تتكاثر الأسئلة، لكن من السهل توقع حجم الجدل الذي قد يثيره مثل هذا الخيار في الرأي العام. ومع ذلك، يرى من يطرحون هذه الصيغة داخل الدولة أن من شأنها تقليص تأثير أجهزة الاستخبارات الأجنبية على المسار. كما أن أحد الدوافع الرئيسية هو منع القيادات من اتخاذ مواقف أو إطلاق تصريحات مستقلة عن أوجلان.
ويبدو أن التصريحات الأخيرة لكل من بسه هوزات ودوران كالكان ومراد قره يلان أثارت مخاوف من أن تؤدي إلى تفجير المسار. ولهذا يجري أيضا بحث خيار تعيين ناطق باسم أوجلان، وتشير المصادر إلى أن صبري أوك قد يكون الأنسب لهذه المهمة بحكم قربه من أوجلان وأسلوبه الدبلوماسي.
من جهة أخرى، تفيد حسابات الدولة بأن عدد عناصر PKK الذين سيشملهم ما يسميه زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي "قانون السلام"، ويقدمه بدعم من حزب DEM، يبلغ نحو 18 ألف شخص. ومن هؤلاء، يوجد حاليا 4500 فقط في السجون التركية، فيما يتوزع الباقون بين العراق وسوريا وأوروبا.
*تنظيم قانوني غير مفتوح*
تشدد الدولة على أن الترتيب القانوني المقترح مستوحى من قانون صدر عام 1928، مع التأكيد على أنه إجراء مؤقت وخاص وليس مفتوحا. وسيكون على الراغبين في الاستفادة منه التقدم بطلب خلال ستة أشهر.
وبحسب المسودة المتداولة، سيتم اعتماد نظام الإفراج المشروط أو تأجيل العقوبة لمدة ثلاث سنوات. وإذا عاد المستفيد إلى ارتكاب جريمة خلال هذه المدة، فسيتم تنفيذ العقوبات المؤجلة مع الجديدة.
كما سيعاد تقييم عقوبات السجن المؤبد المشدد على أساس 12 عاما، والمؤبد على أساس 10 أعوام، فيما سيتم تأجيل العقوبات التي تقل عن 10 سنوات مباشرة. وباعتبار التنظيم "منحلا"، ستلغى جريمة العضوية، وسيطلق سراح من لم يشاركوا في أعمال عنف أو نشاطات مسلحة.
في المحصلة، كل ما يطرح اليوم هو خيارات وسيناريوهات ومشاريع قوانين تضعها البيروقراطية أمام الرئيس أردوغان. ولا يزال من غير الواضح أي خيار سيوافق عليه ومتى. ويبقى السؤال الكبير: هل ستقبل نسبة معتبرة من قيادات PKK بالذهاب إلى السجن في المرحلة الأولى؟ أسئلة كثيرة مرشحة لأن تجعل عام 2026، مثل 2025، عاما بالغ التعقيد.
*جانسو تشامليبل صحفية وكاتبة تركية متخصصة في الشؤون السياسية والخارجية. تخرجت في قسم العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة الشرق الأوسط التقنية، وحصلت على درجة الماجستير في الصحافة الدولية من جامعة كارديف في بريطانيا. حملت أطروحتها للماجستير عام 2002 عنوان "الإعلام التركي وإشكالية الرقابة الذاتية".