×


  کل الاخبار

  عملية السلام والديمقراطية… آثار وتداعيات



*أسعد العبادي

*صحيفة "روناهي"

ماهي الآثار التي ستترتب على نجاح أو فشل مفاوضات عملية السلام بين الدولة التركية والقائد “عبد الله أوجلان”… إنه السؤال المهم الذي يلامس قضية حيوية ومؤثرة في مصير تركيا والمنطقة.

عملية السلام بين الحكومة التركية والقائد عبد الله أوجلان، قائد ومؤسس حزب العمال الكردستاني والتي تتمركز حول فكرة حل “القضية الكردية” ودمقرطة تركيا، هي بالفعل أحد الملفات الأكثر تعقيدا وتأثيرا في التاريخ الحديث لتركيا ودول الجوار الإقليمي إيران، العراق، وسوريا، هذه الدول التي يعيش فيها الملايين من الكرد، والتي تشكل جغرافيتهم التاريخية، هؤلاء المتطلعين للحرية والمجتمع الديمقراطي. ويمثل فيهم القائد عبد الله أوجلان؛ رمزية قيادية وتاريخية تُعقد عليها الآمال لتحقيق الحلم الكردي بالحرية والمواطنة المتساوية في مجتمع ديمقراطي تشاركي.

دعونا نسجل بعض التوقعات في حال نجاح عملية السلام معتمدين على معطيات وتطورات مبادرة السلام والديمقراطية باعتبارها حدثا تاريخيا فريدا لم يحصل له مثيل طيلة تاريخ تركيا المعاصر منذ تأسيسها في بدايات القرن العشرين وإلى يومنا هذا.

من أبرز هذه التوقعات والتي نجملها على التوالي ابتداء من المستويات: التركية، الإقليمية، والدولية وكما يلي:

 

على المستوى الداخلي في تركيا:

 

استقرار أمني:

 سيُنهي عقودا من الصراع المسلح الذي أودى بحياة عشرات الآلاف، وهدر الموارد، وضعف الاستقرار في المناطق الكرديّة التي تشكل غالبية السكان في الجنوب الشرقي للجمهورية التركية، وهي جغرافيتهم التاريخية.

 

إصلاحات سياسية ودستورية:

 قد تفتح هذه التعديلات الدستورية الباب للاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية للكرد، وتعزز اللامركزية، وتقوي الديمقراطية التشاركية التي استطاع حزب العمال الكردستاني من خلال الأدبيات والمدافعات والأفكار التي زخرت بها مؤلفات المفكر عبد الله أوجلان، والتي تميزت بالغزارة والرصانة الفكرية الفذة، وتناول فيها شؤون السياسة، المجتمع، الاقتصاد، المرأة، البيئة وكافة نواحي الحياة الأخرى، هذه النتاجات الفكرية الثرية، أسهمت في تعبئة الشعب الكردي ومنظماته الشعبية والتفافه حولها خصوصا في الجانب الفكري، الأيديولوجي والاجتماعي.

 

نمو اقتصادي:

 سيكون هناك فرصة لتنمية المناطق المتأثرة بالصراع، وجذب الاستثمارات، وتقليل الإنفاق العسكري لصالح التنمية، وذلك بعد ما أصاب المناطق الكردية من حرب الإبادة والتهجير القسري وهدم الآلاف من القرى الكردية طيلة الثلاث عقود المنصرمة.

 

تحسين النسيج الاجتماعي:

 قد يخفف نجاح عملية السلام والديمقراطية من حدة الاستقطاب العرقي والقومي داخل المجتمع التركي، ويعزز الانتماء المواطني المشترك وهو ما يُلقي بمسؤولية تاريخية على عاتق الأحزاب التركية القومية الراديكالية لتصحيح تعاطيها السلبي مع القضية الكردية، وأن تنخرط في العملية السلمية لضمان أمن واستقرار تركيا على المدى البعيد والمستدام.

على المستوى الإقليمي:

 

تأثير إيجابي على دول الجوار:

 ستكون تداعيات وارتدادات عملية السلام ذات تأثير إيجابي على الصعد السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية. خاصة في سوريا والعراق وإيران، حيث وجود الكرد التاريخي وبكثافة، قد يشجع النجاح التركي على حلول تفاوضية بدلا من الصراع المسلح في تلك الدول؛ ما يؤدي بالنتيجة للاستقرار الإقليمي وتبادل المصالح المشتركة في مجالات التنمية البشرية والاقتصادية.

 

تقليل التوترات الحدودية:

 قد تتعاون تركيا مع الحكومات الإقليمية في مكافحة المجموعات المسلحة، بدلا من استخدام الورقة الأمنية كذريعةٍ للتدخّلات العسكرية، وهو ما يُثقل كاهل دول الجوار التركي ويثلم سيادتها الوطنية. كما يحصل جراء وجود القواعد التركية على الأراضي العراقية، واحتلالها لمناطق سوريّة ومحاولة – تتريك- بعض هذه المناطق.

 

تعزيز دور تركيا الإقليمي:

 إن نجاح عملية السلام والديمقراطية سيجعل من الدولة التركية وسيطا موثوقا للسلام في المنطقة، ونموذج للتسوية السلمية وحل الصراعات العرقية على مستوى الجوار الإقليمي، ماي ُعزز روح الشراكة بين هذه الدول.

 

على المستوى الدولي:

 سيساهم نجاح عملية السلام في تحسين صورة تركيا كدولةٍ قادرة على حل نزاعاتها الداخلية سلميا، ما يعزز فرص انضمامها للاتحاد الأوروبي (إذا رافقت عملية السلام إصلاحات سياسية) وتعديلات دستورية تنهي مسالة التمييز وتضمن العدالة والمساواة لجميع مواطني الدولة التركية دون تهميش أو إقصاء لأي من شعوب ومكونات الدولة والتحول إلى الإدارات اللامركزية.

تأثير على المنظمات الكردية في الخارج التي يشكل دعمها شريانا حيويا لإمداد حركة التحرر الكردستانية بقيادة القائد “أوجلان” بمقومات الاستمرار والصمود.

 

 توقعات غير متفائلة في حال فشل عملية السلام:

 

على المستوى الداخلي ضمن حدود الدولة التركية:

**عودة العنف: مع احتمالية تصعيد أكبر، وزيادة الخسائر البشرية والمادية، نتيجة لخيبة الأمل وردة الفعل بعد التضحيات الجسيمة التي قدمتها حركة التحرر الكردستانية، وحزب العمال الكردستاني. ومبادرة السلام والديمقراطية التي اعتبرها الكثير من منافسي الحزب بأنها (تنازلات) ربما تقدح بتاريخ الحزب وكفاحه المرير من أجل الحرية.

**تأجيج المشاعر القومية المتطرفة: ما يهدد التماسك الاجتماعي.

** تراجع الديمقراطية: قد تعود السياسات الأمنية الصارمة، وتقييد الحريات، وتأجيل الإصلاحات السياسية، وهو مالا يرغب به القادة العقلاء من الجانبين.

**تدهور اقتصادي: خاصة في المناطق الكردية، مع هروب الاستثمارات، وزيادة البطالة خصوصا وإن الاقتصاد التركي يمر اليوم بأسوأ مراحله نتيجة للتضخم وانهيار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي.

 

على المستوى الإقليمي:

 سيؤدي فشل عملية السلام إلى إفراغ مبادرة القائد عبد الله أوجلان التاريخية من محتواها الإنساني، وسيترك تأثيرا سلبيا على استقرار الجوار الإقليمي:

**هناك احتمالات متوقعة قد تُفسر أطماع تركيا الاقليمية. فربما تتدخل تركيا بشكلٍ عسكري أكثر في سوريا والعراق بحجة ملاحقة من تُسميهم “المنظمات الإرهابية”، وهو أخطر ما يواجه نجاح العملية السلمية، ما يزيد التوتر الإقليمي.

**تصعيد النزعات الانفصالية: قد تشجع الجماعات الكردية في الدول المجاورة على تبنّي خيارات أكثر تشددا، كنتيجة لفقدان الثقة بالحكم التركي لعجزه عن اغتنام الفرصة التاريخية الشجاعة للسلام، التي تقدم بها القائد “عبد الله أوجلان”.

**تعقيد حل الأزمات الإقليمية: خاصة في سوريا، حيث تعتبر القضية الكردية أحد أبرز الملفات الشائكة والمعرقل الأساسي أمام عملية الانتقال إلى سلطة منتخبة من قبل الشعب، وعبور الفترة الانتقالية.

 

على المستوى الدولي:

**  سينجم عن فشل المبادرة السلمية، والمفاوضات الجارية بين اللجنة البرلمانية التركية من جانب والقائد عبد الله أوجلان من الجانب الآخر عزلة تركيا وتعرضها لانتقادات دولية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في حالة عودة الأعمال القتالية.

**استمرار عدم الاستقرار سيتحول إلى عامل جذب للمجموعات المسلحة والتطرف في دول الجور الإقليمي، ودول الشرق الأوسط.

ليس آخرا أقول: بأن عملية السلام في تركيا ليست مجرد ملف محلي، بل هي مفتاح للاستقرار الإقليمي، والدولي، وإن نجاحها قد يُغيّر خريطة التحالفات والأزمات في الشرق الأوسط، بينما فشلها قد يفتح أبوابا جديدة من التوتر والعنف، لا سيما في ظل وجود ملايين الكرد الموزعين على أربع دول (تركيا، سوريا، العراق، إيران) وتأثرهم المتبادل بأي تطور في عملية السلام والديمقراطية التي يتطلعون لنجاحها بفارغ الصبر لأنها تمثل مطلبهم التاريخي بالتحرر، والعدالة الإنسانية والمساواة. لكن؛ يجب هنا التوضيح بأن عملية السلام ليست حدثا منعزلا، بل هي عملية معقدة تتطلب إرادة سياسية حقيقية، وحوارا شاملا، ودعما مجتمعيا، وضمانات دولية أحيانا.

كما أن التداخل بين الملف الكردي والأزمات الإقليمية (خاصة في سوريا) يجعل المسار أكثر حساسية. إذ إن الإدارة اللامركزية التي يُطالب بها الكرد ممثلين “بقسد”، والإدارة الذاتية تبقى الضامن الوحيد لوحدة سوريا ومستقبل وجودها.


21/12/2025