×


  قضايا كردستانية

  لماذا يتعامل مع النضالين الكوردي والفلسطيني بمعايير غير متساوية؟



*د. لقمان رادبي

موقع"جيوبوليتكال مونيتور" الكندي/الترجمة والتحرير: محمد شيخ عثمان

 

غالبا ما تقدمت حركات تقرير المصير في المستعمرات السابقة جنبا إلى جنب نحو الاستقلال، مدعومة أيديولوجيا من الدول الاشتراكية في الكتلة الشرقية ومن دول آسيوية وإسلامية عدة، ما أسهم في زخم الحركات المناهضة للاستعمار. غير أن هذا التحالف اليساري–الإسلامي تبنى مواقف متباينة على نحو صارخ إزاء القضيتين الكردية والفلسطينية، الأمر الذي أفضى إلى اتساع الفجوة بينهما على الساحة الدولية. فبينما حظيت القضية الفلسطينية بدعم واسع، جرى تهميش القضية الكردية إلى حد كبير، وتجاهلها المجتمع الدولي في معظم الأحيان. وقد اعتبرت الدولة الفلسطينية مطلبا مشروعا، في حين ظل الكورد—رغم أكثر من قرن من القمع والاضطهاد—محاصرين داخل حدود إيران والعراق وتركيا وسوريا، وتختزل معاناتهم بوصفها «شأنا داخليا» يثير «مخاوف أمنية».

في المقابل، تقدم فلسطين باعتبارها «حالة خاصة»، مع أنها—ككردستان—قضية شرق أوسطية، لكنها نالت اعترافا بوصفها قضية قائمة بذاتها ومؤطرة ضمن صراع جيوسياسي أوسع. وقد حول هذا التحول فلسطين من مسألة قانونية وإنسانية تتمحور حول حق تقرير المصير إلى منطقة رمادية جيوسياسية، تتلاعب بها القوى الإقليمية لخدمة مصالحها الاستراتيجية.

منذ التقسيم النهائي لكردستان بين إيران والعراق وسوريا وتركيا، إضافة إلى الدولة السوفيتية التي آلت لاحقا إلى روسيا، في عشرينيات القرن الماضي، عانت الحركات الكردية من عزلة تاريخية، ولم تحظَ يوما بمستوى الدعم الدولي الذي نالته القضية الفلسطينية. ومنذ تأسيس الأمم المتحدة، دأب التحالف اليساري–الإسلامي على تجاهل حق الكورد في تقرير المصير، ولم يستخدمه إلا كورقة مساومة خلال الحرب الباردة أو أداة للحفاظ على توازن الصراعات الحدودية.

وقد أصدرت هيئات الأمم المتحدة عددا هائلا من القرارات المتعلقة بتقرير المصير الفلسطيني، في حين لم يطرح أي مقترح واحد بشأن تقرير المصير الكردي—لا على مستوى اللجان الفرعية، فضلا عن الجمعية العامة أو مجلس الأمن. ولم يرد ذكر الكورد إلا في قرار مجلس الأمن رقم 688 لعام 1991، الذي أشار إلى «السكان الكورد» و«المناطق ذات الغالبية الكردية» في سياق القمع الوحشي الذي مارسه النظام العراقي آنذاك. وفي المقابل، لم تدن جامعة الدول العربية ولا منظمة التعاون الإسلامي (التي كانت تعرف سابقا بمنظمة المؤتمر الإسلامي) استخدام العراق للأسلحة الكيميائية ضد الكورد في حلبجة عام 1988، وهو الهجوم الذي أودى بحياة خمسة آلاف مدني خلال ساعات قليلة. كما لم يعقد مجلس الأمن جلسة طارئة واحدة بشأن معاناة الكورد، وبقي مجلس حقوق الإنسان صامتا إزاء حقهم في تقرير المصير وما يتعرضون له من قمع على أيدي الدول المضيفة.

ولا تزال إعادة الهندسة الديموغرافية متواصلة بلا هوادة في غرب كردستان (روجافا في سوريا)، ولا سيما عقب احتلال تركيا للمنطقة عام 2018.

فقد انخرطت أنقرة بشكل منهجي في سياسات تطهير عرقي، تمثلت في توطين آلاف غير الكورد—بمن فيهم فلسطينيون عرب—في المناطق الكردية المحتلة. وفي مدن مثل عفرين وسري كانيه (رأس العين) وتل حلف وكري سبي (تل أبيض)، انتهجت تركيا سياسات التهجير القسري والاختطاف والهندسة السكانية.

وساهمت دول مثل الكويت وباكستان وقطر في هذه السياسات عبر تمويل مشاريع استيطانية تنتهك القانون الدولي وتخدم الأجندة التركية العدوانية. وفي الوقت نفسه، مرت الجرائم البيئية التي ارتكبتها تركيا في كردستان—بما في ذلك تدمير بساتين الزيتون العريقة والغابات—دون اكتراث دولي يذكر.

كما قوبلت التوغلات العسكرية التركية في المناطق الكردستانية، سواء في روجافا بسوريا أو باشور (إقليم كردستان العراق)، وعمليات الاغتيال الممنهجة بحق المدنيين الكورد، بلامبالاة عالمية وتغطية إعلامية محدودة.

ويغض المجتمع الدولي الطرف، ما يعزز الانطباع بأن معاناة الكورد لا تستحق المعالجة.

 وتعمل تيارات سياسية بفعالية على محو الهوية الكردية من أي حراك داخل الدول التي يعيش فيها الكورد.

ويبرز مثال احتجاجات «جين، جيان، آزادي» في إيران، حيث جرى تعمد حذف الاسم الكردي «جينا» (الاسم الحقيقي لمهسا أميني) من الخطاب الدولي، في تجسيد واضح لطمس النضال الكردي.

 ولم يكن ذلك مجرد حذف اسم، بل تحول متعمد في السردية، نقل الحركة من سياقها الكردستاني إلى «علامة عالمية» استحوذت عليها المعارضة الإيرانية.

ويواجه عدد غير متناسب من السجناء السياسيين الكورد أحكام الإعدام، فيما تسجل انتهاكات واسعة لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وحتى الطبيعة والنظم البيئية في شرق كردستان (روجلات) جرى «أمننتها»، ولم تسلم من سياسات الإبادة البيئية التي تنتهجها الدولة الإيرانية. ومع ذلك، لم تفضِ هذه الانتهاكات إلى أي قضية أمام الأمم المتحدة أو غيرها من المحافل الدولية.

ومنذ تأسيس الدولة التركية ذات النزعة القومية المتطرفة عام 1923، يتواصل الإنكار المنهجي لوجود الكورد ولغتهم في باكور (كردستان الشمالية)، إلى جانب القمع الوحشي للحركات الكردية عبر المجازر والإبادات الجماعية، وسط لامبالاة دولية.

 وحتى التدمير الواسع للمدن الكردية في شباط/فبراير 2015—حين سويت أحياء كاملة بالأرض ضمن حملة عنف رسمي—لم يستقطب اهتماما دوليا يذكر. ورغم عضوية تركيا في حلف الناتو، فإنها تتجاهل باستمرار أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وفي الوقت ذاته، حكم على مئات البرلمانيين ورؤساء البلديات الكورد المنتخبين ديمقراطيا بالسجن لمدد طويلة، بما يرسخ قبضة الدولة السلطوية على الكورد—وهي سياسة ما تزال مستمرة.

ولم تمتلك قضية كردستان يوما القوة التي تمكنها من منافسة القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، ويعود ذلك إلى إقصائها المنهجي من الخطاب الأكاديمي والنشاط السياسي وصنع السياسات. فكثير من الجامعات والباحثين والناشطين ومراكز الفكر المعنية بالشرق الأوسط تتجاهل كردستان تماما، أو تحصرها في إطار «مسألة» أو «مشكلة» داخلية، محكومة بحدود رسمت تعسفيا من الخارج.

 ويجري إما اختزال كردستان في لعبة هويات سياسية تتناقض مع تطلعات الكورد التاريخية، أو «فلسطنتها» عبر تشكيل نضالها وفق سرديات خارجية.

ويكفي استعراض بسيط لمراكز الأبحاث المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط لملاحظة الإقصاء المنهجي للكورد وكردستان. فكثير منها لا يعترف حتى باللغة أو الشعب الكردي، رغم ادعائه الخبرة في شؤون المنطقة. وهي تتحدث عن «الشرق الأوسط» بالعربية والفارسية والفرنسية والألمانية—لكن ليس بالكردية—وكأن المنطقة حكر على العرب والفرس والأتراك، وذلك رغم مزاعم تقديم «إطار جديد» لفهم الشرق الأوسط، على حساب تجاهل كردستان والكورد عمدا.

وحتى آذار/مارس 2025، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيين استشاريين بشأن فلسطين عامي 2004 و2025، فيما انخرطت المحكمة الجنائية الدولية في إجراءات قانونية تتعلق بالقضية الفلسطينية، ولا سيما بشأن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مزعومة.

ويفترض أن القانون الدولي وضع لحماية حق تقرير المصير «لجميع الشعوب»، لكنه طبق انتقائيا.

 فبينما يحظى تقرير المصير الفلسطيني بشرعية واسعة، تبقى القضية الكردية—رغم جذورها التاريخية العميقة والاعتراف الصريح بحقوق الكورد في معاهدة سيفر (10 آب/أغسطس 1920)، التي استبدلت لاحقا بمعاهدة لوزان (24 تموز/يوليو 1923) دون استشارة الأمة الكردية—مهملة. وقد أدى إخفاق النظام القانوني الدولي في معالجة المظالم الكردية إلى تعميق عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. والاستمرار في سياسة الإقصاء هذه لن يفضي إلا إلى مزيد من الصراعات.

ويبقى السؤال: هل ستتحلى دولة عضو في الأمم المتحدة بالشجاعة لمساءلة إيران والعراق وسوريا وتركيا عن جرائمها المنهجية بحق الكورد؟ وهل سنشهد دولة ثانية على غرار جنوب أفريقيا أو غامبيا، تتقدم بقضية الكورد إلى محكمة العدل الدولية؟ من المؤكد أن مثل هذه المبادرة لن تأتي من التحالف اليساري–الإسلامي، إذ إن الطرف الآخر الذي يسعى الكورد للاستقلال عنه وبناء دولتهم يحمل أهمية استراتيجية بالنسبة له.

وطالما ظلت الأيديولوجيا والسياسة تحكم مواقف الدول اليسارية–الإسلامية، فإن تعريب الكورد وتتريكهم وتفريسهم سيبقى خارج دائرة اهتمامها. ونتيجة لذلك، لن يعترف بكردستان بوصفها قضية مشروعة لتقرير المصير تستحق الدعم الدولي.

*د. لقمان رادبي خبير في شؤون كردستان والشرق الأوسط، وزميل في «منتدى الشرق الأوسط»، ويتمتع بخبرة تتجاوز عقدا في تحليل الأبعاد القانونية والسياسية الدولية لحق تقرير المصير للشعوب، بما في ذلك قضية كردستان. وهو مؤلف كتاب «نحو كردستان مستقلة: تقرير المصير في القانون الدولي» (رَوتليدج، 2023).


21/12/2025