×

  فاجعة الانفال

  أطفال الكرد نوارس تحلّق في سماء الشهادة



زهير كاظم عبود:

لم تتمكن سلطة النظام البائد تنفيذ اعمال الأعدام بالرصاص ومن ثم الدفن في مقابر جماعية بأطفال الكرد مثلما يتم تنفيذه بالرجال والنساء مهما أختلفت أعمارهم وأجناسهم.

لم يكن لهؤلاء الأطفال قدرة على الوقوف مثلما بقي اهاليهم، ولم تكن السلطة المجرمة تفكر سوى بوسائل القتل، وحتى الأطفال الرضع والصغار والقاصرين لم يكنوا خارج أطار عقلية المجرم ومخطط الجريمة.

شهد أحد سواق الشفلات ( وهو عربي ) انه سيق مع ماكنته الى الجهد الحربي كغيره ممن سيقوا عنوة، وكان مكان عمله ضمن قاطع كردستان، وشاهد مئات الكرد نساء وشيوخ ورجال وشباب وهم يتم انزالهم من السيارات العكسرية ليتم تقييد اياديهم الى الخلف، ومن ثم يتم صفهم امام حفرة قام بنفسه في شقها بالأرض، ثم يأتي الأمر بالرمي من مجموعة مكلفة بهذه المهمة.

وأشد ما علق بذاكرته أن احد النسوة المؤنفلات كانت قد ولدت اثناء نقلها في حوض السيارة العسكرية، وعمدت الى وضع الوليد ملفوفا ببعض الخرق بجوار السيارة التي توقفت بهم، ثم ذهبت الى قدرها صامتة، وهي لم تزل تعاني من الام المخاض والولادة، والوليد لم يزل ملطخا بدمه، وبعد ان تمت عملية قتل تلك المجموعة البشرية بالرصاص حيث كانت جريمتهم أن الله خلقهم وهم كرد.

وعند عودة أعداد الرماة من مهمتهم وسائق الشفل انتهى من اعادة التراب فوق جثثهم التي تم رميها بعد حفلة الرمي داخل الحفرة، وبعضهم لم يزل حيا يتلوى ويتحرك، سمع أحد الرماة صوت بكاء لطفل رضيع، جال بعينيه وشاهده سائق الشفل وهو يرفعه من الأرض، ثم يتقدم به الى آمر الوحدة العسكرية التي تمارس عمليات القتل بأسم ( الأنفال ) وهو برتبة نقيب، أمر هذا الآمر دفن الطفل الوليد وهو حيا، وفعلا تم وضعه في أطراف الحفرة ليقم سائق الشفل بدفنه وهو حي.

هذا الوليد لم يكن يعرف قوميته، ولم ينطق الكردية، وحتى لم يطالب بحقوقه المشروعة، ومع كل هذا تمت تصفيته ودفنه حيا أمام انظار الله الذي يمهل ولايهمل ابدا.

ونعتقد أن عمليات جينوسايد الكرد التي اطلق عليها الأنفال لم تعد خافية على أحد، كما لم يعد هدف ابادة شعب كردستان خلال فترة زمنية تبناها النظام البائد غير معروفة، وتظهر للعيان مئات الجثث والمقابر الجماعية التي يتم اكتشافها لتلك المجموعات.

وظهرت اخيرا في منطقة (جمجمال) رفات مائة طفل قضوا ضمن حملات الأنفال، لأسباب عديدة، لعل من بينها انهم كانوا مع اهاليهم المبعدين ضمن قلاع نائية ومناطق غير مأهولة، حيث تم ابعادهم واحتجازهم فيها، ليقضوا مرضا وجوعا وعطشا.

نعوش صغيرة تلفها اعلام كردستانية بحجمها منثور عليها زهور كردستان، باحتفال مهيب تم تشييع تلك الأرواح الطاهرة البريئة، بعد ان تم اكتشاف جثثها، لعل من الأنصاف أن نقف لها اجلالا.

ولكن من يتمعن في تعدد الوسائل التي حاربت بها السلطة البائدة الطفولة في كردستان، لأعتقادها أن تلك المجاميع البريئة لاتعدو ان تكون ( بيشمركة ) للدفاع عن حقوق شعب اريد ابادته، فباد الله من يريد به السوء.

وتنتشر جثث الشهداء الصغار مع أهاليهم في كل مناطق العراق وليس ضمن المناطق المحاددة لكردستان فقط، ففي منطقة السماوة، فقد جرى الكشف عن مقبرة جماعية جديدة بالقرب من السماوة على بعد 230 ميلا الى الجنوب الشرقي من بغداد تضم نحو 1500 جثة. وأوضح محققون ان واحدة من الجماجم التي عثر عليها تعود لسيدة مسنة، كما تم العثور على طفلة مع لعبتها، فيما تعرف خبراء الأدلة الجنائية على هيكل عظمي لفتاة لا تزال ممسكة بحقيبة يد. وتقف المقابر الجماعية التي تضم هياكل عظمية للكرد من مختلف الاعمار، الذين دفنوا في المواقع التي اعدموا فيها في تلك الفترة، شاهدا على وحشية نظام صدام. وكان خبراء الأدلة الجنائية قد فحصوا المقبرة الجماعية الجديدة التي اكتشفت بمنطقة السماوة على نهر الفرات. ومن المعتقد ان رفات الاشخاص الذين عثر عليهم في هذه المقبرة الجماعية التي تضم 18 حفرة طولية، تعود الى الكرد الذين قتلوا خلال عامي 1987 و1988 خلال حملة الأنفال.

وكان عدد من تم حصرهم ضمن جرائم الجينوسايد لابادة شعب كردستان العراق ب 182 ألف انسان، الا ان هذا العدد في تزايد مستمر بعد اكتشاف المقابر الجماعية للكرد بين فترة واخرى، ويوما بعد يوم يثبت الواقع أن النظام البائد كان يستهدف كل شيء في كردستان، فقد عمد الى أبادة البشر والشجر وعيون الماء، والأشد خسة محاربته للطفولة التي ستبقى تحلق فوق السماء نوارس خضراء تذكرنا بحجم تضحيات شعب كردستان، وسعة الوجع الذي يلم بأهالي الضحايا، ان الشفقة والتعاطف وحدهما ليسا كافيين لتخفيف الوجع، اذ لا بد من عمل شيء ملموس لعوائل الضحايا، وهو مالم نلمسه حتى اليوم.


01/08/2022