×

  المرصد الخليجي

  الصين تخطط لقمّة خليجية إيرانية



 

 

بعد إعلان الاتفاق المفاجئ بين إيران والسعودية، برعاية صينية، يوم الجمعة الماضي، تعكف بكين على استكمال جهود الوساطة وصولاً إلى اتفاق نهائي بين الطرفين، ضمن مساعي الأخيرة لتعزيز دورها الآخذ بالتنامي في الشرق الأوسط، وتحويله من التغلغل الاقتصادي التجاري إلى نفوذ سياسي في قضايا المنطقة، التي ظل نفوذ الولايات المتحدة المتحكم الأبرز والوحيد في تشكيل اتفاقاتها وصراعاتها في آن واحد.

وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير مفصّل حول حيثيات الإعلان الإيراني السعودي في بكين، عن قمة موسّعة بين إيران ومجلس التعاون الخليجي تخطط الصين لعقدها في وقت لاحق من هذا العام، بناء على سير مجريات الاتفاق الأولي بين طهران والرياض.

وذكرت الصحيفة أن الصفقة السعودية الإيرانية، التي أبرمت خلف أبواب مغلقة، تتناول بعضاً من أكثر القضايا حساسية بين الدولتين. ونقلت عن مسؤولين من البلدين، أن السعودية وافقت على تخفيف حدة الانتقاد الإعلامي لإيران، عبر قناة ناطقة بالفارسية يمولها رجال أعمال سعوديون، كانت طهران قد اتهمتها بالتحريض تجاه الحركة الاحتجاجية التي استمرت لشهور في إيران.

في المقابل، وافقت إيران على وقف دعم الهجمات من قبل جماعة الحوثيين (أنصار الله) في اليمن على المملكة العربية السعودية، وفقاً لمسؤولين سعوديين وإيرانيين وأميركيين تحدثوا للصحيفة، دون أن تكشف عن هويتهم.

وقالت الصحيفة إن جميع الأطراف اتفقوا، في مؤشر على تنامي نفوذ الصين، على عدم استخدام اللغة الإنجليزية في المفاوضات والخطب والوثائق التي أجريت، واستخدام اللغات العربية والفارسية والمندرينية، وهي اللغة الرسمية للصين، بحسب ما نقلت عن مصادر مطلعة لم تذكر هويتها.

ومثّل إيران في الاتفاق وزير الدفاع السابق الذي ترأس مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، في إشارة إلى دعم المرشد الأعلى علي خامنئي، بالمقابل مثل السعودية مستشار الأمن القومي مساعد العيبان.

وقالت الصحيفة إن الاتفاق يمنح السعودية وإيران شهرين للتوصل إلى تفاهمات قبل إعادة فتح السفارتين. ومن المفترض أن يجتمع وزيرا الخارجية السعودي والإيراني بعد ذلك لإبرام الاتفاق. على أن تعقد قمة دول مجلس التعاون الخليجي مع إيران في الصين بعد ذلك بوقت.

وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية جون ألترمان للصحيفة، إن الصفقة تسمح للقادة الصينيين "بتطوير تصوراتهم لدورهم العالمي، وهم يقوضون زعم الولايات المتحدة بأن النظام القائم على قواعد بقيادة الولايات المتحدة هو الخيار الوحيد الذي يمكن للحكومات اتخاذه، والطريقة الوحيدة لتعزيز الأمن".

وحسب الصحيفة، من غير المرجح أن تؤدي إعادة فتح السفارات وتجديد العلاقات الدبلوماسية إلى التقليل على الفور من التوترات الأمنية الطويلة التي غلبت العلاقة بين الرياض وطهران لعقود وأججت تنافسهما على الهيمنة الإقليمية.

كما تنقل الصحيفة عن محللين غربيين وإيرانيين أن الصفقة لن تكون مستدامة دون مباركة الحرس الثوري الإسلامي، الذي لم يدل بموقف علني حول الاتفاق.

إلا أن إيران كانت متحمّسة هذه المرة للاتفاق، بخلاف محاولات سابقة بذلت بهذا الاتجاه، بسبب أزمة العملة التي تعصف بالبلاد، والاقتصاد الذي يعاني من العقوبات الأميركية، والاحتجاجات التي شهدتها البلاد، وفقاً لمسؤولين غربيين وسعوديين تحدثوا للصحيفة.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملة الإيرانية ارتفعت بأكثر من 10% بعد اتفاق يوم الجمعة، في حين يقول المسؤولون الإيرانيون إنهم يتوقعون فوائد اقتصادية من التقارب مع السعودية.

وجاء الاتفاق المدفوع برغبة إيرانية، في ظل تراجع فرص تجديد الاتفاق النووي مع القوى العظمى على خلفية الاتهامات لإيران بدعم روسيا عسكرياً في حربها على أوكرانيا، والحملة التي شنّتها طهران على المحتجين العام الماضي.

ونقلت الصحيفة عن المستشار الإيراني للشركات الأجنبية العاملة في البلاد مصطفى بازاد، قوله إنّ الصفقة مع السعودية هي "خطوة تكتيكية من جانب إيران، في ظل عزلة دولية هائلة وانهيار اقتصادي داخلي قريب".

ووفقاً للصحيفة، فإن فكرة الاتفاق طرحت في قمة الرئيس الصيني شي جيبينغ في الرياض في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ولاقت في حينه ترحيباً من قبل قادة دول مجلس التعاون الخليجي. وبعد أيام قليلة من القمة، قال مطلعون على المحادثات للصحيفة، إن المسؤولين الصينيين أطلعوا إيران على خططهم، حيث كانت طهران مستاءة من توقيع بكين على بيان مشترك في الرياض دعا إلى تخلي إيران عن حيازتها لجزر الخليج المتنازع عليها.

وقالت مصادر للصحيفة إن إيران أبدت استعداداً للمضي في المحادثات التي تتوسط فيها الصين مع الرياض إذا خفّفت بكين اللغة التي استخدمتها في البيان.

وكان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قد صرح في أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي في دافوس بسويسرا، بأن الرياض "تواصلت مع إيران ونحن نحاول إيجاد طريق للحوار"، ولم يذكر دور الصين في المحادثات.

وفي وقت لاحق، أكد مسؤولون خليجيون أن إيران وافقت على عدم وضع أي شروط مسبقة للدخول في محادثات مع السعودية لإعادة العلاقات، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال.

الى ذلك  ووفق تقرير لوكالة فرانس بريس ، يرى محللون أن الخطوة المفاجئة التي اتخذتها السعودية لإعادة العلاقات مع إيران تزيد من تعقيد المساعي الدبلوماسية لاسرائيل التي تتوق لإبرام اتفاق مع المملكة.

بعد سبع سنوات من قطع العلاقات بينهما، أعلنت الرياض وطهران الجمعة أنهما ستعيدان فتح السفارات والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين وتنفيذ اتفاقيات التعاون الأمني والاقتصادي الموقعة قبل أكثر من 20 عامًا.

لكن الاتفاق الذي جرى بوساطة صينية قوبل بانتقادات حادة وُجهت في إسرائيل لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي قال سابقًا إنه يعمل على إشراك السعودية ضمن تحالف إقليمي ضد إيران.

وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد إن "الاتفاق السعودي الإيراني هو فشل تام وخطر لسياسة الحكومة الإسرائيلية الخارجية... إنه انهيار للجدار الدفاعي الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران".

ولكن مراقبين إقليميين يرون أن التداعيات الفعلية للاتفاق أبعد من أن تكون واضحة سواء بالنسبة للتعاون السعودي الإيراني أو لعلاقة إسرائيل بالرياض.

ورأى المحلل السعودي عزيز الغشيان أن القول بأن السعودية مهتمة حصريًا بإسرائيل كجزء من جبهة محتملة ضد إيران "سطحي". وأضاف أن "الفكرة القائلة بأن عدو عدوي هو صديقي ... نادرا ما تصرفت السعودية على هذا الأساس، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمسائل الاستراتيجية".

وقال إن بعد إعلان الجمعة "ترون بوضوح أن السعودية أعطت الأولوية للتقارب مع إيران على التقارب العلني مع إسرائيل ... هذا لا يعني أن مواصلة العلاقات الهادئة جدًا مع إسرائيل ستتوقف ... الآن العلاقة مع إيران هي أحد المتغيرات وهو جزء من الحسابات".

 

- فجوة آخذة في الاتساع؟ -

تقول السعودية منذ فترة طويلة إن اعترافها بإسرائيل يتوقف على تطبيق حل الدولتين مع الفلسطينيين. وهي لم تنضم إلى اتفاقيات أبراهام عام 2020 التي توسطت فيها الولايات المتحدة وأقامت بموجبها إسرائيل علاقات مع جارتي المملكة، الإمارات العربية المتحدة والبحرين.

ومع ذلك، كانت هناك علامات غير ظاهرة على وجود تعاون محتمل.

تمكن العديد من الصحافيين الإسرائيليين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية من زيارة السعودية قبل وأثناء جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط العام الماضي.

وأعلنت هيئة الطيران المدني السعودية خلال تلك الرحلة أنها رفعت قيود التحليق عن "جميع الناقلات"، ممهدة الطريق أمام الطائرات الإسرائيلية لاستخدام الأجواء السعودية.

وفي تشرين الأول/أكتوبر، شارك عربي إسرائيلي هو رئيس بنك إسرائيلي في منتدى المستثمرين السعوديين، وأشاد بالفرص "الرائعة" المتوفرة في المملكة.

وفي بحر الأسبوع الجاري، ذكرت صحيفتا وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز أن الرياض تمارس ضغوطًا في اللقاءات الخاصة من أجل الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وعلى المساعدة لإطلاق برنامج نووي مدني مقابل إبرام اتفاق مع إسرائيل.

ولكن عمر كريم الخبير في السياسة السعودية بجامعة برمنغهام، رأى إن تصاعد العنف الإسرائيلي الفلسطيني هذا العام جعل التقدم باتجاه إقامة علاقات في العلن غير مرجح على المدى القصير.

وقال "ليس لدى السعوديين حافز الآن للتطبيع السريع مع إسرائيل".

ورأى براين كاتوليس من معهد الشرق الأوسط بواشنطن أن الاتفاق السعودي الإيراني الجديد "قد يؤدي إلى إحداث فجوة أوسع بين إسرائيل والسعودية إذا أسفر ذلك عن انفتاح دبلوماسي أوسع بين المملكة وإيران... إسرائيل تقابل بالتشكيك أي تعامل دبلوماسي مع النظام في طهران".

*وكالة فرانس بريس-العربي الجديد


14/03/2023