×

  رؤا

ردع الحاملات..الحضور العسكري المكثف في الشرق الأوسط

25/08/2024

الباحث أحمد عدلي:

*انترريجيونال للدراسات الاستراتيجية

حرصت الولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة على تعزيز حضورها العسكري في منطقة الشرق الأوسط بشكل لافت ومكثف، وهو منهج دائماً ما تتبعه واشنطن حينما توجد أزمة كبرى في الإقليم، على غرار الأزمة القائمة حالياً نتيجة الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وما أعقبها من توترات إقليمية واسعة خاصةً بين إسرائيل وإيران ووكلائها في المنطقة. وتستهدف الولايات المتحدة من وراء ذلك بطبيعة الحال حماية مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط والحيلولة دون تأثير أي تطورات سلبية عليها.

 

حشد متواصل

تتمثل أبرز المؤشرات المعبرة عن تعزيز الولايات المتحدة لحضورها العسكري في الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة، فيما يلي:

 

1- إرسال حاملات طائرات هجومية إلى الشرق الأوسط:

 أمر وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستن" مجموعة حاملة الطائرات الهجومية "يو. إس. إس. أبراهام لينكولن" بالوصول سريعاً إلى الشرق الأوسط في 2 أغسطس 2024. وتتكون مجموعة حاملة الطائرات "لينكولن" من حاملة الطائرات، المزودة بطائرات شبح مقاتلة من طراز F-35C، بالإضافة إلى العديد من المدمرات. وقالت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم"، يوم 2 أغسطس 2024، إن حاملة الطائرات "يو. إس. إس. ثيودور روزفلت" وصلت إلى منطقة عمليات الأسطول الخامس الأمريكي، والتي تشمل منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر وخليج عمان وأجزاء من المحيط الهندي في 12 يوليو 2024.

 

2- وصول مقاتلات متقدمة وغواصات صواريخ للمنطقة:

 أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، في بيان لها يوم 8 أغسطس 2024، عن وصول مقاتلات إف-22 رابتور الأكثر تقدماً والتابعة للقوات الجوية الأمريكية إلى منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية. كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، يوم 11 أغسطس 2024، عن أن وزير الدفاع "لويد أوستن" أمر بإرسال غواصة الصواريخ الموجهة "يو. إس. إس. جورجيا"، التي تعمل بالطاقة النووية والمسلحة بصواريخ كروز، إلى الشرق الأوسط.

 

3- تجهيز سفينة ضخمة لعمليات الطوارئ المحتملة بالمنطقة:

 أكدت سفيرة الولايات المتحدة لدى قبرص "جولي فيشر"، أن السفينة الأمريكية الهجومية "واسب" وصلت إلى ميناء ليماسول جنوب قبرص في 8 أغسطس 2024، مشيرةً إلى أنه لدى السفينة إمكانية المشاركة في دعم وإجلاء المدنيين خلال الأزمات. ووصلت سفينة "واسب" البرمائية الجاهزة، والتي تضم الآلاف من قوات مشاة البحرية القادرين على القيام بالعمليات الخاصة، إلى البحر المتوسط، في أواخر يوليو 2024 قبل إجراء عمليات مشتركة مع المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات "أيزنهاور" والبحرية الملكية البريطانية في شرق المتوسط بتاريخ 2 يوليو 2024. ولفت "البنتاجون" إلى أن وجود سفينة "واسب" في المنطقة سيكون بمثابة رادع، وسيمكن الجيش الأمريكي من الاستجابة للعديد من حالات الطوارئ.

 

أهداف متشابكة

 

تستهدف واشنطن من وراء تعزيزاتها العسكرية في المنطقة تحقيق جملة من الأهداف، التي تتضح عبر ما يلي:

 

1- إرسال رسالة ردع لطهران ووكلائها في المنطقة:

 تأتي التعزيزات العسكرية الأمريكية مع ارتفاع حدة التوتر في المنطقة في أعقاب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "إسماعيل هنية" في طهران يوم 31 يوليو 2024، بعد يوم من غارة إسرائيلية في بيروت أودت بحياة القائد العسكري البارز في حزب الله اللبناني "فؤاد شكر". وتمثل التعزيزات العسكرية الأمريكية في المنطقة رسالة ردع لإيران ووكلائها، الذين يستعدون لهجوم واسع النطاق ضد إسرائيل، وترغب واشنطن في منع حدوث هذا الهجوم أو على الأقل تخفيض حدته.

وقد قالت القيادة المركزية الأمريكية في سياق تبريرها لإرسال مقاتلات إف-22 رابتور للمنطقة إنها تأتي "كجزء من تغييرات وضع القوات الأمريكية في المنطقة للتخفيف من احتمالية التصعيد الإقليمي من قبل إيران أو وكلائها". كما أكد نائب مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي "جوناثان فاينر" أن "الهدف العام هو خفض حدة التوتر في المنطقة إلى جانب الردع وصد تلك الهجمات، وتجنب صراع إقليمي". ومن المتوقع أن تساهم هذه التعزيزات في دفع صانع القرار الإيراني لإعادة التفكير في تبعات الهجوم على إسرائيل، ويتسق مع ذلك ما نقلته وكالة "رويترز" عن مصادر إيرانية، يوم 13 أغسطس 2024، بأن التوصل المحتمل لوقف دائم لإطلاق النار في غزة قد يؤخر الرد الإيراني على اغتيال "هنية".

 

2- التأهب لتبعات انتقام إيران المحتمل من إسرائيل:

 برغم إعراب وزارة الدفاع الأمريكية عن اعتقادها بأن حرباً إقليمية واسعة النطاق في الشرق الأوسط ليست وشيكة، إلا أنه يبدو أن الإدارة الأمريكية تُدرك أن التهديدات الإيرانية جادة للغاية، خاصةً بعدما هددت طهران على أعلى المستويات بأن يكون الرد قوياً، على غرار ما صرح به المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" بأن "الرد على مقتل هنية في طهران واجب على إيران". فضلاً عن تأكيد مسؤولين بالحرس الثوري على أن "إسرائيل ستتلقى الرد على حماقتها في الوقت المناسب"، وكذلك إجراء الحرس الثوري تدريبات عسكرية في غرب البلاد خلال الفترة من 9- 13 أغسطس 2024.

وبالتالي، جاءت تعزيزات واشنطن العسكرية في المنطقة في إطار استعداداتها المبكرة لتبعات انتقام إيران المحتمل من إسرائيل واحتمال احتياجها لإجلاء رعاياها وحماية مصالحها بالمنطقة. ويُشار في هذا الصدد إلى أن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" ناقشا خلال اتصال هاتفي في 1 أغسطس 2024 عمليات نشر عسكري دفاعي أمريكي جديدة لدعم إسرائيل ضد تهديدات مثل الصواريخ والطائرات المسيرة. كما أجرى وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستن" ونظيره الإسرائيلي "يوآف جالانت" محادثات هاتفية بشأن الأمر ذاته.

 

3- حشد تحالف غربي للدفاع عن إسرائيل ضد إيران:

تستهدف واشنطن من وراء تلك التحركات محاولة حشد تحالف غربي للدفاع عن إسرائيل، على غرار ما حدث حينما هاجمت طهران تل أبيب في 13 أبريل 2024. ويُشار في هذا الصدد إلى أن قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال "مايكل كوريلا" قام بزيارة إلى المنطقة يوم 3 أغسطس 2024، وقام بزيارة أخرى إلى إسرائيل يوم 8 أغسطس 2024، وتوقعت تقارير بأن يكون هدف هذه الزيارات هو حشد نفس التحالف الذي دافع عن إسرائيل في هجوم 13 أبريل. ويبدو أن هذه المساعي نجحت إلى حد ما، حيث أصدر كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بياناً مشتركاً في 12 أغسطس 2024، أبدت خلاله دعمها لإسرائيل ضد أي هجوم من جانب إيران ووكلائها.

 

4- تقديم مساندة إضافية للقوات الأمريكية في المنطقة:

 تسعى الولايات المتحدة كذلك عبر الحشد العسكري الجاري في الشرق الأوسط لتقديم دعم إضافي لقواتها المنتشرة في المنطقة خاصةً في العراق وسوريا، وذلك بعدما تعرضت هذه القوات لهجمات من قبل وكلاء إيران، على غرار الهجوم الذي استهدف قاعدة "عين الأسد" العسكرية في العراق في 5 أغسطس 2024، وأُصيب خلاله ما لا يقل عن خمسة جنود أمريكيين. كما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 10 أغسطس 2024، استنفار القوات الأمريكية بشكل كبير في عموم القواعد العسكرية بسوريا بعد تعرض قاعدتين عسكريتين للقوات الأمريكية في حقل الرميلان وخراب الجير بريف الحسكة لهجوم بالمسيرات.

ويتسق ذلك مع إعلان الحرس الوطني في ولاية أوريغون، في 10 أغسطس 2024، عن أن 230 جندياً من أفراد الحرس الوطني يستعدون للانتشار في سوريا والعراق للخدمة على سلاح المدفعية لصالح الولايات المتحدة وشركائها هناك. ويُشار في هذا الصدد إلى أن وزير الدفاع الأمريكي أكد في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية "أنتوني بلينكن"، يوم 6 أغسطس 2024، على أن الولايات المتحدة "لن تتسامح" مع الهجمات ضد قواتها في الشرق الأوسط، وذلك على خلفية هجوم "عين الأسد"، مضيفاً أن بلاده تتابع عن كثب آخر التطورات في الشرق الأوسط، ومؤكداً حرصها على "ضمان أمن كل من إسرائيل والجنود الأمريكيين"، وأشار إلى أن "مليشيا شيعية مدعومة من إيران كانت وراء الهجوم على القاعدة"، وشدد على أنهم أعادوا تنظيم وجودهم العسكري في الشرق الأوسط وفقاً لأحدث الأوضاع.

 

ثقل متصاعد

وختاماً، يتغير الحضور العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط بحسب المناسبات والظروف، ويعزز الحشد الأمريكي الجاري الثقل العسكري للولايات المتحدة في المنطقة، والذي عادةً ما يزيد في أوقات التوتر والحروب، ثم ينخفض مع انخفاض التوتر. ويستهدف الحشد الجاري، بجانب رسائل الردع لإيران ووكلائها، ضمان التأهب لأي ظرف محتمل قد يُمثل إحراجاً لمكانة وهيبة واشنطن في المنطقة وكذلك إضراراً لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. وتشير التعزيزات العسكرية الأمريكية في المنطقة إلى أن حضور واشنطن العسكري في الشرق الأوسط لا يزال يحظى بأولوية لدى صانع القرار الأمريكي.

 

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  الشرق الأوسط في الاستراتيجية الأمريكية: مصالح حيوية وتحديات معقدة
←  عن اعتماد الدفاع الأمريكي في الشرق الأوسط على حاملات الطائرات
←  ردع الحاملات..الحضور العسكري المكثف في الشرق الأوسط
←  فورين أفيرز: إسرائيل تسير نحو الهلاك
←  الشرق الأوسط ما بين تصفية للحسابات وترسيخ للقوة
←  الخطوة الإيرانية التالية مفتاح ديناميكيات التصعيد في الشرق الأوسط
←  مؤشرات خطرة دوليا وشرق أوسطيا
←  مجموعة السبع والموقف حول الوضع في الشرق الأوسط
←  ستيفن والت:الولايات المتحدة والنار في الشرق الأوسط
←  الشرق الأوسط على عتبة تصعيد جديد
←  ديفيد اغناتيوس:​الشرق الأوسط على شفا حرب أوسع لا يريدها أحد
←  السابع من ​أكتوبر غيّر كل شيء، لكن ماذا لو لم يتغير؟
←  تنامي المخاوف من توسع صراع الشرق الأوسط في العراق
←  الحــــرب الإقليمــــية المشتعـــــلة
←  هل الولايات المتحدة مقبلة على حرب أخرى في الشرق الأوسط؟
←  خطر خروج لعبة"حافة الهاوية" عن السيطرة في منطقة الشرق الأوسط..
←  الشرق الأوسط على شفير الهاوية وحافة صراع إقليمي واسع