العراق والخوف من تأزيم الانتماء
كاتب واكاديمي من كردستان العراق
11-07-2025
عندما نذكر العراق، يكون الانتماء الوطني هو بيت القصيد في سطورنا هذه. فالعراق يُعد رمزا سياسيا وقانونيا لأي انتماء لدى المواطن، يفوق كل مستويات الانتماء الأخرى لدى أبناء البلد الواحد. فالوطن هو الحاضن، وهو الموطن الذي يُمَكِّن الأفراد من ممارسة كافة الانتماءات الثانوية التي تندرج تحته.
وحين يُقال: “من لا وطن له فهو كالمغترب أو كمن لا انتماء له”، فإن مردَّ هذه المقولة هو أولوية الانتماء الوطني على غيره من الانتماءات، بما في ذلك الانتماء الحضاري أو القاري، كما هو الحال لدى الأوروبيين. فمهما تباهى الأوروبيون بأوروبيتهم، تبقى هويتهم الوطنية في المقدمة؛ فالفرنسي، في نهاية المطاف، يفتخر بفرنسيته قبل كل شيء، وكذلك السويسري بسويسرا، والإنجليزي بعظمة الإمبراطورية البريطانية، وما إلى ذلك.
إن الحديث عن العراق وتأزيم الانتماء من المواضيع الحساسة والجوهرية، التي ينبغي أن تحظى بالاهتمام اللازم؛ لأن أي سياسة أو ممارسة غير وطنية من قبل الدولة ومؤسساتها الرسمية، أو من قبل القوى السياسية والمجتمعية، تؤثر بلا شك على الانتماء الوطني لدى أبناء البلد الواحد.
وفيما يخص الدولة، لا حاجة للتذكير مجددا بالمعادلة التقليدية التي يجب مراعاتها باستمرار حتى يستقر الانتماء ويتعزز، وأقصد هنا : معادلة التوزيع العادل للثروة والسلطة، والحفاظ على العقد الاجتماعي بالمعنى «الروسوي» (نسبة إلى الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو) بين الدولة والمجتمع. ومن المعلوم أن أي خرق أو تقصير في الالتزام بالعمل المؤسسي والقانوني والإداري المنظم، والذي يفعل هذه المعادلة ويغذيها، يؤدي إلى تأزيم الانتماء الوطني.
كما أن هناك طرفا آخر لا يقل تأثيرا، يتمثل في القوى السياسية والمجتمعية وممارساتها في التعامل مع القضايا الوطنية؛ إذ لا خلاف على أن كل سياسة أو إجراء بدوافع فئوية أو جهوية معينة، سينتج عنه ردود أفعال مماثلة، وصراعات خانقة تستنزف طاقات البلد، وتخلق أجواء متوترة قد تجعل المواطن يشكك في قيمة الانتماء إلى الوطن، إن لم ينجرف أصلا نحو تقديس الانتماءات الثانوية على حساب الوطن!.
وعليه، ينبغي أن نُدرك دائما مخاطر تأزيم الانتماء الوطني، ونعرف مصادره، ونعطي اهتماما أكبر لعامل مؤثر في هذه المعادلة، لطالما أصررتُ على أنه عامل محوري، وهو سؤال لم يُطرح بجدية كافية بسبب الانقسامات الحزبية والطائفية والعرقية والعشائرية، بل وحتى الشخصية: من نُعيّن ونختار ليكون في موقع النفوذ داخل الدولة، أو في قيادة الأحزاب، أو الجمعيات، أو النقابات؟
ذلك أن غياب الشخص المناسب في المكان المناسب هو من أبرز العلل التي أسهمت في تراجعنا وفشلنا في بناء هوية وطنية جامعة وفاعلة.
*صحيفة "الزمان" اللندنية
|