أنظمة الإنذار المبكر ودورها في التصدي للإرهاب
د. إبراهيم الصافي
باحث بالمرصد المغربي حول التطرف والعنف - المغرب
مقدمة:
في ظل ما يشهده العالم اليوم، من تحولات متسارعة وتطورات معقدة، نتج عنها تصاعد في حدة الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة وتمدد الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة العابرة للحدود وانتشار الجوائح الوبائية، وما أسفرت عنه من تداعيات سلبية وأزمات قد تعرقل مسار التنمية وتهدد الاستقرار وحقوق المجتمعات في العيش بأمان وسلام، تطمح كل دول العالم، وإن بدرجات متفاوتة، إلى الحد من آثار المخاطر والوقاية منها.
وقد دفعت هذه التطورات المجتمع الدولي إلى ابتكار آليات عملية، تساعد الأطر البشرية على ضمان الأمن وحماية الأرواح والممتلكات بشكل استباقي ودرء الأخطار عنها. وعليه فقد ظهر ما سمي “نظام الإنذار المبكر Early Warning System “، بحيث يعد جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الوقاية، لا سيما التهديدات الأمنية ذات الصلة بالإرهاب والتطرف العنيف. فما المقصود بنظام الإنذار المبكر؟ وما المقصود بالإرهاب والمخاطر الإرهابية؟ وكيف يمكن بناء هذا النظام وتفعيله لمواجهة التهديدات المستقبلية؟ وما هي أهم الاقتراحات والتوصيات التي يمكن تقديمها للهيئات المختصة حتى تُفعِّل نظام الإنذار المبكر وفق منظور استراتيجي استباقي يحد من المخاطر على كافة المستويات؟
تروم هذه الورقة البحثية إلى مقاربة بعض الإجابات عن الأسئلة السالفة الذكر، كما تصف بعض الأدوات والأساليب الناشئة لجمع المعلومات الضرورية وتحليلها لبناء القدرة على مجابهة التهديدات الإرهابية، ومواجهة هيمنة التنظيمات الإرهابية على المشهد العالمي، وذلك من خلال مقاربة دور نظام الإنذار المبكر في التصدي لهذه التنظيمات وما تشكله من تهديدات.
أولًا: نظام الإنذار المبكر.. ماهيته وأهدافه وعناصره:
يحظى نظام الإنذار المبكر بأهمية كبيرة، بالنظر إلى الدور الكبير الذي يلعبه في الحد من التهديدات الإرهابية التي تشكلها جماعات التطرف والإرهاب، من خلال الفهم المشترك للأسباب الجذرية وما يقدمه من معلومات وبيانات لتحليل النقاط المحتمل أن تشكل بؤرًا ساخنة.
1-نظام الإنذار المبكر: ماهيته وأهدافه:
يمكن تعريف نظام الإنذار المبكر بأنه عبارة عن منظومة للاستكشاف والتحذير المسبق من احتمالية حدوث الكوارث والأزمات، تمهيدًا لاتخاذ القرارات والسياسات والإجراءات المناسبة لمواجهتها ومنع حدوثها بشكل كلي أو على الأقل الحد من حجم أضرارها ومخاطرها. كذلك يمكننا القول بأنه “نظام متكامل لرصد الأخطار وتوقع حدوثها وتقييمها والتأهب للتصدي لها، عبر النظم والعمليات التي تمكن الأفراد والمجتمعات والحكومات وغيرها من اتخاذ إجراءات للحد من آثار المخاطر بكل أشكالها في الوقت المناسب قبل حدوثها”[1]. كما تم تعريفه في سياق آخر بأنه عبارة عن عملية رصد وتسجيل وتحليل لإشارات توحي بعلامات أزمة مالية أو اقتصادية تلوح في الأفق أو تشير إلى اقتراب وقوع أزمة حقيقية شديدة، وهذا النظام مهمته الحقيقية تتمثل في التفرقة بين الإشارات التي تشير إلى قرب وقوع الأزمة، وبين الأحداث العَرَضية والضوضاء الناتجة عن مشكلات عادية تواجهها الدولة في عملياتها اليومية[2].
وتشير خطة الأمم المتحدة للسلام عام 1995 إلى أن منظومة الإنذار المبكر عبارة عن شبكة نظم شاملة، تتناول الإنذار المبكر فيما يتعلق بالأخطار البيئية، وخطر وقوع حادثة نووية، والكوارث الطبيعية، وتحركات السكان الضخمة، وخطر حدوث المجاعات وانتشار الأمراض. وتؤكد على الحاجة إلى تعزيز الترتيبات بطريقة تجمع بين المعلومات الآتية من المصادر والمؤشرات السياسية، للوقوف على احتمال وجود خطر يهدد السلم، وتحليل ما يمكن للأمم المتحدة أن تتخذه من تدابير للتخفيف من هذا الخطر. ونذكر على سبيل المثال وحدة نظام الإنذار المبكر للشؤون الإنسانية The Humanitarian Early Warning Systemsالتابع لقسم الشؤون الإنسانية في منظمة الأمم المتحدة، والتي تختص بجمع المعلومات وتحليلها مع تبادل نتائج التحليل حول مناطق الأزمات، وذلك بهدف تطوير خيارات استراتيجية استباقية، أو المواجهة المحتملة للأزمات أو الصراعات[3].
ويمكن تطبيق نظم الإنذار المبكر على التهديدات التي تشكلها التنظيمات الإرهابية، حيث تبقى الغاية من وراء بناء هذا النظام وتفعيله هي تدعيم قدرة الأفراد والمؤسسات والمجتمعات وتمتينها بشكل عام، على مواجهة التهديدات والمخاطر الإرهابية المحتملة، في الوقت الكافي وبالأسلوب المناسب، وذلك لتقليل إمكانية وقوع خسائر مادية ومعنوية جراء تلك التهديدات. ويلعب نظام الإنذار المبكر دورًا حيويًا في تعزيز نظم المعلومات التي يتم تجميعها عن أنشطة الجماعات الإرهابية، والرفع من حالة التأهب في الوقت المناسب والاستجابة الفعَّالة باستخدام نظام تشغيلي يدمج مكونات المعرفة بالمخاطر الإرهابية، والرصد والتنبؤ، ونشر المعلومات والاستجابة للتحذيرات التعبوية لجميع الجهات ذات الصلة. وبذلك يمنح نظام الإنذار المبكر الفرصة والوقت الكافيَيْن لأجهزة إنفاذ القانون لاتخاذ الإجراءات الملائمة للتعامل مع المخاطر والتهديدات قبل وقوعها، على نحو يخفف من الأضرار المحتملة إلى أقصى حد ممكن، كما يعزز الثقة بالأجهزة الأمنية المعنية بالتعامل مع الأخطار الإرهابية والأمنية لدورها في الحد من المفاجآت وإتاحتها فرصة الوقاية منها، بالإضافة إلى ذلك يساعد هذا النظام في تحديد الأجندة الزمنية اللازمة للتعامل مع هذا النوع من المخاطر[4].
2- عناصر نظام الإنذار المبكر والعوامل المساعدة له:
تشير أرضية لتطوير الإنذار المبكر في الأمم المتحدة[5] إلى أن أي نظام كامل وفعَّال للإنذار المبكر يجب أن يحتوي أربعة عناصر أساسية، أجمعت عليها مختلف الفعاليات الدولية سواء تعلق الأمر بمؤتمرات مخصصة لدراسة الموضوع أو هيئات بحثية. وترتبط هذه العناصر ببعضها البعض، بشكل جدلي، حيث تبدأ من المعرفة بالخطر ونقاط الضعف (جمع البيانات وتحليلها والعمل على تقدير المخاطر)، ثم خدمة المراقبة والإنذار (مراقبة المؤشرات الصحيحة لعمليات التنبؤ والمراقبة المستدامة لمؤشرات الخطر)، مرورًا بنشر المعلومات (نشر بيانات ومعلومات الإنذار المبكر إلى كافة المعرضين للخطر واستخدام قنوات اتصال متعددة)، وتنتهي بالاستعداد والقدرة على المجابهة والرد (بناء قدرات وطنية ومجتمعية للرد المناسب حيال المخاطر. وتتضمن أفضل أنظمة الإنذار المبكر روابط قوية وقنوات اتصال فعَّالة بين مختلف تلك العناصر)[6].
|