×

  رؤا

إعادة انتخاب أردوغان و السياسة الخارجية لتركيا

08/06/2023

المركز الكردي للدراسات

المركز الكردي للدراسات، مؤسسة بحثية مستقلة وغير ربحية، يعمل على تعزيز قيم المعرفة والسلم والتعايش والحوار بين السوريين وإشراك المرأة في عملية صناعة القرار وإرساء جهود المصالحة وبناء السلام ورفع الوعي القانوني في سوريا عن طريق تنمية القدرات البشرية وإعداد وترجمة دراسات وأبحاث باللغة العربية، وإقامة شراكات بحثية مع المؤسسات المختصة بمتابعة التطورات في المنطقة، إيمانا من القائمين على المركز بقيم المشاركة ونشر الوعي. كما يعنى المركز أيضاً بتشجيع التفكير والتحليل لاستقراء المستقبل ومعالجة التحديات التي تواجهها مجتمعاتنا.

 

بعد فوزه في جولة الإعادة، سيحكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لخمسة أعوام أخرى مع وجود عددٍ كبير من قضايا السياسة الخارجية التي يجب التعامل معها، والتي تتطلب الاستراتيجية التي أكسبته إعادة انتخابه ورغبته في بناء «إرث أردوغان» وهو الحفاظ على فكرة «تركيا القوية» في السياسة الخارجية ورعايتها.

يعتبر التطبيع مع سوريا أصعب ملف يستدعي قرارات جذرية، في وقتٍ كانت عودة اللاجئين السوريين سواء قسراً أو طوعاً من أهم القضايا في مسار الحملة، و أي تقدم لا يعتمد فقط على المصالحة مع دمشق ولكن أيضاً على توفير أماكن المعيشة للعائدين. لا يمكن لاتفاقٍ تركي-سوري وحده أن يحل المشاكل العالقة بين البلدين ويمهد لإعادة الإعمار، إذ يجب أيضاً التغلب على اعتراضات الولايات المتحدة وأوروبا.

اتفقت تركيا وسوريا على مواصلة الحوار نحو التطبيع في اجتماعٍ رباعي في موسكو تشارك فيه روسيا وإيران في وقتٍ سابق من هذا الشهر. ومع ذلك، تؤكد دمشق أن انسحاب القوات التركية من سوريا شرطٌ مسبق لأي لقاء بين قادة البلدين.

لا انسحاب فورياً من سوريا

من غير المرجح أن يذهب أردوغان إلى الانسحاب من دون القضاء على إدارة الحكم الذاتي في الشمال بقيادة الكرد، خاصةً أنه بنى ائتلافه الانتخابي حول التعهد بمكافحة الإرهاب ويظل يعتمد على شركائه لقيادة الأغلبية في البرلمان.

كما أنه من غير المرجح أن يرضخ لحل الجيش الوطني السوري، وهو مظلة لجماعات المعارضة المدعومة من تركيا، أو تغيير الوضع الراهن في إدلب، حيث تسيطر جماعة تحرير الشام الجهادية، حتى يحصل على ما يريد على طاولة المفاوضات.

بينما لا يزال الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية مصدر إزعاج للعلاقات مع واشنطن، يتعين على أنقرة الآن أن تأخذ في الحسبان عاملاً مهماً آخر: بدأ العالم العربي في إعادة بناء العلاقات مع دمشق ويسعى إلى إنهاء الوجود العسكري التركي وكبح نفوذ إيران في سوريا. حيث نددت جامعة الدول العربية ضمنياً بتركيا وإيران في بيانها الصادر في 19 مايو/أيار، رافضةً التدخلات الأجنبية ودعم الجماعات والميليشيات المسلحة في الدول العربية.

يمكن لإعادة الارتباط العربي مع دمشق أن يقوي موقف الأخيرة في محادثات التطبيع مع أنقرة. قالت مصادر كردية إن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة شجعتا دمشق، بموافقة أميركية ضمنية، على دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري كجزء من جهود ردع النفوذ الإيراني، الأمر الذي يتعارض مع مصالح أنقرة أيضاً.

يعتقد بعض المراقبين أن أردوغان سيسعى إلى تصوير نفسه على أنه زعيم وطني فوق الحزب على غرار الأب المؤسس لتركيا مصطفى كمال في ما يُتوقع أن يكون المرحلة الأخيرة من حياته السياسية. تتطلب مثل هذه التطلعات منه أن يتبنى سياسة التنوع، ولكن يمكنه أيضاً متابعة مشاريع تغذي فكرة «تركيا القوية» لبناء تلك الصورة.

استندت الاستراتيجيات التي اتبعها أردوغان لتوطيد تحالفه الانتخابي إلى جزئية «تركيا القوية» التي طورت صناعتها العسكرية بما في ذلك الطائرات المسلحة من دون طيار وصنعت أول سيارة كهربائية واكتشفت موارد الطاقة في مياه البحر الأسود وعززت قوتها في شرق البحر الأبيض المتوسط وأصبحت صانع ألعاب في القوقاز من خلال مساعدة أذربيجان على استعادة الأراضي من أرمينيا، فضلاً عن إنشاء منظمة الدول التركية والوقوف في وجه حلف الناتو والاتحاد الأوروبي للدفاع عن مصالحها ومنع توسع اليونان والتوسط بين روسيا والغرب في حرب أوكرانيا لإثبات استقلاليتها الاستراتيجية. من خلال الإطراء على الكبرياء الوطني وإثارة مخاوف الأمن القومي وإهانة خصومه، تمكن أردوغان من تجنب دفع ثمن الاضطرابات الاقتصادية في تركيا ورد حكومته الرديء على زلازل فبراير ومزاعم الفساد المتفشية. يفرض هذا الدليل أن القومية والنزعة المنتصرة التي تتغلغل في سياسته الخارجية يجب أن تستمر.

قوبل سعي أردوغان لإضفاء الطابع المؤسسي على تحوله الاستبدادي باعتراضٍ شعبي دفع الانتخابات الرئاسية إلى جولةٍ ثانية. ولكن من غير المرجح أن يدفعه إلى المسار الديمقراطي. وكذلك إن أي قرار يلتفت إلى أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وإطلاق سراح عشرات السجناء السياسيين سيكون مفاجأة كبيرة.

 

عضوية الاتحاد الأوروبي احتمال بعيد

يبدو إحياء محادثات عضوية تركيا مع الاتحاد الأوروبي احتمالاً بعيداً أيضاً لأنه سيتطلب معجزة إعادة أردوغان للضوابط والتوازنات وسيادة القانون والمعايير الديمقراطية. ومع ذلك، فإن الأزمة الاقتصادية في تركيا تتطلب شراكة مستمرة مع الاتحاد الأوروبي. توقف تدفق استثمارات المحفظة الأجنبية إلى تركيا تقريباً في ظل سياسات أردوغان الاقتصادية المثيرة للجدل، مع وصول الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي إلى مستوياتٍ متدهورة.

تملي براغماتية أردوغان أن تستفيد أنقرة من موقعها على أفضل وجه داخل حلف الناتو والشراكة مع الاتحاد الأوروبي. وبعد أن استفاد من لعبته المزدوجة بين روسيا والغرب، من غير المرجح أن يبتعد عن هذه السياسة. علاوة على ذلك، فهو لا يرغب في إثارة غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالنظر إلى المبادرات الاقتصادية للأخير  قبل الانتخابات، بما في ذلك تأجيل مدفوعات الغاز التركية، فضلاً عن منح بوتين نظيره التركي مزيداً من المصداقية السياسية في 17 مايو/أيار عندما وافق على تمديد صفقة الحبوب الأوكرانية التي توسط فيها الرئيس التركي. ستستمر المصالح الاقتصادية، ومن بينها محطة الطاقة النووية التي بنتها روسيا في تركيا وتجارة الغاز والحبوب، في دفع العلاقات الثنائية بالإضافة إلى استمرار الحوار بشأن سوريا وأوكرانيا.

ومن غير المرجح أن تزول التوترات مع اليونان العضو في حلف الناتو والقبارصة اليونانيين، بالنظر إلى الأهمية التي يوليها أردوغان لموارد الطاقة في شرق البحر المتوسط. 

لكن على الرغم من الخلافات المتكررة بين أنقرة والشركاء الغربيين، لا يمكن لتركيا وحلف الناتو أن يتخليا عن شراكتهما. بعد الموافقة على انضمام فنلندا إلى الحلف في مارس/آذار، يمكن أن تمهّد أنقرة الطريق أمام السويد خلال قمة الحلف في يوليو/تموز. ومع ذلك، فإن التخلص من أنظمة الدفاع الجوي الروسية S-400 يبدو مستحيلاً بالنسبة إلى أنقرة طالما أن علاقتها مع موسكو لا تزال استراتيجية.

توثيق العلاقات مع الصين؟

خلال فترة ولايته الثالثة كرئيس، يمكن لأردوغان أن يبذل جهداً أقوى لتحقيق ما يسمى بخطة ممر زانجيزور (طريق نقل يربط الأراضي الأذربيجانية عبر أرمينيا ويزود تركيا بوَصلة مباشرة إلى أذربيجان) في محاولة لترسيخ دور تركيا في القوقاز والوصول إلى بحر قزوين وتعزيز العلاقات مع الدول التركية في آسيا الوسطى. سيتطلب ذلك التطبيع مع أرمينيا وإدارة التوترات مع إيران ومواصلة الحوار مع روسيا.

أما بالنسبة إلى الصين، تراجع أردوغان إلى حدٍ كبير عن انتقاد معاملة بكين لأقلية الأويغور وأثار احتمال انضمام تركيا إلى منظمة شنغهاي للتعاون بقيادة روسيا والصين. و على الرغم من حذر بكين، يمكنه الضغط من أجل علاقاتٍ أوثق مع الشرق.

كما قال نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ماثيو بريزا مؤخراً، فإن دور تركيا كجسرٍ بين الغرب والشرق سيستمر. لكن تركيز أنقرة يمكن أن يتحول الآن إلى أن «تكون راسخة في الشرق ومستعدة للاحتفاظ بالغرب، أي أوروبا و الولايات المتحدة».

 

*االمركز الكردي للدراسات عن المونيتور

 

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  آفاق حل المسالة الكردية في تركيا
←  الشرق الأوسط ما بين تصفية للحسابات وترسيخ للقوة
←  محاولة لسرد التاريخ السوري
←  النزعة القومية الكردية والعربية المبكّرة: تماثلاً واختلافاً
←  قمع الكرد داخل وخارج تركيا في مرآة تقرير هيومن رايتس ووتش
←  إعادة انتخاب أردوغان و السياسة الخارجية لتركيا
←  صراع انتخابي في تركيا بين الميثاق الملي ولوزان
←  صلاح الدين دميرتاش:​ما هي القضية الكردية؟
←  خديعة معاهدة “سيفر” وخيانة “الميثاق الملي”
←  تحت ظلال “سيفر” و”لوزان” وحلم بيزنظة
←  100 عام من التنكيل.. ولا يزال الكرد باقين
←  الكرد في تركيا بين غياب السلام واستمرار حالة القمع
←  لعبة الناتو وتركيا اعتداء على القيم الإنسانية
←  العولمة والحرب الكبرى: الحرية ضد التجارة الحرة
←  المنظمات الخيرية قاطرة التغيير الديمغرافي في عفرين