ديمقراطية العصا الغليظة
الديمقراطية، مصطلح يوناني قديم ، من أبسط دلالاتها تعني (سلطة) أو (حكم) الشعب. وتعد الانتخابات ركيزة أساسية لأي عملية ديمقراطية، لأنه عن طريق هذه الممارسة يستطيع المواطن أن يقرر مصيره ويشعر بالمساواة والحرية الكاملة. لكن الديمقراطية عندنا لم تعد تحير عقولنا فحسب، بل حيرت عقول جميع المتخصصين وحتى اللغويين بهذا المجال، وهي تتعارض مع المفهوم المعتمد في القاموس اليوناني كمصطلح سياسي.
صحيح أن هناك أساليب وطرق مختلفة لممارسة الديمقراطية وتطبيقها، لكن الديمقراطية التي نعتمدها نحن الكرد هي نوع آخر لامثيل له في أي بقعة بالعالم، وقد يكون هذا سببا لعدم ادراج تجربتنا الديمقراطية ضمن الأنواع المألوفة من ديمقراطيات العالم. فديمقراطتنا تعني لي الأذرع والضرب تحت الحزام.
ولا أدري لماذا تستعجلنا البعثات الدبلوماسية والأطراف الدولية على إجراء إنتخابات عاجلة من دون النظر إلى حساسية وتأزم الأوضاع الداخلية وما تعترض هذه العملية من معوقات وعقبات لاتسمح أبدا بإجراء إنتخابات نزيهة حرة وحقيقية يعبر فيها المواطنون عن آمالهم وتطلعاتهم؟!. ولماذا لا يرى هؤلاء ولا يسمعون ما يجري في كردستان حاليا وهم يعتبرون أنفسهم أبا للديمقراطية، كيف وبأي أسلوب غير قانوني تم تفعيل مفوضية الإنتخابات المنتهية صلاحيتها في كردستان وبهذا الشكل المزري؟. وكيف تناقلت وسائل الاعلام وقائع الجلسة الصاخبة لبرلمان كردستان والتي شهدت مشاجرات وملاكمات بالأيدي لفرض إرادة حزب على الجلسة وتمرير قرار التفعيل من دون جميع الكتل البرلمانية الأخرى بل وحتى الضغط على مجلس القضاء لقبول هذا القرار؟!.
والأهم أنه جرى ذلك في وقت مازالت تعديلات قانون الإنتخابات موضوعة فوق الرفوف تعلوها الغبار دون أن يتحرك أحد لطرحها على جدول الأعمال ، ناهيك عن الامتناع من تنظيف سجلات الناخبين ” العلوجية ” التي تتعارض أرقامها كلية مع حقيقة النسبة السكانية الحالية ، وكذلك الإبقاء على مشكلة المكونات من دون حل.
ثم كيف ولماذا يجب أن يبقى الفرق بين سجل الناخبين المعتمد في مفوضية الإنتخابات العراقية مع مفوضية الإقليم بحيث تصل تلك الفروقات في أعداد الناخبين حسب بعض الخبراء إلى حدود زيادة نصف مليون ناخب في سجلات الإقليم، مع تأكيد هؤلاء الخبراء بأن النسبة المضافة إلى سجل الناخبين تتركز جميعها في محافظتي أربيل ودهوك في حين أن النسبة خفضت في محافظة السليمانية بحدود 60 ألف ناخب؟!.
أليست هذه الأحصائيات بحد ذاتها تدل على عدم وجود عدالة في إعتماد أرقام الناخبين؟
فإذا كان ثمن المقعد في البرلمان الكردستاني قد حدد بـ 35 ألف صوت، ألا يعني زيادة 561 ألف ناخب إلى سجلات مفوضية كردستان بأن 16 كرسيا ستذهب لصالح محافظتي أربيل ودهوك؟.
أليست هذه قمة اللاعدالة واللاديمقراطية؟.
الغريب، أن كل من يفتح فمه اليوم يتحدث عن الديمقراطية وترسيخها وإحترام حقوق الانسان وحرياته، وليس هناك من لا يدعو كل يوم إلى ضرورة إجراء إنتخابات نزيهة ونظيفة خالية من التزوير، كما ليست هناك جهة، حزبا كان أو منظمة أو جماعة أو تحالف لايدعو إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا ومصلحة المواطن على المصالح الأخرى، لكن للأسف قليل من هؤلاء من يلتزم بهذه المباديء التي يدعو إليها، وهذا بحد ذاته ما يشوه أي عملية ديمقراطية حقيقية ينشدها المواطن في كردستان.
وفي الختام أقول لمن يصر ويضغط بإتجاه إجراء الإنتخابات تحت الضغط الدولي ليدعي أنه ديمقراطي ، أقول لهم أن ما تدعون اليه تحت غطاء الديمقراطية سوف لن تفيدكم بشيء، ولو أجريت عشرات الإنتخابات الأخرى فلن تغير النتيجة، لأن من أبسط مفاهيم الديمقراطية هو أن نكون أحرارا في تقرير مصيرنا عبر صناديق الإقتراع، عندها فقط يمكننا أن نفتخر بعملية ديمقراطية حقيقية تحقق للمواطن العدالة والمساواة وحرية التعبير .
* سيدة العراق الأولى
*عضو الهيئة العاملة للمكتب السياسي للاتحاد الوطني الكوردستاني
|