دماء على رداء الديمقراطية
منذ حين يتركز الجدل في حلقات البحث (وايضا في الاعلام) حول أزمة العراق وسبل بناء الدولة القوية وجدوى الديمقراطية لتحقيق هذا الهدف بل ان البعض من المعنيين يتحدثون عن دولة مركزية قوية كوصفة للمرحلة المقبلة، وكأن الدولة الاتحادية هي نقيض قوة الحكم وانها سبب الفوضى والفساد، او هي عقبة امام الدولة القوية المهيبة الجانب.
من زاوية يبدو ان المغدور في هذه المجادلات هو الديمقراطية إذ تُصبّ على رأسها جميع وساخات المرحلة السابقة، وخطايا الجماعات الحاكمة، والاغرب، ان مناهضي الديمقراطية يحرضون الجمهور ضدها باعتبارها سبب الهوان الذي لحق بهم، من تردي الخدمات ونهب المال العام وسطوة العشيرة والسلاح خارج الدولة وانتهاكات السيادة، علما ان مفهوم الديمقراطية، ومنذ تجربة اثينا قبل اكثر من الفي عام حتى الآن هو «حكم الشعب لنفسه لا بالإكراه ولا بالتفويض الثيوقراطي»وقد تطور عبر التطبيقات والتحديات واستقر تحت تأثير الثورة الفرنسية على جملة من الوسائل وفي مقدمتها (وليس وحدها) الانتخابات المباشرة والحرة لاختيار الحاكم وشكل الحكم. ويقال في حمّية الجدل اننا احوج ما نكون الى «القبضة الحديدية» إذْ تدغدغ هذه الدعوة مشاعر الفئات والشرائح التي تعاني من افرازات دولة الغابة، في حين لا يمكن الجمع بين الديمقراطية والقبضة الحديدية، فالاولى ضامن للمساواة والمشاركة في تقرير مصائر البلاد والعدالة والتوزيع العادل للثروة فيما القبضة الصارمة وصفة للحكم الفردي(او الفئوي) الذي ينزلق دائما الى الاستبداد والتضييق على الحريات واقامة سلطة البطش والاقصاء.
ان الديمقراطية مفهوم اصلاحي يطور نفسه الى اقامة سلطة ودولة مهيبة لا يتجاوز فرد او مكوّن او دين حدود الغير ، ويضمن للمجتمع ان يشارك في ردع التجاوزات طالما انه يطور ادوات ممارسة الديمقراطية ولهذا فان الديمقراطية تتعرض على الدوام الى هجوم الخصوم من جانبين، الاول، من الادعياء الذين يجهلون فروضها والتزاماتها، والثاني، من اصحاب الفساد واغتصاب السلطة والقوى المارقة المنفلتة.
على ان المشكلة تتمثل في ان زعامات لا تؤمن بالديمقراطية الا حيث جزئية الوصول الى السلطة(كما في تجربتنا) وعندما تتربع عليها، وتمسك بالمال والاقدار تذبح الديمقراطية من الوريد الى الوريد.
|