×

  مام جلال ... حقائق و مواقف

  مام جلال في الشام ...(8)



*علي شمدين

 

 

(زوزاني: كنا أصحاب البيت، ولم نكن يوماً ضيوفاً غرباء)

لا شك بأن مام جلال كان قد بنى خلال تواجده في الشام علاقات واسعة مع الكرد السوريين، الذين لعبوا دوراً هاماً في دعمه ودعم حزبه (الاتحاد الوطني الكردستاني)، الذي أعلن عن تأسيسه في دمشق عام (١٩٧٥)، ووقفوا بكل إمكاناتهم إلى جانب ثورته الجديدة التي انطلقت مفرزتها الأولى من القامشلي عام (١٩٧٦)، لا بل أن العشرات من الطلبة الكرد السورييين الذين قصدوا أوروبا بهدف الدراسة، خلال الستينيات من القرن المنصرم، هم أيضاً استقطبوا حول مام جلال وتأثروا بشخصيته الكارزمية المؤثرة، وخاصة خلال حضوره مؤتمر جمعية الطلبة الكرد في أوروبا، الذي انعقد في بلغراد عام (1967)، فقد كانت توجد حينذاك مجموعة من الكرد السوريين هناك، وكانوا قد انخرطوا بين صفوف الحركة الطلابية الكردية في أوروبا، واندمجوا شيئاً فشيئاً بالحركة السياسة الكردستانية، والتي بدأت تنشط بين صفوف جمعية الطلبة الكرد في أوروبا، وكان الأستاذ (يوسف زوزاني)، أحد هؤلاء الطلاب الذين تأثروا بشخصية مام جلال، والتزموا بتوجهاته السياسية، وانضموا إلى الاتحاد الوطني الكردستاني فور تأسيسه والتحقوا بثورته المسلحة، ولعبوا دورهم المميز بين صفوف النضال في جبال كردستان العراق بقيادة مام جلال فنالوا ثقته ودعمه اللامحدودين، وكانوا موضعاً لها .

وفي إطار رده على الأسئلة التي وجهناها إليه في هذا المجال بتاريخ (٤/٨/٢٠٢٣)، يتحدث الأستاذ يوسف زوزاني عن لقائه الأول بمام جلال، ويقول: (بعد ذهابي إلى يوغسلافيا عام 1966، بهدف الدراسة، انعقد مؤتمر جمعیة الطلبة الكرد في بلغراد عام ۱۹٦۷، وخلال مشاركتنا في تحضيرات المؤتمر، سٲلني المرحوم الدكتور كمال فؤاد: كم يبعد فندق سلافيا من هنا؟ أجبته: إنه ليس بعيداً، يقع على بعد خمس دقائق سيرا على الأقدام من هنا، فقال لي: لنذهب إلى هناك ... وعندما خرجنا من القاعة سٲلته عن السبب، أجابني: إن مام جلال قد وصل إلى الفندق، وهو في ضيافة اليوغسلافيين، وسنذهب للقائه.. وقد فرحت بهذا الخبر جداً، خبر اللقاء مع هذا القائد الذي كنت اسمع من أخي سالم عنه وعن حذاقته وفطنته السياسة، وكنت أعتبره مثلي الأعلى، فكان هذا اللقاء هو لقائي الأول به والذي كان بتاريخ ۲۷/۱۲/1967).

لقد كان الدكتور عمر شيخموس هو الآخر أحد أبرز هؤلاء الطلبة الكرد السورين الذين سافروا مطلع الستينيات إلى أوروبا بقصد الدراسة، وتأثروا هناك بأفكار مام جلال واصطفوا معه سياسياً، إلى أن تم تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني، ولأنه كسب ثقة مام جلال وإعجابه بدوره ونشاطه المؤثر في الوسط الأوروبي، اختاره مام جلال ليكون أحد أعضاء الهيئة التأسيسية، ويذكر شيخموس في اتصال هاتفي معه بتاريخ (٧/٨/٢٠٢٣)، بأنه فور وصوله إلى أوروبا أوائل الستينيات انضم إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي الذي كان لا يزال موحداً حيناك، بناء على اتفاق كان قد تم بهذا الخصوص بين أحزاب كردستانية، فيقول: (كان هناك اتفاق بين الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، والحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران والحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، تم توقيعه في بيروت في خريف عام ١٩٥٩، وينص هذا الاتفاق على انضمام أعضائهم في أوروبا إلى صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، وأن رئيس حزبنا آنذاك الدكتور نور الدين زازا، كان قد أعطاني رسالة موجهة للدكتور كمال فؤاد أوروبا بهذا الخصوص..).

لا شك بأن مام جلال كان يمتلك شعوراً كردستانياً عميقاً، فهو لم يكن يميز يوماً بين من ينتمي إلى هذا الجزء أو ذاك، ولهذا سرعان ما احتضن هؤلاء الطلبة الكرد السوريين، وضمهم بحرارة تحت جناحيه، ومنحهم ثقته العالية، ولم يعتبرهم غرباء قط، فهو الذي كان، ومنذ أواسط الخمسينيات من القرن المنصرم، يعتبر كردستان المجزأة بأنها أشبه ببيت من أربعة غرف، ولا يعتبر ضيفاً غريباً من ينتقل داخل بيته من غرفة إلى أخرى، وفي هذا المجال يتحدث زوزاني عن البعد الكردستاني في فكر مام جلال الذي كان يعتبره بعداً استراتيجياً بالمقارنة مع علاقاته التكتيكية مع الدول التي تقتسم كردستان، ويقول: (لقد كان مام جلال، ومنذ بداياته السياسية، مناضلاً كردستانيا يتميز بعقلية واقعية بعيدة عن التفكير الرومانسي، وعن السياسات العاطفية والخيالية.. لذا كان يقوم بتمتين علاقاته مع الاحزاب الكردستانية، وكان حريصاً أن لاتكون علاقاته مع حكومات الدول التي تقتسم كردستان، على حساب الكرد في تلك الدول، لانه كان يعتبر هذه العلاقات تكتيكيه تتطلبها الظروف الآنية، أما علاقاته مع كردها فكان يعتبرها إستراتيجة..).

ومن الواضح بأن جمعية الطلبة الكرد في أوروبا، كانت قد تنامت نشاطاتها التنظيمية، وازدهرت فعالياتها السياسية أكثر أواسط الستينيات من القرن المنصرم، وكانت تضم بين صفوفها الطلاب الكرد من مختلف أجزاء كردستان، ومن بينهم الطلاب الكرد السوريون الذين لعبوا فيها دوراً بارزاً، وكان من بينهم مجموعة مميزة وفعالة من الذين كانوا قبل سفرهم إلى أوروبا أعضاء في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا الذي كان يقوده الرفيق (عبد الحميد درويش)، ولكن هذه الجمعية انتكست بعض الشيء بسبب الخلافات التي نشبت أواسط الستينيات بين صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي وانقسامه على نفسه، فانقسم هؤلاء الطلاب على جناحيه، وحول ذلك يقول الأستاذ يوسف زوزاني: (عندما جئت الى بلغراد كان فرع يوغسلافيا للجمعية فرعاً نشيطاً، وكان سكرتيره المرحوم الدكتور كمال خوشناو، الذي كان في الوقت نفسه مسؤولاً أيضا عن تنظيمات الحزب الديمقراطي الكردستاني- جناح المكتب السياسي، وأذكر من بين الكرد السوريين المتواجدين هناك، والذين كانوا منضمين حينذاك إلى جناح المكتب السياسي، كل من: محمد نايف باشا، وابراهيم نايف باشا، وبهاء محمد، والدكتور سليمان من ديريك، ومحمد عبدو من كرداغ، وجمعة سعيد من كوباني، وفاضل من كوباني، وعبد الحميد دقوري ومحمد علي عمو ومحمد شيخموس من عامودا، وقبل مغادرتنا سوريا كنا جميعا أعضاء في الحزب الديمقرطي الكردي في سوريا جناح الأستاذ عبد الحميد درويش، وبعد وصولنا إلى أوروبا انضممنا إلى الحزب الديمقواطي الكردستاني- جناح المكتب السياسي..)

ويتابع زوزاني حديثه حول انضمامه للاتحاد الوطني الكردستاني والتحاقه بالثورة الجديدة من دون عقبات أو صعوبات، لا بل نيله ثقة رفاقه وتسلمه مهام إعلامية هامة، فيقول: (لقد كان من الطبيعي ان يقف البعض منا مع مام جلال ومع الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تأسس إثر انهيار ثورة أيلول، حتى أن العديد من رفاقنا القدامى كانوا نشيطين جداً في بدايات تشكيل الاتحاد الوطني الكردستاني، وكان البعض منهم على استعداد للالتحاق بالثورة أيضاً مثلما فعلت أنا، لذا كان من البديهي أن يثق مام جلال وقيادات الاتحاد الوطني الكردستاني بنا، فمنذ اللحظة الأولى لوصولي إلى قيادة الثورة فى كردستان، طلب مني الأخوة هناك وبشكل خاص المرحوم نوشيروان مصطفى للعمل في الإذاعة والإعلام.. لذا فقد كنا أصحاب البيت، ورفاق درب النضال الطويل، ولم نكن يوماً ضيوفاً طارئين أو غرباء)، وزوزاني الآن هو نائب لرئيس (مؤسسة الرئيس مام جلال)، لا بل أكثر من ذلك فقد استطاع المناضل الكردستاني يوسف زوزاني أن ينتزع تأييد الحصول على الجنسية في مدينة السليمانية، من المرحوم (جمال آغا)، المعروف بتعصبه لإنتمائه لمدينة السليمانية فقد كان (سليمانجياً)، وكان التحدي الأكبر لهذا الشاب الكردي السوري هو أنه نجح أيضاً في أن يجعل من جمال آغا شاهداً على عقد زواجه من فتاة تنتمي إلى أعرق عائلات السليمانية..

 

(مام جلال: لا نملك سوى شقة واحدة، وهي في الشام)

بسبب ظروفه النضالية القاسية، ومهامه السياسية المتشابكة، وعلاقاته الديبلوماسية الواسعة، لم يستقر مام جلال في المكان نفسه طويلاً، وإنما كان يتنقل من مكان إلى آخر، وكان بحسب تعبير هيرو خان، يعيش: (حياة داخل حقيبة متنقلة)، ولكن ظلت الشام بالنسبة له المحطة الرئيسية للإنطلاق نحو العالم الخارجي، وخاصة نحو الوسط العربي وحشده لصالح قضيته القومية، وليس صدفة أن لا يكون لمام جلال أي بيت أو عقار سوى شقة واحدة كان يملكها في الشام (حي المزرعة)، وهذا ما يؤكده الكاتب والصحفي في جريدة الشرق الأوسط اللندنية (معد فياض)، في كتابه (من ذاكرة الرئيس مام جلال)، وينقل عن مام جلال قوله: (لو تراجع دوائر السجل العقاري سواء في السليمانية أو بغداد، أو أية مدينة عراقية لن تجد هناك عقاراً واحدًاً أو قطعة أرض مسجلة باسمي أو باسم زوجتي، نحن لا نملك سوى شقة واحدة في دمشق، كنا قد اشتريناها عام 1975..).

فمثلما كانت مدينة (كويسنجق)، وكما يقول (معد فياض)، في كتابه المذكور: (تشكل أهم العوامل المؤثرة في تاريخ ومستقبل طالباني.. وهي التي صقلت، بناسها وتكيتها ومدارسها ومكتباتها ومقاهيها، شخصية ذاك الشاب الذي سيكون له في المستقبل القريب شأن سياسي متميزً..)، كذلك هي مدينة (الشام)، التي ظل مام جلال يعود إليها كلما ضاق به المكان على مدى النصف الأخير من القرن المنصرم.

فقد شكلت هذه المدينة الأليفة علامة فارقة في مسيرته النضالية التي بدأها وهو لا يزال في ريعان شبابه، عندما زارها لأول مرة في عام (١٩٥٥)، لحضور مهرجان الشباب العالمي في وارسو، وهو لم يتجاوز بعد الثانية والعشرين من عمره، وكانت زيارته الثانية إلى الشام على ظهر شاحنة نقل الحبوب من دون أن يحمل معه أية وثائق سفر نظامية سوى هموم شعبه المقهور متجهاً إلى أكبر مهرجان شبابي عالمي في موسكو عام (١٩٥٧)، وفي الشام يحصل على حق اللجوء السياسي وعلى وثائق السفر اللازمة، ويتعرف فيها على شخصيات هامة ومؤثرة شكلت حلقة الوصل الرئيسية له مع الوسط العربي الحكومي والسياسي والثقافي والاجتماعي.. وكذلك يتعرف هناك على رموز الحركة السياسية والثقافية الكردية السورية والكردستانية، مثلما شكلت الشام بالنسبة له بوابة رئيسية للعبور نحو العالم الخارجي، واجتياز دوائر الرأي العام العالمي وتعريف تلك الدوائر بقضية شعبه العادلة والنجاح في استقطاب تأييدها حول هذه القضية.

فباتت مدينة (الشام)، الحاضنة التي تبلورت فيها شخصية مام جلال السياسية، والبوابة التي انفتح من خلالها على العالم الخارجي، وبنى فيها تلك الشبكة الواسعة من العلاقات المختلفة، وشهد فيها مناخاً مناسباً ساهم في صقل شخصيته الكاريزمية التي لا يمكن اختصار أبعادها في أي لقب سوى لقب (مام جلال)، الذي يقول عنه معد فياَض في كتابه المذكور، بأن هذا اللقب  بات يعني بالنسبة للكرد أعلى درجة من لقب (رئيس الجمهورية)، فينقل عن لسان محارب قديم من البشمركة كان قد سأله فياض: (لماذا لا تنادونه بالسيد الرئيس؟)، فيجيبه البيشمركة: (بإمكان أي عراقي أن يكون رئيسا للجمهورية، إذا توفرت لديه الظروف، واتفقت عليه الأحزاب فيما بينها، لكن ليس بإمكان أي عراقي، سواء كان عربياً أو كردياً، أن يكون مام جلال، نحن عرفناه في الجبل بهذه التسمية وسنبقى نعرفه هكذا، فإن تحدثتِ مع زوجتي في البيت عنه بوصفه رئيسا للجمهورية، فإن زوجتي التي تعيش معي في قرية على سفح جبل لن تعرف عمن أتكلم، لكنني عندما أقول لها مثلا كنا مع مام جلال، فسوف تعرف فورا من أعنيه بالضبط).

ولا شك بأن تلك المرحلة من وجود مام جلال في الشام تركت بصمتها العميقة على مشاعره الودية نحو هذه المدينة التي وجد فيها الأمن والاستقرار بين أهلها وناسها بمختلف انتماءاتهم السياسية والثقافية وشرائحهم الاجتماعية، وكانت الشام بالنسبة له بمثابة الحاضنة التي بلور فيها فكرة تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني عام (١٩٧٥)، الذي أعاد التفاؤل الى البيشمركة وقادتهم السياسيين الذين ألقوا أسلحتهم بيأس ومرارة نتيجة الانتكاسة التي حلت بهم إثر اتفاقية الجزائر المشؤومة التي وقعت بين العراق وإيران في (٦/٣/١٩٧٤)، وانطلقت منها التحضيرات اللوجستية للبدء بالثورة الجديد التي شكلت الشرارة الأولى التي اندلعت منها كل هذا اللهيب الذي أحرق جميع مؤسسات الظلم والقهر والاستبداد الصدامي ودمر كل أدواته ورموزه في كردستان..

وما أن يزور مام جلال مدينة الشام، حتى كان بيته هذا يزدهر بالحركة والحيوية، ويتحول طوال وجوده هناك إلى ما يشبه خلية النحل، ويزدحم بالوفود والضيوف والأصدقاء بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية، ويعج بالاجتماعات واللقاءات الهامة بين كافة الأطراف السياسية حتى المتناقضة منها، لقد رحل الرئيس مام جلال ولكن ظل هذا البيت الوحيد الذي كان يملكه يمثل من بعده عنواناً لمدى تعلقه بمدينة الشام، ورمزاً  لعمق علاقاته مع أهلها بمختلف فئاتهم

واتجاهاتهم، ولا بد أن يتحول هذا البيت ذات يوم إلى متحف تحفظ فيه ذكرياته وتراثه الغني الذي يتحدث عن مرحلة هامة من مراحل حياته التي أمضاها في الشام بين أهلها الذين أحبهم وأحبوه، فها هي الممثلة السورية القديرة (نجاح حفيظ)، والتي شاءت الصدفة أن تسكن في نفس البناية التي تقع فيها شقة مام جلال، لتقول في حوار أجراه معها الصحفي (إبراهيم حاج عبدي)، مايلي: (كل ما أتذكره هو أن مام جلال كان شخصاً ودوداً، لطيفاً، وفي منتهى التهذيب، وكان يمضي أيامه مسافراً، فلم نكن نلتقي به إلا في أوقات متباعدة، وكان يأتي كطيف عابر جميل، يقضي بيننا أياماً عدة ثم سرعان ما يحزم حقائب السفر نحو بلاد أخرى..)، وتتابع قولها: (لم نكن نشعر بأنه كان غريباً بين أصحابه وأصدقائه في سوريا، وهو بدوره كان حريصاً على هذه العلاقة الودية، ولم يكن يتخلف يوماً عن أداء واجب الجيرة، فكان يساهم مع الجيران في كل ما تتطلبه البناية من مصاريف ونفقات رغم أنه لم يكن مقيماً بصورة مستقرة ودائمة، وهو بذلك فرض احترامه على جميع سكان البناية، مثلما كان يحترمهم فرداً فرداً..).

ومن الجدير بالذكر إن هذا البيت تم إغلاق بابه بالشمع الأحمر من جانب الحكومة السورية لفترة من الزمن كردة فعل منها على مفاوضات مام جلال مع صدام حسين عام (١٩٨٤)، ومن ثم أعيد فتحه ثانية.

 

(ممثلو الاتحاد الوطني الكردستاني في الشام)

لقد كانت الشام محطة استراتيجية هامة في إطار شبكة العلاقات العامة التي بناها الاتحاد الوطني الكردستاني منذ تأسيسه، ومنصة رئيسية لتنظيم هذه العلاقات مع الحكومة السورية ومع عموم الحركة السياسية في البلاد، الكردية منها والعربية، فضلاً عن أنها كانت بمثابة القناة الرئيسية للتواصل عبرها مع ممثليات الدول والحركات والمنظمات العربية المتواجدة هناك، وخاصة الفلسطينية منها، هذا إلى جانب كونها الجسر الذي عبر من فوقه كوادر الاتحاد الوطني الكردستاني وقياداته نحو الخارج في وقت كانت الأبواب مغلقة أمام مام جلال وحزبه الذي لم يتخلف عن المبادرة إلى فتح مكتبه في الشام، وتكليف خيرة كوادره للعمل فيه، وقد كان هذا المكتب وفي مختلف المراحل الودية بين الشام ومام جلال أشبه بسفارة فعالة تزدهر بالحيوية والنشاط.

وبعد الأعلان عن تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني في الشام بتاريخ (١/٦/١٩٧٥)، عقدت الهيئة التأسيسية اجتماعها الأول برئاسة مام جلال بتاريخ (١٧/١٢/١٩٧٥)، ومن بين القرارات التي تم اتخاذها في هذا الاجتماع، هو قرار تكليف الدكتور فؤاد معصوم كأول مسؤول للعلاقات العامة للاتحاد الوطني الكردستاني في الشام، وذلك بالتعاون مع عادل مراد الذي تم تعيينه مسؤولاً للعلاقات الخارجية، فيقول عادل مراد في كتاب (أصدقاء طليطلة)، ما يلي:

 (لقد تم تكليفي- أي عادل مراد-  في هذا الاجتماع بمسؤولية العلاقات الخارجية.. وأنيطت مهام العلاقات العامة بدمشق بالدكتور فؤاد معصوم..)، فقد كان الدكتور فؤاد معصوم قبل ذلك ممثلاً للثورة الكردية في القاهرة، وكان يتمتع بعلاقات واسعة مع الوسط العربي، والمصري بشكل خاص حيث كان قد أنهى دراسته العليا في جامعة الأزهر وحصل منها على شهادة الدكتوراة..

وتولى الدكتور شازاد صائب من بعد الدكتور فؤاد معصوم مسؤولية هذه العلاقات في الشام عام (١٩٧٩)، لغاية شهر آب من عام (١٩٨٢)، حيث غادر شازاد صائب الشام إلى هولندا حيث تقيم عائلته هناك، فاستلم من بعده هذه المسؤولية المرحوم دارو شيخ نوري، الذي استمر في مسؤولياته في الشام إلى أن بدأت المفاوضات مع صدام حسين، وبنتيجة ذلك تم إغلاق مكتب علاقات الاتحاد الوطني الكردستاني، وكذلك إغلاق منزل مام جلال في الشام عام (١٩٨٤)، وطلب من كوادر الاتحاد الوطني الكردستاني مغادرة الشام، أو البقاء كلاجئين، حيث تقول نرمين عثمان (زوجة المرحوم دارو)، في كتابها (على ضوء القمر نسجنا أحلام الوطن)، في هذا المجال: (حينها قررنا أن نترك سوريا، لأن النظام السوري قال علناً: على ممثلي الاتحاد الوطني الكردستاني أن يغادروا سوريا، وبإمكانهم أن يبقوا كلاجئين إن أرادوا، وإلا فعليهم أن يرحلوا إلى مكان آخر يختاروه، وفي نهاية كانون الأول من عام ١٩٨٤، اتجهنا نحن وعائلة عبد الرزاق فيلي.. من دمشق باتجاه السويد، وعائلة الدكتور فؤاد معصوم باتجاه لندن..).

وفي اتصال هاتفي معه بتاريخ (٢١/٨/٢٠٢٣)، تحدث ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني في الشام (عبد الزراق توفيق كويي)، عن إغلاق المقر لغاية عام (١٩٨٧)، ويقول بأنه عاد إلى الشام من جديد، وجاء من بعده وفد مكون من (نوشيروان مصطفى، كمال خوشناو، ملازم عمر، د. خسرو خال..)، ويقول بأنه حينذاك تم الاتفاق على افتتاح المكتب مرة أخرى، وقد تولى مسؤولية المكتب (كمال خوشناو)، وكذلك تم تعيين عبد الرزاق توفيق عضواً في هذا المكتب، ومن بعد  كمال خوشناو جاء الدكتور خسرو خال، وبعد وفاته عاد (كمال خوشناو)، مرة أخرى وأصبح مسؤولاً للمكتب في الشام، ومن بعده جاء (دانا أحمد مجيد)، الذي ظل لفترة من الزمن مسؤولاً لمكتب الاتحاد الوطني الكردستاني في الشام، ومن ثم جاء عادل مراد ليحل محله لغاية (٢٠٠٣)، وبعده جاءت (هاوزين منمي)، لتتولى هذه المسؤولية لفترة مؤقتة، وبعد سفرها تم تعيين (عبد الرزاق كويي)، ممثلاً للاتحاد الوطني الكردستاني لغاية اليوم، الذي استطاع أن يحافظ على مكتب الاتحاد الوطني الكردستاني مفتوحاً في الشام رغم الأزمة التي تمر بها البلاد..

تذكر نرمين عثمان في كتابها (على ضوء القمر نسجنا أحلام الوطن)، طرفة حصلت بين مام جلال وابنها (هاوري)، خلال فترة وجودهم معاً في الشام، فتقول: (في نهاية عام ١٩٨١، كان مام جلال في بيتنا بدمشق عندما دخل هاوري عائداً من المدرسة، وكان أطفال الحي قد قاموا بمضايقته ويبدو أنه قام بضربهم، فيقوم الأطفال بشتم أخته، ولكنه يرد عليهم بعربيته المكسرة، قائلاً لهم: مافي أخت، أي لا توجد لديه أخت، فأعجب مام جلال بجوابه لهم.. وبعد عدة سنوات، وفي اجتماع لكوادر العلاقات الخارجية للاتحاد الوطني الكردستاني في أوروبا قال أحد كوادر العلاقات لمام جلال: إن البارتي يشتموننا كثيراً. فقال مام جلال لا تردوا عليهم، افعلوا كما فعل ابن دارو واكتفوا بقوله: ما في اخت..).

هذا ومن الجدير بالذكر، أن الاتحاد الوطني الكردستاني كان قد افتتح مقراً له في مدينة القامشلي وخاصة خلال سنوات الانتفاضة، نظراً للأهمية اللوجستية لهذه المدينة بالنسبة للثورة في كردستان العراق، وقد توالى على هذا المقر عدد من المسؤولين كان أبرزهم (محمود عيدو)، والبيشمركة القديم بوزي (أبو علي)، فضلاً عن المعسكرين التدريبيين اللذين تم افتتاحهما خلال الإعداد للثورة الجديدة، وهما معسكر القامشلي بإشراف (عبد الرزاق فيللي)، ومعسكر ديريك بإشراف (نوشيروان مصطفى).

....يتبع


25/12/2023