×

  شؤون قانونية

  فاجعة الانفال من أفدح الجرائم الوحشية الواقعة على الانسانية



لائحة الادعاء العام أمام المحكمة الجنائية العراقية العليا في قضية الأنفال

بدأت يوم الاثنين 21/8/2006 الجلسة الاولى من محاكمة الطاغية صدام حسين و ستة من معاونيه في قضية " الانفال" التي ذهبت ضحيتها اكثر من 182 الف كردي من رجال ونساء واطفال وشيوخ. ورأس هيئة المحاكمة القاضي العراقي عبدالله علي علوش العامري، وعضوية كل من القاضي سعيد الهماشي والقاضي جمعة هليل.

ثم تحدث ممثل الادعاء العام منقذ تكليف آل فرعون الذي عمل كمدع عام ثان في قضية الدجيل وقال ان مهمة هيئته ستتركز في هذه المرحلة حول وصف الجرائم المرتكبة. وفيما يأتي نص لائحته حول جريمة الانفال :

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

ان هيئة الادعاء العام الموكلة بهذه القضية تود ان تبين وصف الجرائم فقط بغض النظر عمن هو مرتكب هذه الجرائم، اي ان محكمتكم الموقرة من خلال المحاكمات سوف تصل الى من هو المتهم او المجرم الذي ارتكب هذه الجرائم، اما في بداية الجلسات فان هيئة الادعاء العام سوف تصف امام محكمتكم الموقرة وصف الجرائم فقط، اي بغض النظر عن المتهمين.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى [ ولاتحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار ] صدق الله العظيم

السيد رئيس واعضاء المحكمة المحترمون : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

هذا اليوم الذي حلمت به آلاف الضحايا وهي تعاني لانها كانت تعلم حتى اثناء معاناتها ان القانون اقوى في نهاية المطاف من الارهاب والوحشية، في هذا اليوم تحوم في قاعة محكمتكم الموقرة ارواح الضحايا البريئة التي تعذبت وماتت لترى حكمكم العادل، تبدأ هيئة المحكمة اليوم بالنظر في سجل المعاناة الانسانية التي حصلت خلال الحملات التي عرفت في تاريخ العراق والعالم بالانفال،سلسلة الحملات العسكرية الثماني التي شنت من شباط الى 6/ايلول عام 1988 تشكل احدى اكثر مسلسلات الاحداث المأساوية في تاريخ الضمير الانساني وقبل البدء في سرد احداث الحملات تود هيئة الادعاء العام التطرق لموضوع تسمية هذه الحملات المعروفة بالانفال وعذراً ولو ان المحكمة بينت سابقاً وكذلك السيد رئيس الادعاء العام ولكن ارجو لي السماح بتوضيح ذلك مفصلاً:

الانفال هي السورة الثامنة من سور القرآن الكريم وقد وردت احكام الانفال في الآية الاولى من السورة المذكورة (بسم الله الرحمن الرحيم : يسألونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم واطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين.صدق الله العظيم)، لما اختلف المسلمون في غنائم بدر فقال الشباب هي لنا لاننا باشرنا القتال وقال الشيوخ كنا ردءاً لكم ولو انكشفتم لفئتم الينا فلا تستأثروا بها فنزل قوله تعالى (يسألونك يامحمد(ص)عن الانفال اي الغنائم لمن هي قل لهم : الانفال لله، يجعلها حيث شاء الرسول يقسمها بأمر الله، رواه الحاكم في المستدرك [ فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم ]، اي حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع واطيعوا الله والرسول ان كنتم مؤمنين، الصفحة 234 من تفسير الجلالين/ طبعة عالم الكتب – بيروت)، ولو تساءلنا عن نوع العلاقة التي تربط الانفال بهذه العمليات المسلحة المغرقة بالوحشية لن نتوصل الى تفسير مقنع فالغرض الاول من الفتوحات كانت لنشر الديانة الاسلامية لغير المسلمين في الجزيرة العربية اولاً وبعد ذلك بين الشعوب المجاورة لها وان الانفال اي الغنائم جاءت بصورة عرضية تطلبتها ادامة الفتوحات، اما الحملات التي سميت بالانفال فلم تكن لتلك الغاية حيث ان الذين استهدفتهم تلك الحملات كانوا من المتمسكين باحكام دينهم الاسلامي الحنيف ولم تكن تلك الحملات بدافع الكسب او الغنيمة حيث ان القادة والمسؤولين عن ذلك الهجوم لم يكونوا بحاجة الى ممتلكات هؤلاء القرويين المساكين الشحيحة، صحيح ان قادة هذه الحملات قد اطلقت يد القوات المهاجمة لنهب ممتلكات الفلاحين التي يستولون عليها ولكن بالتأكيد لم يكن هذا هو الهدف من الهجوم اذن لاي غرض شنت تلك الحملات ؟

 الجواب بكلمة واحدة، شنت ضد الانسان وحتى في هذا اختلفت هذه الانفال عن انفال المسلمين الاوائل، فبينما كان المسلمون الاوائل ينتفعون من جهاد هؤلاء لمصلحة الفاتحين او لمصلحة بيت المال او لتعليمهم مبادئ الدين الاسلامي الحنيف بينما تم ارسال المحتجزين من قبل الحملات التي تسمى بالانفال الى الموت من دون تمييز.

 

السيد الرئيس، السادة الاعضاء المحترمون..

سوف تسمع محكمتكم الموقرة افادات المدعين بالحق الشخصي والشهود والادلة الوثائقية وان هيئة الادعاء العام متأكدة بحدوث صدمة لدى الضمير الانساني، فكما تعلمون يبلغ عدد صفحات القضية المنظورة امامكم (9312) صفحة، لكن حتى هذه الوثائق الشاملة الموجودة في هذه القضية لايمكنها ان تصور على نحو كامل فداحة الجرائم الوحشية الواقعة على الضحايا، عشرات الآلاف من الضحايا الذين كان يمكن ان يأتوا الى هذه المحكمة اليوم وفي الايام القادمة ليضعوا ايديهم على القرآن الكريم ويقسموا بان يقولوا الحقيقة حول معاناتهم هم بدل ذلك مدفونون في المقابر الجماعية الموزعة على انحاء العراق ولكن بعض الضحايا الذين سمح لهم الحظ بالبقاء على قيد الحياة سوف يأتون ليدلوا باقوالهم، ماشاهدوا وسمعوا و شعراو به، لقد حان الوقت لكي تعرف الانسانية التي تنطقون انتم يا حضرات القضاة باسمهم نطاق وحجم الجرائم التي ارتكبت ضد ابناء كردستان.

 

السيد الرئيس، السادة الاعضاء المحترمون..

ان هيئة الادعاء العام تطلب من محكمتكم الموقرة بكل احترام ان تستمع بعناية وتركيز لتفاصيل هذه الاحداث لانه من الصعب على طاقة العقل البشرية ان تصدق همجية هذه الجرائم، لقد تم حرق القرى الواحدة تلو الاخرى بالقصف المدفعي والقنابل والاسلحة الكيمياوية وبعدها تمت تسويتها بالارض كما لو ان قتل السكان لم يكن كافياً، لقد تم تدمير الاف القرى وتم تشتيت العائلات الواحدة تلو الاخرى عبر المساحات الشاسعة في ارض العراق، لقد انتظرت الزوجات عودة ازواجهن وانتظر الاهل بأمل عودة ابنائهم ولكن دون جدوى، لقد حزنت الارامل والثكالى بفقدان اعزائهم ثم اصبحت بدورها ضحايا لقسوة لارحمة فيها، تم تجويع هؤلاء الناس واغتصبوا وعذبوا واعيد نقلهم الى مناطق اخرى لانهم كرد فعانوا وماتوا كعراقيين، الانفال اثرت الى الابد على القاموس الكردي، كلمة مؤنفل اصبحت فعلاً لايزال يستخدم لوصف الذين لايزالون غائبين، كلمة مؤنفل تذكر بالآلام والخسائر المرتبطة بمأساة تلك الايام، لقد فقد ابناء القرى الكردية كل شيء باستثناء هويتهم وارثهم ككرد.

 

السيد الرئيس، السادة الاعضاء المحترمون..

 نود ان نبين لمحكمتكم الموقرة كيفية تنفيذ عمليات الانفال، تقوم قوات كبيرة معززة بادروع والمدافع بضرب نطاق محكم حول المنطقة التي يراد ترحيل سكانها لمنع اهالي القرى من الهرب كما تجوب الطائرات المقاتلة والمروحيات سماء المنطقة وذلك لتقديم خدماتها للقوات الارضية عند حدوث مقاومة او محاولة هرب سكان القرى، وبعد ذلك تدخل قوات اخرى الى القرى لجمع سكانها بدون استثناء ومن ثم شحنهم في سيارات الحمل العسكرية الى احد مراكز التجميع دون السماح لهم بحمل اي شيء من مقتنياتهم سوى مايمكن حمله بالجيب، اما بقية ممتلكاتهم من الحيوانات والاموال الاخرى فان افراد القوة المهاجمة تستولي عليها. كما تم تدمير وحرق البيوت والمباني في القرى التي هدمت، ان الظروف الصعبة التي وجد اهالي القرى المرعوبة انفسهم فيها وخاصة الذين التجأوا الى الوديان وشعاب الجبال والكهوف او الذين هربوا في الليل مع اطفالهم نحو المدن والمجمعات طلباً للنجاة وما قاسوه من الانهاك و الجوع والخوف والعطش او قتلوا او جرحوا او وقعوا في كمائن العدو يعجز الكلام عنها، وقبل البدء في تفاصيل كل الحملة فان حملات الانفال قسمت الى (8) مراحل مختلفة تم تنفيذها بناءً على تخطيط دقيق ومنظم ومسبق، حيث تمت تهيئة مركز تجميع في كل منطقة لحجز القرويين وعوائلهم قبل بدء الحملات، يتبين من هذا كله ان حملة الانفال هي عملية واحدة اعد لها مسبقاً ولكن تم تقسيم الحملات على اساس الزمن والمناطق معاً الى (8) مراحل وسوف نوضح للمحكمة المحترمة تفاصيل كل مرحلة من مراحل الانفال.

 

 حملة الانفال الاولى :

بدأت يوم 22/2/1988 بشن مجموعة من الهجمات بالاسلحة الكيمياوية والتقليدية بواسطة السلاح الجوي والبري معاً في وادي (جافايةتي) في محافظة السليمانية وشنت هذه الهجمات بوجه خاص على قرى ( سركلو) (بركلو) و(ياخسمر) وان القوات المهاجمة احتجزت عدداً قليلاً من المدنيين خلال هذه الحملة حيث ان اعداداً اخرى قد هربوا فراراً الى الدول المجاورة اضافة الى الاعداد التي قد ماتت نتيجة للعمليات العسكرية ومنها القصف الكيمياوي وعليه يتبين بان هدف حملة الانفال الاولى الرئيسي هو القضا على معاقل قوات المقاومة الكردية وتدمير المستوطنات المدنية في وادي (جافايتي) وقد تم تحقيق هذا الهدف يوم 19/3/1988.

 

حملة الانفال الثانية:

بدأت يوم 22/3/1988 عندما شنت القوات العسكرية هجمات بالاسلحة الكيمياوية على قرية سيوسينان في منطقة قرداغ بمحافظة السليمانية وقدر عدد المدنيين القتلى في هذا الهجوم بين (70-90) قتيلاً وقد شمل القصف الكيمياوي قرى (دوكان) و(بلكجار) و(مرسوبي)(جافران).و وفقاً لنمط الذي تميزت به عملية الانفال اختفى عددة مئات من الشباب المدنيين بعد القبض عليهم واعتقالهم في قاعدة قوات الطوارئ بالسليمانية كما ان هذه القوات قد احتجزت كثيراً من العوائل وتم نقلهم الى معتقل (دبس) و (نقرة السلمان) كما اختفى عدد من العوائل بعد اعتقالهم وان عملية الانفال الثانية انتهت في حدود 1/4/1988، وردت كلمة (نقرة السلمان) وهو معتقل في صحراء السماوة قرب الحدود السعودية.

 

حملة الانفال الثالثة:

بدأت في سهل (كرميان) في 7/4/1988 حيث شنت القوات العسكرية المهاجمة هجوماً كبيراً بالمشاة والمدفعية والمدرعات وسلاح الجو على السهل المذكور وطوقته على شكل كماشة وعلى الرغم من عدم وجود قوات مقاومة كردية كبيرة بل كانت هناك وحدات قليلة وان القوات المهاجمة اعلنت انها لم تواجه اية مقاومة تقريباً ومع ذلك فان الهجوم كان كبيراً لا يتناسب مع عدد المقاومين، كما ان القوات العسكرية المهاجمة استخدمت السلاح الكمياوي في قرية (تازة شار) الصغيرة ونتيجة ذلك فقد تم اعتقال الكثير من السكان المدنيين و نقلوا الى معتقلات (دبس) و (طوبزاوا) و(نقرة السلمان)، كما تبين مجهولية مصير عدد كبير من الرجال بعد القبض عليهم واعتقالهم،كما تم نقل عدد كبير من المعتقلين من الرجال والنساء والاطفال والمسنين الى مواقع اعدام في مناطق الرمادي والسماوة وانتهت عملية الانفال الثالثة بحدود 20/4/1988.

 

حملة الانفال الرابعة :

بدأت يوم 3/5/1988 بشن هجوم عنيف قبل القوات العسكرية المهاجمة بالاسلحة الكمياوية وبسلاح الجو على قريتي (عسكر) و(كوبتبه) في وادي الزاب الصغير ونتيجة هذا الهجوم قتل المئات من المدنيين بينما اعتقلت القوات المهاجمة عدداً من الذين كانوا على قيد الحياة، كما تم حجز كثير من العوائل في قرية (عسكر) حيث نقلوا الى مجمع (سوسي) ونتيجة هجوم القوات الزاحفة على القرى العديدة في المنطقة فان هذه القوات قامت بتدمير مباني القرى بالهدم والحرق كما تم حجز كثير من العوائل ونقلوا الى معتقلات (دبس) و (طوبزاوا) و(ونقرة السلمان).

وكغيرها من الانفال تبينت مجهولية عدد كبير من الرجال والنساء والاطفال من قرى (دوغوت) و(كايتبي)و(قايا) و(قزلر)... الخ وبحلول 8/5/1988 انتهت هذه المرحلة من الانفال، بعد ان دمرت تماما جميع القرى الواقعة في المنطقة.

 

حملة الانفال الخامسة والسادسة والسابعة :

بدأت من 15/5/1988 الى 28/8/1988، في هذه المرحلة شنت القوات العسكرية المهاجمة هجوماً بالاسلحة الكيمياوية وبواسطة سلاح الجو على قرية (دارا) وعلى قرية (وادي شقلاوة) و (رواندوز) حيث اسفر هذا الهجوم عن مقتل العديد من المدنيين وقد شنت العديد من الهجمات الكيمياوية يوم 23/5/1988 على قرى (باليسان – سيران – جيران - وسماقولي) وكالعادة فقد تم القبض على الرجال ونقلهم الى المصير المجهول كما تم نقل النساء والاطفال بالشاحنات الى العديد من المعتقلات.

 

حملة الانفال الثامنة:

نفذت بين 25/8/1988 الى 6/9/1988 في بادينان بمحافظة دهوك والتي استمرت بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية ففي 25/8/1988 شنت القوات العسكرية المهاجمة وبالاسلحة الكيمياوية هجوماً على قرية (بلجيني) و(تيكا) وقد فر العديد من القرويين المدنيين نتيجة هذا القصف متوجهين الى الحدود التركية كما فروا الى اعالي الجبال والوديان المحيطة بقراهم مما ادى الى وفاة العديد من الاهالي نتيجة الجوع و المرض والاصابة بالسلاح الكيمياوي كما تم القبض على العديد من الاهالي المدنيين وتم نقلهم الى مراكز الاعتقال ولم يعرف مصير عدد كبير من المدنيين بعد ذلك.

 

السيد الرئيس، السادة الاعضاء المحترمون...

بعد ان تم وصف عمليات الانفال بمراحلها،لابد من ذكر مصير المعتقلين من نساء واطفال ورجال وشيوخ من ابناء القرى الكردية حيث تم نقلهم الى اماكن حجز مهيأة مسبقاً لهذا الغرض مثل (طوبزاوا)و (دبس) و(نقر السلمان) وفي بعض الاحيان يتم فرز النساء والاطفال والشيوخ عن الشباب ومن ثم ينقل الشباب الى مصير مجهول وان المعتقلين قد عانوا الامرين من قساوة الظروف حيث ان مراكز الاعتقال كانت تفتقر الى ابسط مقومات الحياة اضافة الى المعاملة القاسية لهم من قبل المسؤولين والحراس حيث كانوا يتعرضون الى التعذيب والاهانة المفرطة اضافة الى قلة الطعام والماء غير الصالح للشرب مما سبب باصابتهم بعدد من الامراض مثل الاسهال والتقيؤ والذي ادى الى وفاة اعداد كبيرة منهم وخصوصاً الاطفال ومن كان يموت في هذه المعتقلات يتم دفنه من قبل المعتقلين وتحت اشراف حراسة مشددة خارج المعتقل وبدون مراسيم الدفن وخصوصاً في معتقل نقرة السلمان حيث كان الاموات يدفنون في حفر غير عميقة مما سهل للحيوانات الضارية و الكلاب من نبش هذه القبور واكل الاموات، وكان هناك نوع اخر من التعذيب النفسي الذي تعرض له المعتقلون وخاصة الامهات حيث كان الحراس يقومون باخذ الاطفال الصغار من امهاتهم لفترات من الزمن مما كان يؤدي بالامهات الى الصراخ والعويل وما صاحب ذلك من آلام نفسية قاسية وهناك قضايا اخرى كانت تحدث في هذه المعتقلات يندى لها جبين الانسانية وهي عمليات الاغتصاب التي كانت تطال الفتيات الشابات من قبل امراء وحراس هذه المعتقلات وهذا قليل من كثير مما عاناه المعتقلون واما البقية من ابناء وعوائل القرى الكردية التي تمت مهاجمتها فقد قتل منهم الآلاف وباقسى انواع الاسلحة تدميراً ما بين شيوخ واطفال ونساء واما البقية من العوائل الذين استطاعوا الهرب من قبضة القوات الماهجمة فان عددهم لايقل عن ذلك، فمن استطاع ان يعبر الحدود هرباً فقد نجا ومن لم يستطع فكان مصيره الموت. نساء حوامل ولدن في الطريق ومات مولودهن، اطفال لم يكن لهم القدرة على المشي لمئات الكيلومترات لعبور الحدود التركية والايرانية وماتوا في الطريق، شيوخ ونساء كهول مثلهم لم يكن لاحد منهم قبر يزوره اهله ويستذكرونه ويبكون عليه، استغفرك ربي... في كل لحظة وحين واتوب اليك، ماذا جرى لشعبي الصابر على يد مرتكبي هذه الجرائم والتي لم يسجل التأريخ مثل هذه الجرائم، تاريخ غير مشرف و وصمة عار بحق مرتكبيها لا يفعلها والله الا الجبناء وعديمي الرحمة والانسانية.

 

السيد الرئيس، السادة الاعضاء المحترمون...

بعد هذا العرض الموجز فان حملات الانفال تضعنا في مواجهة تساؤل خطير وهو سبق ان تم ترحيل اهالي القرى الكردية الى مجمعات سكنية قبل حملات الانفال لحرمان المقاومة الكردية من المأوى وكذلك لغرض مراقبة المجمعات لمنع اي اتصال او تعاون يجري بينهم وبين المقاومة، هذا هو الهدف المعلن من ترحيل اهالي القرى الى المجمعات ولو كان ذلك صحيحاً لوجب اسكان ابناء القرى التي اجتاحتها عمليات الانفال في المجمعات ايضاً اسوة بمن سبقهم، لكن في عمليات الانفال ارسلتهم بدلاًَ من ذلك الى الموت المرعب، قد يقال كان ذلك عقاباً لعدم امتثالهم للامر بترك قراهم والتوجه طوعاً الى المجمعات، لهيئة الادعاء العام اعتقادان في هذا الامر :

الاول : ليس من العدالة في شيء قتل امرئ كل ذنبه كان تعلقه بمسقط رأسه ومصدر رزقه.

الثاني:ما هو ذنب الاطفال ؟ لم يكن لهم اية ارادة في بقائهم في القرية او تركهم لها لذلك كانوا غير مذنبين فيما حصل ومع ذلك لم يختلف مصيرهم عن مصير آبائهم وامهاتهم، ربما في ذلك التبرير شيء من الوجاهة ولو بقدر ضئيل اذا تعلق الامر بشخص او شخصين او لنقل عشرة اشخاص، اما القضاء على عشرات الالاف نصفهم من النساء والاطفال فهذا يعني ان المسألة اعمق من ذلك.

 

السيد الرئيس، السادة الاعضاء المحترمون....

سبق ان ذكرنا بان قسماً من المحتجزين تم ارسالهم الى جهة مجهولة وقد استمرت مجهولية مصير هؤلاء المحتجزين عن ذويهم فترة طويلة جداً الى ان تم العثور على القبور الجماعية في مناطق مختلفة من العراق وعلى سبيل المثال في منطقة الحضر قرب الموصل والقبر الجماعي في نقرة السلمان. ان الخبراء المختصين في القبور الجماعية قاموا بانتشال بقايا جثث (123) ضحية من احد المواقع في منطقة الحضر قرب الموصل واضطروا الى ترك مالايقل عن (150) جثة ولم يعثر على جثث ذكور فيها، بل نساء واطفال فقط وتراوحت اعمار الاطفال بين الاجنة الى اطفال دون سن البلوغ، الضحايا في تلك القبور وجدت عليها الملابس التقليدية التي يرتديها الكرد و وجد ان بعضهم كان يحمل امتعة منزلية مما يشير الى انهم كانوا قد فروا من منازلهم وكذلك وجد الخبراء امتعة شخصية صحية والادوية التي عثر عليها في القبور كانت في غالبيتها للاطفال الرضع واشار تاريخ تصنيع تلك الادوية الى انها صنعت في شهر آب/1987 وهذا ما يؤيد صحة روايات الشهود بان الضحايا كانوا من ضحايا حملة الانفال بالاضافة الى ذلك تمكن خبراء الطي الشرعي من استعادة اوراق ثبوتية من القبر الجماعي في الحضر وهي اوراق الهويات الشخصية لتؤكد ان الضحايا في القبر الجماعي كانوا من قرية (جلمورت) التي تمت مهاجمتها خلال حملة الانفال الثانية وتؤكد الادلة التي عثر عليها في قبر جماعي آخر في منطقة الحضر انه تم العثور على ما لايقل عن (96) جثة ولم يتم فحص ما لايقل عن (150)جثة اخرى وكان جميع الضحايا في هذه المقابر هم من الذكور وهذا ما يؤكد انه كان يتم عزل الرجال عن النساء والاطفال وقد تبين ان كل جثة من الجثث التي تم انتشالها من القبر ان صاحبها كان يرتدي مزيداَ من الملابس التقليدية الكردية وخصوصاً جثث النساء حيث كانت ترتدي الملابس الكردية المعروفة بالوانها الزاهية البراقة. وفي مقبرة المثنى الجماعية كان اكثر من (90%) من الضحايا بعمر (12) سنة او اقل وتم العثور على اشياء شخصية مهمة واظهرت بطاقات الهوية الشخصية التي تم العثور عليها في القبر ان اصحابها كانوا من قريتي كليجان وحيدر اللتين تمت مهاجمتها خلال حملة الانفال الثالثة.

 

السيد الرئيس، السادة الاعضاء المحترمون..

الآن اصل الى نهاية بيان الافتتاح في هذه القضية الكبيرة، واود ان ابين اخيراً بان ابناء كردستان حين كان يتم جمعهم لنقلهم الى اماكن بعيدة كان العديد منهم يأملون ان تكون في مواقع آمنة، ادرك العديد من الكرد وحسرة كبيرة في داخلهم انهم كانوا متجهين الى مصير مجهول، الاباء كانوا يحاولون ان يبدوا شجعاناً ومبتهجين حتى حين كانت قلوبهم تتألم على المستقبل الذي ينتظر ابناءهم وهم يتركون بساتينهم و ممتلكاتهم الدنيوية، كان الاباء يحثون ابناءهم على اصطحاب اكثر الاشياء حباً الى قلوبهم ارادوا منهم ان يصطحبوا معهم شيئاً يذكرهم.

 احد هؤلاء الاطفال الذي سيبقى بلا اسم حتى نهاية التاريخ وجد في مقبرة الحضر الجماعية ممسكاً بكرة صغيرة وهو مستلق بالقرب من جثة امه المتحللة، وهناك صورة اخرى وهي صورة جثة طفلة والى جانبها الرضاعة الاصطناعية، هذه صورة من الصور المأساوية للاطفال المؤنفلين كما اعتاد الكرد استعمال هذا الاصطلاح وسوف نعرض لمحكمتكم الموقرة الصور والمستمسكات الخاصة بهذه القبور الجماعية عند عرض الوثائق حيث يتبين لمحكمتكم الموقرة بان هناك حوادث اعظم واكثر مأساوية وخصوصاً للاطفال الذين وجدوا في تلك المقابر ولا يسعني القول اخيراً الا قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم : [ واذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت ] صدق الله العظيم. وقال سيدنا المسيح عليه السلام (دعوا الاطفال يأتوا الي)، ولكن يا سيدنا المسيح لم يبق لهم اطفال حتى يأتوا اليك لقد ماتوا بالغازات السامة او دفنوا في رمال البادية الجنوبية عند الحدود السعودية او قتلوا برصاصات غادرة، ان ارواحهم الطاهرة البريئة الان حول العرش العظيم عند سدرة المنتهى مع الملائكة والرسل والصديقين اذهب انت اليهم انهم بحاجة الى عطفك وحنانك يا نبي السلام والمحبة والتسامح.

 سبحانك ربي استجير بك واستعين واعوذ بك من شر الشيطان الرجيم سبحان عظمتك وقدرتك، ان وعدك حق تمهل ولاتهمل.ولغرض الوصول الى مرتكبي هذه الجرائم نطلب من المحكمة الاستماع لاقوال الشهود والاطلاع على الادلة والوثائق الرسمية.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


14/04/2024