*طلال عبد الكريم العرب
قال الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون»، وقال عز من قائل: «إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور».
وهناك أحاديث وأقوال مأثورة تجرم الغدر والخيانة، لأنها فعلة شنيعة، آثارها مهلكة ومدمرة للأمم والممالك، فقال رسولنا الكريم في ذلك: «ينصب لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة، فيقال هذه غدرة فلان بن فلان بن فلان»، والحكمة في هذا أنه لما كان الغدر خفيا لا يطلع عليه الناس، فيوم القيامة يصير علما منشورا على صاحبه بما فعل، وهكذا يظهر الله للناس ما كانوا يسرونه من المكر ويخزيهم على رؤوس الخلائق.
أما العرب فقالت:
إذا أنت حملت الخؤون أمانــة...فإنك قد أسندتها شر مسند
وقيل: إذا خانك أحدهم مرة، فالذنب ذنبه، وإذا خانك مرتين فالذنب ذنبك، وقيل: خيانة القليل من الناس تضر كثيرهم، وأيضا قيل: لا تثق في الخونة ولو أيقنت من ولائهم لك، فالخائن هو من كان سببا في خطوة يخطوها العدو في أرض الوطن.
وهناك أمثلة عن وضاعة الخائن أمام من جنَّده، ففي إحدى المعارك تقدم من نابليون ضابط نمساوي، وسرب إليه معلومات أعانته على كسب معركته ضد وطنه، ولما جاءه ليتقاضى ثمن خيانته، رميت له على الأرض صرة من الذهب باحتقار، فقال النمساوي بوضاعة: ولكني أريد أن أحظى بمصافحة يد الإمبراطور، فقال له نابليون: يدي لا تصافح الخونة.
وهناك صفتان للخائن، الغدر والنفاق، فالغدر يتطلب الخيانة، والخيانة تتطلب النفاق، وهي من أقبح وأرذل الصفات التي قد تجتمع عند إنسان، فخيانة الوطن هي أعظم وأكبر مما تحتمله أي نفس، وخائن الوطن بائع لعرضه وشرفه، فالبشر أجمعوا على مقت الخائن، فكل فعل شائن يمكن للمرء أن يجد مبررا لفاعله، إلا خيانة الوطن فلا مبرر لها.
فخيانة الوطن لا تُبرر، بل إن تبرير الخيانة هي خيانة بحد ذاتها، خيانة الوطن لا تسامح فيها، وإنزال القصاص العادل على خونة الأوطان واجب وطني لا تنازل عنه، وهو العلاج لكل غادر، فلا يوجد بلد في العالم تنازل عن حقه في القصاص من الخونة.
نقول: من لم يعجبه العيش في بلد أكل من خيراته، وتربى على أرضه، وتعلم في مدارسه، وتشرف بحمل جنسيته، فليبتعد بشروره عن ديارنا وأهالينا، وليرحل إلى حيث ألقت، فلا مكان للخونة بيننا، ولا عيش للمتعاونين معهم، ولا مكان للخائن عندنا، فمن خاننا فليس منا.
*صحيفة"القبس"الكويتية