*محمد شيخ عثمان
يلعب الإعلام دورا محوريا في بث روح التآخي والتعايش بين مكونات المجتمع المختلفة ويساهم إيجابيا في بناء مجتمع متماسك ومتسامح حيث يعيش الجميع بسلام واحترام متبادل وقبول الاخر .
بعكس الوسائل الاعلامية في مجتمع متجانس واحد ، هنالك مهام دقيقة وحساسة على الوسائل الاعلامية في مجتمع متعدد المكونات والاطياف والمذاهب نظراً للتنوع والتحديات المختلفة التي يواجهها كل نوع من المجتمعات، ففي الاول يركز الإعلام على تعزيز الهوية الوطنية أو الثقافية والانسجام الاجتماعي ويميل إلى التركيز على قضايا تهم غالبية السكان من المكون الواحد اضافة الى ممارسة دور في تعزيز الفخر بالتراث الثقافي والتاريخي وتقوية الشعور بالانتماء.
ولكن في مجتمع متعدد القوميات، الاعلام محكوم بان يكون أكثر تنوعا وشمولية ويعمل على تعزيز التفاهم المتبادل والتعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع حيث يواجه تحديا في تمثيل جميع المكونات بشكل عادل ومن مهامه ان يكون شاملاً ويسعى من اجل إبراز الثقافات والقيم المختلفة لجميع المجموعات.
وفي استراتيجية إدارة التنوع يحتاج الإعلام إلى الحذر في تناول القضايا الحساسة التي قد تؤدي إلى النزاعات بين القوميات المختلفة، والعمل على معالجة تلك القضايا بحكمة ومسؤولية ومن اجل تعزيز التعايش والتفاهم عليه ان يلعب دورا حيويا في بناء جسور التفاهم بين تلك المكونات عبر تسليط الضوء على القيم المشتركة وتعزيز الحوار بين الثقافات المختلفة.
وتمثل مكافحة التمييز والتحيز مهمة ملحة وشاقة لهذا النوع من الإعلام في مجتمع متعدد القوميات والذي ينبغي ان ينبري للتصدي للتحيزات السياسية والتمييز العرقي أو الثقافي، والعمل على نشر رسائل تدعو إلى التعايش والاحترام المتبادل.
للوصول الى تلك الاهداف المنشودة يجب على هذا الاعلام اتباع خمس سبل كركيزة اساسية لهويته ومهامه وهي: تسليط الضوء على النماذج الإيجابية، مواجهة التعصب والتحيز، تشجيع الحوار، تعزيز القيم المشتركة،واخيرا التوعية والتثقيف المستمر،وبذلك يفلح الإعلام في المساهمة في تقليل الانقسامات الاجتماعية و يعزز الفهم والاحترام المتبادل.
انطلاقا من هذه الحقائق بامكاننا معرفة وادراك المسؤولية الملقاة على عاتق فضائية كركوك ومؤسستها الاعلامية التي نحتفل بذكرى انطلاقتها في كل عام وفي هذا اليوم بفخر واعتزاز ،فمنذ قرار تاسيسها في اجتماع للرئيس مام جلال مع مكتب اعلام الاتحاد الوطني الكردستاني (كنت احد الحاضرين فيه) ،اختارت هذه الفضائية هويتها الجامعة لجميع مكونات كركوك كردا وتركمانا وعربا وكلدواشوريين دون تمييز واستثناء واتخذت استراتيجية تعزيز روحية التنوع والتاخي والتعايش المشترك بين تلك المكونات ولم تنطلق لتكون منبرا للكرد فقط بل للعمل ضمن النهج الوطني للرئيس مام جلال بان تكون منبرا لهذه المكونات ووسيلة فاعلة وحيوية لبث روح الاخوة والتفاهم المشترك بمايخدم تعددية كركوك وتكريس الاخوة بين الكركوكيين وهذا ما اوصى به الرئيس مام جلال به في يوم افتتاحه لفضائية كركوك بتاريخ 3/9/2011 حيث قال :"ان فضائية كركوك تعد مكسبا آخر للكركوكيين وهدية آخرى من الاتحاد الوطني الكردستاني لمدينة كركوك الحبيبة وجميع الكركوكيين بلااستثناء " واعتبرها "خطوة ووسيلة فعالة ومؤثرة لتعميق عرى الاخوة بين الكرد والتركمان والعرب والكلدوآشوريين والارمن والصابئة وتعميق العلاقات بين اديان ومذاهب ابناء كركوك، لأننا أعلنا على الدوام وباستمرار أن مستقبل كركوك هو مستقبل تعايش الكركوكيين".
واشترط الرئيس مام جلال تعدد اللغات في هذا القناة قائلا :"بما أنها باللغات الكردية والتركمانية والعربية والسريانية ويعمل فيها شباب وشابات هذه القوميات الأربع، ستكون قناة للقوميات الاربع وقناة تعكس صوت جميع الاشخاص والاطراف السياسية الكركوكية الساعية ومن خلال الاستناد الى الدستور، لاختيار مستقبل كركوك والحفاظ على تآخي وتأريخ الكركوكيين الاصلاء".
وحدد الهدف الرئيسي لتأسيس هذه القناة بـ:" إعادة روح الاخوة وروح التفكير معا واتخاذ القرار حول مستقبل كركوك مع الاخذ بنظر الاعتبار المادة (140) من اجل تعزيز تلك الروح الاخوية والألفة الاجتماعية للحد من تأثير السياسة الراهنة لبعض الاطراف التي تريد ابقاء مشكلة كركوك معلقة ومن دون حل كما هي الآن ومنع ازدهار وتطور وتقدم كركوك".
لم تخرج فضائية كركوك ومؤسستها الاعلامية عن المحددات والركائز التي اوصاها الرئيس مام جلال بشان هوية القناة رغم المشاكل والصعاب مثلما لم تتغير قناعات قيادة الاتحاد الوطني وفي مقدمتها الرئيس بافل طالباني ازاء اهمية استمرار هذه القناة والابقاء على هويتها الحالية .
في كركوك هنالك فضائيات وقنوات اعلامية لبقية المكونات مهمامها مختلفة عن قناة كركوك ،فهذه الفضائيات تعمل من اجل اهداف مكونها فقط وتدافع عن حقوقها وقناعاتها ورؤيتها لادارة ومستقبل المحافظة، بينما تعتبر قناة كركوك الوسيلة الاعلامية الاولى التي تريد تمثيل جميع المكونات وتهتم بشكل اساسي بتعزيز لغة الحوار والتفاهم وتنبذ التعصب وتناقش الآثار السلبية للتحيز والتمييزواصبحت منبرا للنقاش المفتوح بين مختلف مكونات المجتمع، مما يساعد على تبادل الأفكار وبناء جسور التواصل.
لقناة كركوك ومؤسستها الاعلامية هدفان ساميتان وهما :
- التمثيل الحقيقي لجميع المكونات والتمسك بمهمة بث روح التاخي والتعايش ونبذ التفرقة ليس في كركوك بل في جميع المناطق المتنازع عليها .
-الاهتمام المستمر بملف المادة 140 من الدستور العراقي وضروة تنفيذها بالسبل التي تحفظ وتعزز التعايش وكذلك الدفاع عن الحقائق و الهوية الكردستانية لتلك المناطق ضمن الدولة العراقية الاتحادية بالاستناد الى الوثائق والخرائط الثبوتية .
لانجافي الحقيقة اذا قلنا ان قناة كركوك في مهمة وطنية واعلامية شاقة وحساسة لايحسد عليها وتستحق الشكر والثناء من الجميع لما تبذلها وتمارس دورها بمهنية ثابتة وثاقبة في فضاء اعلامي فوضوي وهذا مبعث فخر واعتزاز كل من يريد الخير والوئام والاخوة والتعايش في كركوك.
*رئيس تحرير مؤسسة "المرصد"الاعلامية
*marsaddaily.com