×

  تركيا و الملف الکردي

  «قسم الولاء لأتاتورك» يشغل تركيا



*د. محمد نور الدين

 

 

في الـ30 من آب الماضي، خرّجت المدرسة الحربية البرية التابعة لجامعة الدفاع الوطني في تركيا، برعاية رئيس الجمهورية، رجب طيب إردوغان، دفعة جديدة من الضباط برتبة ملازم.

ومع انتهاء مراسم الحفل، تداعى الضباط الجدد إلى التجمّع، وسحبوا سيوفهم من أغمادها، مطلقين هتاف «نحن جنود مصطفى كمال».

ومع انتشار هذا المشهد في وسائل الإعلام المختلفة، تحوّل إلى مادة سجال داخلي، وصل إلى درجة اعتبار ما حصل «انقلاباً» يستدعي «تنظيف» الجيش من القائمين عليه.وإذ لم تستدع «الحادثة» ابتداءً من وزارة الدفاع أيّ إجراء داخلي، فإن تفاقم الجدل اضطرّ الوزارة إلى إصدار بيان، الخميس الماضي، قالت فيه إنه «إذا كان هناك من قصور وثغرات، فيجب اتّخاذ المقتضى من الإجراءات».

 وتوعّد البيان بملاحقة «كل مَن حاول استغلال مناسبة التخرّج للتقليل من سمعة الجيش الذي يخوض معركة الدفاع عن الوطن في هذه الأيام»، مضيفاً أن «القوات المسلحة ستبقى ملتزمة بالدستور والقوانين، ووفيّة للقيم الوطنية والمهنية، ومسترشدة بمبادئ أتاتورك وثورته، وملتزمة بأوامر رئيس الجمهورية».

غير أن السجال لم ينتهِ هنا، بل بلغ ذروته، السبت الماضي، حين كان رئيس الجمهورية يخطب في احتفال لشورى «إمام خطيب» الـ21، وتساءل: «في وجه مَن يشهر المستثمرون سيوفهم؟ هذا لا يمكن أن يوجد داخل جيشنا.

كيف وصلنا إلى هنا؟ سنتّخذ خطواتنا من أجل تنظيف هؤلاء الذين لا يعرفون أنفسهم، بالسرعة اللازمة».

 ثم انتقد إردوغان وسائل الإعلام كما مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً إن «هذه الوسائل تحوّلت إلى سلاح احتلال في خدمة النوايا الشريرة.

وهي تعمل على الاعتداء على وطننا باستهداف مؤسسة العائلة، وهي مثل الورم الخبيث تستهدف إيمان شُبّاننا. لكن ذلك يجعل إيماننا أقوى».

وبعد كلمة الرئيس، جاء الدور على الناطق باسم «حزب العدالة والتنمية»، عمر تشيليك، الذي قال إن «التحقيق سيجري في ما إذا كان هذا الأمر يستهدف السلطة وينتهك النظام.

 وفي حال ثبت الانتهاك، ستُتّخذ في حقهم الإجراءات اللازمة»، لأن «أكبر خطأ يُرتكب هو أن توجّه قوة مسلحة السلاح إلى الأمة».

 وتساءل تشيليك: «هل هذا انقلاب، عصيان، إخلال بالنظام، عن قصد، عن إهمال؟ هذه مصطلحات مختلفة وسنحقّق في الأمر.

 من الواضح أن أداء اليمين لاحقاً هو انتهاك كامل للنظام»، مضيفاً أن «نظام الوصاية العسكرية عبر الجيش، ألحق الضرر أولاً بالمؤسسة العسكرية»، فيما «اعتبار يمين الضباط رسالة إلى إردوغان هو محاولة إحياء نظام الوصاية، ونحن ندرّب هؤلاء من أجل حماية الوطن.

 إن حساسيتنا كبيرة جداً تجاه أيّ وصاية داخل القوات المسلحة. عندنا تجربة كبيرة، ولن نساعد على انتهاك النظام. وإظهار الاحترام لأتاتورك لا يعني أنه رسالة إلى إردوغان».

 

موقف المعارضة

في المقابل، سارعت المعارضة إلى الردّ على ما قاله إردوغان؛ إذ قال رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، إن «إردوغان انتظر ثمانية أيام، إلى أن جاء يريد التضحية بالضباط الشبان من أجل غاياته السياسية.

هذا عمل غير أخلاقي وبلا ضمير. أمّتنا لن تنسى ولن تصفح. تخلّوا عن هذا». بدوره، رأى رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، أن «الولاء لمصطفى كمال أتاتورك هو فوق السياسة.

 وقد أراد الضباط الشباب أن يعبّروا بحماسة في اليوم الأكثر فرحاً بالنسبة إليهم. لا تحوّلوا كل خطوة إلى محاولة انقلاب».

 وأضاف: «سوف نتحرّر في أول انتخابات من الذهنية التي كانت تقول بالأمس قاتل واليوم تقول أخي (في إشارة إلى ما كان يقوله إردوغان عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي)، والتي تستخدم كل شيء من أجل المنافع السياسية الضيقة».

وأوضح المدّعي العام العسكري السابق، أحمد زكي أوتشوق، من جهته، أن «القسم الذي تُلي في الـ30 من آب الماضي، بدأ للمرة الأولى في عام 1995 من قِبَل أحد الطلاب المتخرّجين.

 وفي العام التالي، ونظراً إلى أنه قد حاز إعجاب الجميع، تمّ اعتماده قسماً رسمياً. وبعد محاولة الانقلاب عام 2016، ألغيت تلاوة القسم بين عامَي 2016 و2020. وبعدها، أعيدت تلاوته عامَي 2021 و2022، ثم ألغي في عام 2023 نهائياً من برنامج التخرّج. هذا النص لم يشكل على امتداد 24 عاماً أيّ عنصر اتهام». ووفق أوتشوق، فإن «الأرشيف موجود، حيث كان القسم يُتلى بحضور رئيس الجمهورية لمدة 15 عاماً، بل كان يُصفق له. فكيف تحوّل اليوم هؤلاء إلى محرّضين وانقلابيين؟ ويجيء إردوغان بعد سبعة أيام ليحرّض عليهم بما يخالف القانون والضمير». واعتبر أن «تهديد إردوغان بتنظيف الجيش من هؤلاء لا سند قانونياً له. إذا حصل ذلك، فسيكون مخالفاً للضمير وعملاً سياسياً سيئاً».

وفي صحيفة «حرييت» الموالية، يقول نديم شينير إن «مصادر وزارة الدفاع ذكرت أن الطالبة إيبرو إر أوغلو كانت تحفظ القسم غيباً وتتلوه أمام زملائها بصورة منظّمة للغاية. هذا قد يدلّ على أن الأمر منظّم مسبقاً، وتشير أصابع الاتهام إلى جماعة فتح الله غولين». أما إيبرو نفسها، فتؤكد أنها لا ترتبط وزملاءها بأيّ جماعة، وأنها غير نادمة على ما فعلته، وسط معلومات تقول إن قائد المدرسة الحربية البرية، استدعاها بعد الاحتفال وسألها عن سبب فعلتها.


11/09/2024