×

  بحوث و دراسات

  الاتجاهات المحتملة للتفاعلات العالمية خلال الربع الرابع من عام 2024



توقعات ستراتفور

 

*مؤسسة ستراتفور للبحوث الاستخباراتية

تتصاعد الأزمات في النظام الدولي الراهن؛ وذلك في ظل استمرار الصراع في منطقة الشرق الأوسط واحتمالات توسعه في ظل التصعيد الراهن بين إسرائيل وحزب الله، وكذلك حالة الجمود في المفاوضات الخاصة بحرب غزة، ناهيك عن استمرار الحرب في أوكرانيا. علاوة على ذلك، لا تزال العديد من الدول تواجه أزمات اقتصادية حادة. كما أن استمرار التنافس الصيني الأمريكي في مناطق عديدة يؤثر بالسلب على استقرار عدد من المناطق وخاصة في منطقة الهندوباسيفيك وأفريقيا.

وفي هذا الصدد، يتناول تقرير "التوقعات الجيوسياسية للربع الثالث من عام 2024"، المنشور من جانب مؤسسة ستراتفور، في سبتمبر 2024، الملامح المحتملة للتفاعلات العالمية خلال الربع الرابع من العام، حيث يرجح أن تستمر الصراعات القائمة وتأثيرها على النظام الدولي ومدى استقراره، ويتوقع أن يكون هناك المزيد من التوترات بين الصين والولايات المتحدة فيما يتعلق بزيارة أعضاء الكونجرس إلى تايوان ودعم المؤسسات الصينية المالية لروسيا. ناهيك عن استمرار التحديات الاقتصادية التي يواجهها عدد من الدول.

 

اتجاهات رئيسية

 

يشير التقرير إلى عدد من الاتجاهات العامة والرئيسية للتفاعلات العالمية المتوقعة خلال الربع الرابع من عام 2024، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

 

1- احتمالات توسيع واشنطن الدعم لأوكرانيا بعد الانتخابات:

 من المرجح بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية قيام الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، الذي سيظل في منصبه حتى 20 يناير 2025، بتوسيع دعمه لأوكرانيا، وخاصةً إذا فاز الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب بالانتخابات، فمن المرجح أيضاً أن تسمح إدارة بايدن لأوكرانيا بشكل أكثر صراحة باستخدام الأسلحة التي يوفرها الغرب في عمق روسيا، ومن المرجح أيضاً أن تسعى إلى تقديم دعم مالي إضافي لكييف (رغم أن هذا من المرجح أن يواجه مقاومة كبيرة في الكونجرس).

 

2- إمكانية فرض بايدن ضغوطاً أوسع على إسرائيل:

 صحيح أنه من غير المرجح أن تتخذ إدارة بايدن المنتهية ولايتها أي قرارات كبرى قد تؤثر سلباً على حملة نائبة الرئيس الأمريكي والمرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس. ولكن بعد التصويت، سيكون البيت الأبيض أكثر استعداداً لزيادة الضغوط على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة، والحد من التوترات مع حزب الله في لبنان والحكومة الإيرانية.

 

3- استمرار التوترات بين الولايات المتحدة والصين:

سوف تستمر التوترات مع الصين خلال الأشهر الأخيرة من إدارة بايدن، حيث قد يفرض البيت الأبيض عقوبات على بعض المؤسسات المالية الصينية المتورطة في تسهيل تجارة روسيا في السلع ذات الاستخدام المزدوج. وقد تؤدي هذه العقوبات إلى رد فعل انتقامي من الصين، مما قد يستهدف الشركات الأمريكية. وربما يسعى ترامب في حال فاز في الانتخابات بإرغام الحكومات والشركات على تسريع خطط الطوارئ الخاصة بها حال الزيادة المحتملة في التعريفات الجمركية الأمريكية على الواردات الصينية، بما في ذلك تنويع الاقتصاد.

 

4- مواصلة البنك الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي تخفيف السياسات النقدية:

سيواصل البنك الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي تخفيف السياسات النقدية، مما سيؤدي إلى تحسين توقعات تمويل الاقتصادات الناشئة والنامية، على الرغم من أن مخاطر الاضطرابات الاجتماعية والسياسية ستظل مرتفعة في البلدان التي تواجه صعوبات مالية. ومن شأن تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا أن يسمح لكلا البنكين بمواصلة خفض أسعار الفائدة.

 

5- احتمالات مواجهة بعض الدول صعوبات تمويلية:

من المتوقع أن تواجه بعض البلدان، مثل جزر المالديف وبنجلاديش، صعوبات تمويلية بسبب ضعف سياسات الاقتصاد الكلي والإفراط في الاقتراض. كما ستظل الحكومات ملتزمة على نطاق واسع بإصلاحات صندوق النقد الدولي، ولكنها سوف تقوم إذا لزم الأمر بتعديل سياساتها لتحييد المعارضة الاجتماعية والسياسية، حتى تظل ملتزمة باتفاقيات صندوق النقد الدولي.

وبحسب التقرير ستظل مخاطر حدوث اضطرابات متفرقة عالية في البلدان المستفيدة من برامج صندوق النقد الدولي، بغض النظر عما إذا كانت تخضع لإعادة هيكلة ديونها مثل غانا وسريلانكا، أو خضعت إلى حد كبير أو لم تضطر إلى ذلك مثل مصر وباكستان.

 

6- توقعات بتوصل "COP29" لاتفاق بشأن تمويل جديد للعالم النامي:

من المرجح أن تكون المفاوضات بشأن التوصل إلى اتفاق ليحل محل التعهد السابق للدول الغنية، بتقديم 100 مليار دولار لتمويل المناخ سنوياً للعالم النامي في 2025، هي أهم بند للمناقشات في قمة المناخ القادمة التي ستعقد في "باكو" بأذربيجان في الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر، وقد تقوم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدفع الدول الصناعية غير المدرجة حالياً في مجموعة الدول المتقدمة في إطار الأمم المتحدة لتغير المناخ، بما في ذلك الصين والسعودية، للمساهمة، ولكن من غير المرجح أن تكون هذه المساهمة رسمية. وربما تنعكس الانتخابات الأمريكية على المحادثات المناخية، فمن شبه المؤكد أن يؤدي فوز "ترامب" بالانتخابات إلى تراجع الاهتمام الأمريكي بدعم أي خطط في هذا الشأن.

 

أزمات الشرق الأوسط

 

يُشير التقرير إلى عددٍ من الاتجاهات المحتملة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي:

1- استمرار الصراع في غزة ولبنان في الفترة المقبلة:

 تتجه الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط نحو مزيد من التوترات، حيث يستمر التصعيد في غزة وتتزايد الضغوط بين الأطراف المتنازعة، مما يهدد بإطالة أمد الصراع. ومن غير المرجح التوصل إلى وقف إطلاق نار في المستقبل القريب، حيث ترفض حماس مطلب إسرائيل بالاحتفاظ ببعض القوات في القطاع لمنع عودة التهديد المسلح، وهو ما يعقّد إمكانية الوصول إلى اتفاق. وفي لبنان تستمر التوترات بين حزب الله وإسرائيل، حيث تسعى إسرائيل إلى إجبار حزب الله على الدخول في مفاوضات بشأن الانسحاب من الحدود، بينما يواصل حزب الله دعم حماس ومقاومة تلك الضغوط.

ومن المرجّح حدوث المزيد من الاشتباكات العلنية والسرية بين إسرائيل وإيران، عبر استهداف إسرائيل المزيد من المسؤولين العسكريين الإيرانيين والبنية التحتية التي تدعم تهديد الصواريخ والطائرات بدون طيار، فيما ترد إيران بضربات محدودة عبر مسيرات وصواريخ تستهدف زيادة الآثار السياسية دون إثارة صراع إقليمي شامل.

قد يؤدي الضغط الإسرائيلي المستمر على حماس، بما في ذلك اغتيال المزيد من القادة واستمرار الدعم الأمريكي للحملة في غزة، إلى وقف إطلاق النار بشروط إسرائيلية. وإذا تحقق ذلك، فمن المحتمل أن يتبعه تهدئة إقليمية من جانب حزب الله وإيران. ومع ذلك، على الرغم من أن كلاً من إسرائيل وحزب الله لا يسعيان لحرب شاملة، فإن استهداف أهداف حساسة سياسياً، مثل القادة رفيعي المستوى أو المدنيين، قد يدفع الطرفين بسرعة نحو تصعيد واسع وحرب مفتوحة.

 

2- توقعات بإصلاحات اقتصادية محدودة في إيران:

 من المتوقع أن ينفذ الرئيس الإيراني "مسعود بزشكيان" بعض الإصلاحات الاقتصادية المتواضعة، لكن التقدم في القضايا الاجتماعية سيكون محدوداً. وتشير سياسة "بزشكيان" التكنوقراطية إلى أن حكومته ستركز على السياسات الاقتصادية خلال هذا الربع. ومن المتوقع أن يصدر "بزشكيان" أول مقترح له للميزانية، والذي سيتضمن خططاً للإصلاح الاقتصادي، والتي من المرجح أن تستلزم تخفيضات مستهدفة في الميزانية وربما انخفاضاً في حصة ميزانية الجيش الإيراني رسمياً على الأقل، رغم أن التمويل الفعلي قد لا يتأثر كثيراً. ومن غير المتوقع أن تشهد إيران إصلاحات اجتماعية أو سياسية كبيرة في هذا الربع، حيث تشير تشكيلة حكومة "بزشكيان" إلى عدم الرغبة في تحدي النظام السياسي الإيراني المحافظ.

 

3- الجمود المستمر في الملف النووي الإيراني:

من المرجح أن يستمر الجمود فيما يتعلق بالملف النووي خلال الربع الأخير من عام 2024، حيث ستعتمد أي انفراجة في المستقبل على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فمن المحتمل أن يؤدي فوز نائبة الرئيس "كامالا هاريس" إلى زيادة فرص التوصل إلى اتفاق نووي جديد.

ربما سيحاول "بزشكيان" التواصل مع الولايات المتحدة لبدء مفاوضات، إلا أنه من غير المرجح أن تنخرط إدارة "بايدن" بجدية في تلك المحادثات قبل الانتخابات، وربما حتى بعدها إذا استمرت التوترات في غزة، وفي حال فوز الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" ستتضاءل فرص التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، في حين أن فوز "كامالا هاريس" سيزيد من احتمالية التوصل إلى اتفاق طويل الأمد، حيث من المرجح أن تسعى حكومة "هاريس" إلى اتباع خيارات دبلوماسية مع إيران، لكن من غير المتوقع أن يتم أي تقدم على المدى القصير بسبب استمرار الصراع بين إسرائيل وحماس.

 

4- استمرار التحديات الاقتصادية لتركيا:

 يواجه البنك المركزي التركي ضغوطاً من الشركات الناشئة لخفض أسعار الفائدة، إلا أنه من غير المرجح أن يقوم بذلك على الفور، وعلى الرغم من انخفاض التضخم تدريجياً، فإنه لا يزال مرتفعاً نسبياً، ما يدفع البنك المركزي إلى التريث في خفض الفائدة، حتى مع تباطؤ النمو الاقتصادي في تركيا، وقد أيد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، الذي عارض سابقاً أسعار الفائدة المرتفعة، برنامج تركيا متوسط الأجل الصادر في شهر سبتمبر 2024، وهو عبارة عن خارطة طريق تحدد السياسة الاقتصادية الكلية لتركيا لمدة 3 سنوات، والتي أعطت الأولوية لمكافحة التضخم وتعزيز النمو في القطاعات الرئيسية بما في ذلك الزراعة والصناعة والسياحة، ومن خلال الحفاظ على سياستها النقدية الصارمة، من المرجح أن ينخفض معدل التضخم في تركيا بشكل أكبر بحلول نهاية العام، ولكن من شأنه أيضاً أن يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وخاصة في قطاعي التصنيع والسيارات، بسبب أسعار الفائدة المرتفعة التي من المرجح أن تستمر الشركات والمستهلكون في مواجهتها.

 

السياسة الأوروبية

عرض التقرير أهم ملامح السياسة الأوروبية المتوقعة وذلك على النحو التالي:

 

1- مواجهة الحكومة الفرنسية عدة تحديات لتمرير ميزانية عام 2025:

 ستكافح الحكومة الفرنسية، بحسب ستراتفور، لتمرير ميزانية البلاد لعام 2025 في البرلمان المنقسم بشدة، والذي نشأ عن الانتخابات البرلمانية المبكرة في يوليو 2024. ويعد السيناريو الأكثر ترجيحاً في هذا السياق هو أن تفشل الحكومة في تمرير الميزانية، ثم تسعى إلى الحصول على موافقة البرلمان على الأقل لمواصلة تحصيل الضرائب وإصدار المراسيم الخاصة بالإنفاق العام الأساسي على أساس شهري إلى أن يتم تمرير ميزانية جديدة.

وهناك احتمال لأن تضطر الحكومة إلى استخدام الصلاحيات الدستورية لتجاوز تصويت البرلمان، وهو ما قد يحول دون وقوع أزمة مالية ولكن من شأنه أيضاً أن يزيد من خطر الاضطرابات الاجتماعية الكبيرة، حيث قد يؤدي إلى تصويت بحجب الثقة من الممكن أن يطيح بالحكومة. وعلى صعيد آخر، قد يتم التوصل إلى ميزانية من خلال وصول الحكومة إلى حل وسط بين القوى المعتدلة في البرلمان.

 

2- بدء بريطانيا محادثات لإعادة ضبط العلاقات مع الاتحاد الأوروبي:

 ستبدأ بريطانيا محادثات مع الاتحاد الأوروبي لإعادة ضبط العلاقات بين الجانبين كما أشار رئيس الوزراء البريطاني "كير ستارمر". وستكثف الحكومة البريطانية جهودها الدبلوماسية في هذا الصدد خلال الربع الرابع من عام 2024، حيث ستطلق رسمياً مناقشات مع بروكسل لتحسين العلاقات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بينما تسعى إلى إبرام اتفاقية دفاع ثنائية مع ألمانيا، من الممكن أن تقدم مخططاً لاتفاقية أمنية أوسع نطاقاً على مستوى الاتحاد الأوروبي في عام 2025.

 

3- اتجاه بريطانيا لتعزيز التعاون مع الشركاء من خارج أوروبا:

ستتجه بريطانيا نحو إبرام المزيد من الصفقات التجارية مع الشركاء خارج أوروبا بالتوازي مع مساعيها الدبلوماسية لإعادة ضبط العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن تتسارع وتيرة المفاوضات مع الهند ودول مجلس التعاون الخليجي خلال الربع الرابع من عام 2024. وبالإضافة إلى ذلك، ستنضم بريطانيا رسمياً إلى الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ.

 

4- اعتزام الحكومة البريطانية زيادة الضرائب وخفض الإنفاق:

 ستقدم الحكومة البريطانية أول ميزانية لها في أكتوبر 2024، والتي من المرجح أن تتضمن زيادات ضريبية وخفض الإنفاق وسط وضع مالي أكثر صرامة واستمراراً لنهج الحكومة السابقة، حيث أعلن حزب العمال الحاكم اعتزامه الحفاظ على الانضباط المالي. وقد تعهدت مستشارة الخزانة "راشيل ريفز" بعدم زيادة ضرائب الدخل أو ضريبة القيمة المضافة أو التأمين الوطني، مما يعني أن الزيادات من المرجح أن تكون على المعاملات المالية ومكاسب رأس المال والميراث. وكذلك فالتدابير المخطط لها قد تتضمن زيادة ضريبة الأرباح غير المتوقعة على شركات الطاقة، وإنهاء الاعتمادات الضريبية للمدارس الخاصة، والتخلص التدريجي الكامل من نظام الضرائب لغير المقيمين.

 

5- احتمالية نشوب توترات داخلية في بولندا مع تزايد أعداد اللاجئين الأوكرانيين:

من المتوقع أن تشهد بولندا توترات اجتماعية وسياسية في الداخل، بالتزامن مع تدفق المزيد من اللاجئين الأوكرانيين الذين يفرون من ظروف الشتاء القاسية وسط تدهور البنية التحتية للطاقة بسبب الهجمات الروسية. ومن شأن هذا التوترات أن تشكل تحدياً لمدى التزام رئيس الوزراء البولندي "دونالد توسك" بتقديم الإغاثة الإنسانية لأوكرانيا.

 

6- خلافات محتملة بين الائتلافات الحاكمة في ألمانيا وإيطاليا بسبب ميزانية 2025:

من المحتمل أن تنشب خلافات بين الحكومات الائتلافية في كل من ألمانيا وإيطاليا بسبب ميزانية عام 2025. ففي ألمانيا، ستسعى الحكومة إلى الحصول على موافقة برلمانية على ميزانية عام 2025 تتضمن فجوة تمويلية تبلغ 12 مليار يورو (حوالي 13 مليار دولار)، وإصلاحاً مكلفاً للمعاشات التقاعدية يربط مستوى المعاش التقاعدي الأدنى بالأجر المتوسط حتى عام 2039، وكلاهما قد يواجه مقاومة في اللحظة الأخيرة في البرلمان، ويسبب توترات متجددة داخل الائتلاف الحاكم.

وفي إيطاليا، ستنفذ الحكومة تدابير ادّخار مؤلمة كجزء من خطة التكيف المالي للحد من عجزها الهيكلي، بما في ذلك خفض الإنفاق وتعديل سن التقاعد لبعض الفئات. وقد تؤدي هذه التدابير إلى خلافات داخل الحكومة الائتلافية، وخاصة حول الانتخابات الإقليمية في "ليجوريا" و"إميليا رومانيا". وفي كلا الحالتين، من غير المرجح أن تنهار الائتلافات الحاكمة في ألمانيا أو إيطاليا نتيجة للمناقشات المتوترة بشأن الميزانية خلال الربع الرابع من 2024.

 

تحولات أوراسيا

 

يتوقع أن تشهد التفاعلات في أوراسيا متغيرات رئيسية متمثلة فيما يلي:

 

1- تكثيف الضربات العميقة في الحرب الروسية الأوكرانية مع حلول فصل الشتاء:

 سوف تبطئ روسيا وأوكرانيا العمليات الهجومية مع حلول فصل الشتاء، مما يؤدي إلى تكثيف الضربات العميقة، مع استهداف روسيا للبنية التحتية للطاقة في أوكرانيا. وستواصل القوات الروسية العمليات الهجومية خلال النصف الأول من الربع الرابع من عام 2024 نحو "بوكروفسك" و"توريتسك" في "دونباس"، فضلاً عن تحسين مواقعها في منطقة "خاركيف" وحول توغل أوكرانيا في منطقة "كورسك".

ولكن من غير المتوقّع أن يحدث اختراق روسي كبير، حيث ستصد القوات الأوكرانية معظم هذه الهجمات. وفي النصف الثاني من الربع، سوف تتباطأ وتيرة العمليات الروسية والأوكرانية مع تفاقم برودة الطقس، وهو ما سيعوضه كل جانب بتوسيع حملة الضربات العميقة إزاء الجانب الآخر.

 

2- استبعاد إمكانية تحقق مفاوضات جادة لوقف إطلاق النار في الحرب الأوكرانية:

من المستبعد أن تتحقق مفاوضات جادة لوقف إطلاق النار في الحرب الأوكرانية، حيث ستسعى القوات الأوكرانية في "كورسك" إلى أن تتحصن وتلحق خسائر بالقوات الروسية. ومن المرجح أن تزيد الولايات المتحدة من مدى فاعلية الضربات الأوكرانية من خلال توريد صواريخ جو-أرض مشتركة، وتخفيف القيود المفروضة على مدى استخدام الصواريخ الباليستية. وفي السياق ذاته، وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأمريكية، ستسعى إدارة الرئيس الحالي "جو بايدن" إلى دعم أوكرانيا في أسابيعها الأخيرة، والدفع نحو حزمة دعم تكميلية أخرى.

 

3- توقعات بفوز حزب "الحلم الجورجي" الحاكم في الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2024:

من المرجح أن يحصل حزب "الحلم الجورجي" وحلفاؤه على مقاعد كافية في الانتخابات البرلمانية التي ستُعقد في أكتوبر 2024 لتشكيل حكومة، ما يعني، بحسب التقرير، أن البلاد في اتجاهها لأن تصبح أكثر سلطوية وعزلة عن الغرب في ظل قمع حكومتها الجاري للمعارضة. ونتيجةً لذلك، قد تنظم أحزاب المعارضة احتجاجات واسعة لاتهام الحزب الحاكم بالاحتيال، فيما ستعتبر الحكومة وقوات الأمن أن المعارضة تريد زعزعة استقرار البلاد، وهو ما ستستخدمه لتبرير حملات القمع الشديدة المتوقعة ضد الاحتجاجات.

 

4- مواصلة مولدوفا تحركاتها للتقارب مع الاتحاد الأوروبي:

 ستؤكد مولدوفا نيتها تعزيز التقارب مع الاتحاد الأوروبي وتعزيز اندماجها الغربي، خاصةً وأنه من المرجح أن يتم إعادة انتخاب الرئيسة الحالية للبلاد "مايا ساندو" في الانتخابات الرئاسية القادمة، حتى لو تمت الانتخابات في جولتين. ومن المتوقع أن يؤدي فوزها إلى احتجاجات صغيرة النطاق من قبل القوى السياسية الموالية لروسيا التي تزداد يأساً في ظل التوجهات الحالية لإدارة البلاد، إلا أنها ستكون أقل قدرة على عرقلة تكامل مولدوفا مع الاتحاد الأوروبي في السنوات المقبلة، ولا سيما قبل الانتخابات البرلمانية في عام 2025.

 

5- تضاؤل احتمالات التصعيد العسكري بين أرمينيا وأذربيجان:

 من المتوقّع أن تعمل رغبة باكو في تقديم صورة سلمية عنها للمجتمع الدولي على تقليص اهتمامها بأي تصعيد عسكري ضد يريفان خلال الربع الرابع من عام 2024، مما يعني أن خطر اندلاع اشتباكات عنيفة سوف ينخفض. ولكن محادثات السلام سوف تظل متوقفة، في ضوء تجديد باكو مطالبها بالتغييرات الدستورية في أرمينيا، فضلاً عن أن عملية ترسيم الحدود الثنائية غير مكتملة، كما أن هناك افتقاراً لاتفاق على ممرات العبور الإقليمية.

 

تفاعلات آسيوية

 

تشهد دول آسيا عدداً من التفاعلات السياسية والاقتصادية خلال الربع الرابع من عام 2024، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

 

1- مواصلة رئيس وزراء اليابان القادم تعزيز العلاقات مع الغرب:

 سيقوم رئيس الوزراء الياباني الجديد بمواصلة تعزيز العلاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية مع الغرب خاصة مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ودعم جهود مرونة سلسلة التوريد الغربية والقيود المفروضة على قطاع أشباه الموصلات في الصين، ومن المرجح قيام الشخصية الجديدة باتباع نفس نهج "فوميو كيشيدا" مثل الإصلاحات الدستورية ودعم ميزانية دفاع موسعة. ومع ذلك يمتلك المرشحون لمنصب رئيس الوزراء الياباني وجهات نظر مختلفة حول ضرائب الشركات ودعم المستهلكين وقضايا الأجور، وستحسم شخصية الفائز بالانتخابات هذه القضايا.

 

2- استمرار التوترات بين الصين والولايات المتحدة حول روسيا وتايوان:

 سيكون هناك المزيد من التوترات بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان وروسيا، فمن الممكن أن تفرض واشنطن عقوبات على المؤسسات المالية الصينية بسبب تجارتها مع روسيا، مما قد يؤدي إلى المخاطرة بالانتقام الاقتصادي الصيني، فقبل مغادرة "بايدن" البيت الأبيض في يناير 2025 سيفرض العديد من العقوبات على المؤسسات المالية الصينية، وسترد الصين بإجراء مماثل باستخدام الوسائل القانونية مثل قانون مكافحة العقوبات أو قائمة الكيانات غير الموثوقة أو غير الرسمية.

وقد يقوم زعماء من الكونجرس بزيارة تايوان وسط الانتخابات الأمريكية مما قد يؤدي إلى إجراء تدريبات عسكرية صينية في الممرات المائية الرئيسية، وقد تؤثر هذه التدريبات على سلسلة التوريد واستمرارية الشحن في مضيق لوزون وتايوان ومياكو.

 

3- احتمال تصاعد التوترات حول جزر "سابينا" ببحر الصين الجنوبي:

ستكون جزر "سابينا" ببحر الصين الجنوبي نقطة ساخنة ستسبب المزيد من التوترات خلال الفترة القادمة، وستكون سبباً محتملاً للتصعيد. فقد أكدت الفلبين أن الصين تقوم ببناء جزر صناعية على "سابينا" وهذا ما تعمل مانيلا على منعه، حيث نشرت سفينة متقدمة لرصد أنشطة استصلاح الأراضي في "سابينا". ومن المرجح أن تكون هناك المزيد من الأنشطة للجيش الصيني في هذه المنطقة خلال الفترة القادمة.

 

4- توترات محتملة على خلفية الانتخابات التشريعية في جامو وكشمير بالهند:

 في 25 سبتمبر و1 أكتوبر 2024، ستعقد جامو وكشمير المرحلتين الثانية والثالثة من انتخاباتها التشريعية على التوالي. وهذه هي أول انتخابات منذ ألغت الحكومة الهندية الوضع الخاص للمنطقة في عام 2019 وحولتها إلى إقليم اتحادي يحكمه مباشرة الحكومة الفيدرالية. وبحسب التقرير فإن هذه الانتخابات سوف تساعد في قياس مدى استدامة قرار الحكومة الهندية بإلغاء الوضع الخاص للمنطقة، وقد يؤدي فوز حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم إلى زيادة التوترات الطائفية هناك. حيث قد يؤدي هذا الفوز إلى تسهيل جهود الحكومة الهندية لتسهيل الهجرة إلى الإقليم، وإزالة القيود القانونية التي تمنع حالياً الأشخاص من خارج الإقليم من امتلاك عقارات هناك، مما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وفي حالة اندلاع مثل هذه الاضطرابات ستنشر الحكومة الهندية قوات في المنطقة لقمع الاضطرابات.

بالإضافة إلى ذلك سيؤدي فوز حزب "بهاراتيا جاناتا" أو أي حزب متحالف معه إلى زيادة التوترات مع باكستان، وفي حالة فوز المعارضة أو الأحزاب الكشميرية المحلية يمكن أن تعمل باكستان على استخدام هذه الأحزاب لتجديد الضغط على الهند للدخول في مفاوضات حول مستقبل المنطقة.

 

5- توقعات بتأجيل بنجلاديش الانتخابات مع إعطاء الأولوية للإصلاح:

ستركز الحكومة البنجلاديشية المؤقتة على الإصلاحات في الإدارة والقضاء وإنفاذ القانون، وهي عملية ستستغرق أشهراً ومن المرجح أن تؤدي إلى تأجيل الانتخابات، وخلال هذا الربع من المرجح أن تقوم الحكومة بإنشاء لجنة بنكية للإشراف على التغييرات في القطاع المالي والتحقيق في أعمال العنف التي اندلعت في البلاد مؤخراً، وقد تقوم الحكومة أيضاً بمراجعة الميزانية الوطنية للفترة من 2024 إلى 2025 لمعالجة عدم الاستقرار في الاقتصاد الكلي والتضخم ونقص النقد الأجنبي. وهناك خطر كبير من حدوث احتجاجات مدفوعة بقضايا الأجور في قطاع الملابس وعدم الاستقرار الاقتصادي، وبسبب السياسات الأحادية الجانب التي تستبعد "رابطة عوامي".

 

6- مواجهة الرئيس السريلانكي الجديد تحديات اقتصادية وتوترات عرقية:

 من المرجح أن يواجه الرئيس السريلانكي الجديد اضطرابات اجتماعية متزايدة بسبب تنفيذ تدابير التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي، لاستعادة القدرة على تحمل الديون المالية. وستشمل التغييرات توسيع القاعدة الضريبية، ومن المرجح أن تثير هذه الإجراءات اضطرابات اجتماعية بسبب تأثيرها على مستويات المعيشة. وإذا لم ينفذ الرئيس الجديد التعديل الـ13 من الدستور الذي يمنح قدراً كبيراً من الحكم الذاتي للمقاطعات الشمالية والشرقية ويعالج مشكلات التاميل فقد يؤدي ذلك إلى اضطرابات ستجدد دعوات الحكم الذاتي أو الانفصال. ومن جهةٍ أخرى، ستحافظ البلاد على استراتيجيتها المتمثلة في موازنة العلاقات بين الهند والصين.

 

7- اعتزام باكستان تنفيذ المزيد من إجراءات التقشف:

 من المرجح أن تمضي الحكومة الباكستانية في تنفيذ الإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي، والتي من المرجح أن تثير معارضة سياسية واحتجاجات واسعة. وعلى الرغم من أن الانقسامات المحتملة داخل الائتلاف الحاكم قد تؤدي إلى إبطاء العملية، وخاصة الإصلاح في قطاع الطاقة، فمن غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى تعطيل برنامج صندوق النقد الدولي في الربع الرابع، وطالما بقي الائتلاف الحاكم على اتفاق بشأن إصلاحات صندوق النقد فسيعمل على تمرير التشريعات المتعلقة بالإصلاحات في البرلمان.

 

أمريكا الجنوبية

 

يستشرف التقرير الاتجاهات المحتملة للأوضاع في أمريكا الجنوبية في الربع الرابع لعام 2024، وذلك على النحو التالي:

 

1- مواصلة الرئيسة الجديدة للمكسيك نفس نهج الرئيس "أوبرادور":

 سيعمل الفوز الساحق الذي حققه ائتلاف حزب "مورينا" المكسيكي الحاكم في الانتخابات الرئاسية والتشريعية على دعم معدلات المساندة الشعبية التي تتمتع بها رئيسة البلاد "كلوديا شينباوم" وتمكينها من الدفع نحو استمرارية واسعة النطاق لسياسات سلفها "أندريس مانويل لوبيز أوبرادور". وسوف تحد الصراعات الداخلية التي تواجهها الأحزاب المعارضة من أي مقاومة للحكومة الحالية.

 وستبدأ "شينباوم" في الكشف عن خططها الخاصة لفترة ولايتها الممتدة لـ6 سنوات، والتي من المرجح أن تشمل توسيع حقوق العاملين المؤقتين، وزيادة التركيز على مبادرات التحول في مجال الطاقة بحلول نهاية العام. وفي حين قامت الأسواق بتسعير معظم التأثيرات السلبية التي ستخلفها سياسات الحكومة التدخلية على الاقتصاد، فإن الإعلانات عن إصلاحات جديدة أو تدابير تدخلية من قبل "شينباوم" أو وزرائها أو المعارك القانونية المطولة بشأن الإصلاحات، من المرجح أن تغذي المزيد من عدم اليقين والتقلبات المالية.

 

2- اعتزام البرازيل تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين:

تعتزم البرازيل التوصل إلى اتفاقيات استثمارية متعددة مع الصين، في حين ستشهد برازيليا تقدماً متواضعاً في مساعيها لدفع مجموعة العشرين إلى مكافحة التفاوت الاقتصادي العالمي. وسوف يبحث الرئيس البرازيلي "لويس إيناسيو لولا دا سيلفا" والرئيس الصيني "شي جين بينج" خلال اجتماع في البرازيل في نوفمبر 2023، إمكانية انضمام برازيليا إلى مبادرة "الحزام والطريق". وحتى إذا لم يتم الإعلان عن انضمام البرازيل رسمياً خلال الربع الرابع من عام 2024، فمن المرجح أن يعلن الجانبان عن المزيد من التعاون الثنائي، مثل الاستثمارات الصينية في قطاعات الزراعة والبنية الأساسية والطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية في البرازيل.

 

3- استقرار مرتقب للظروف الاقتصادية الكلية في الأرجنتين:

من المرجح أن يشهد الاقتصاد الأرجنتيني تحقيق نتائج مالية إيجابية بفضل التدابير التقشفية التي تبنتها الحكومة، بالرغم من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، في حين سيستمر التضخم الشهري في الانخفاض. ومع ذلك، من المرجح أن تظل مستويات الأسعار مرتفعة بما يكفي بحيث لا تتمكن الحكومة من مطابقة أسعار الصرف الرسمية وغير الرسمية. وإلى جانب استحقاقات الديون الكبيرة والاحتياطيات الصافية السلبية، فمن المتوقع أن ضوابط العملة ستظل قائمة في الربع الأخير من العام 2024.

وسيواصل الرئيس الأرجنتيني "خافيير ميلي" السعي إلى السيطرة على التضخم وتحرير الاقتصاد مع إعادة بناء احتياطيات الدولار لرفع ضوابط رأس المال وجذب الاستثمار، وستستمر البلاد في اتخاذ خطوات نحو التطبيع الاقتصادي، ومن المرجح أن تشهد انتعاشاً اقتصادياً متواضعاً قبل نهاية العام. وفي حال تدهورت الظروف الاجتماعية والاقتصادية أكثر أو بدأت معدلات التضخم في الارتفاع مرة أخرى، فإن الدعم الشعبي للإدارة الحالية سوف يتضاءل، وقد تؤدي المظاهرات والإضرابات المتفرقة إلى تأجيج عدم الاستقرار السياسي. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تتصاعد الاحتجاجات إلى مظاهرات شعبية.

 

4- تزايد الاضطرابات الداخلية في فنزويلا:

 من المتوقع أن تتزايد الاضطرابات الداخلية في فنزويلا، خاصةً قبل يوم 10 يناير 2025، وهو اليوم الذي من المقرر أن يتم فيه انتقال السلطة بعد الانتخابات الرئاسية في البلاد، حيث ستؤكد المعارضة أن "إدموندو جونزاليس" يجب أن يحل محل الرئيس المنتهية ولايته "نيكولاس مادورو" كرئيس للبلاد، وذلك وسط ضغوط دولية متزايدة على "مادورو".

ومن المحتمل فرض عقوبات أمريكية أكثر صرامة على قطاع النفط الفنزويلي من نوفمبر 2024 فصاعداً. وبالإضافة إلى ذلك، سيتخذ "مادورو" إجراءات أكثر صرامة ضد المعارضة على نحو تتزايد معه احتمالات العنف ضد المتظاهرين أو اعتقال زعماء المعارضة البارزين، وخاصة "ماريا كورينا ماتشادو". وعلى الرغم من ذلك، من المستبعد أن تؤدي الضغوط الدبلوماسية والاحتجاجات الداخلية إلى إسقاط الحكومة.

 

5- احتمالية تفاقم عدم الاستقرار السياسي في بوليفيا:

ستستمر بوليفيا في مواجهة نقص الوقود والدولارات والأدوية في الربع الرابع من عام 2024، ومن المرجح أن تشهد عدداً متزايداً من الاحتجاجات في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة في ديسمبر 2024، مما سيزيد من عدم الاستقرار السياسي في البلاد. ومن المرجح أن يستغل الرئيس السابق "إيفو موراليس" قدرته على حشد المؤيدين له، لتقويض دعم الرئيس الحالي "لويس آرسي"، بينما يسعى كلاهما إلى الترشح للرئاسة في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2025.

 

تحديات أفريقيا

 

تظل سمة عدم الاستقرار السياسي والأمني سمة رئيسية في دول أفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يستعرضه التقرير على النحو التالي:

 

1- تزايد التحديات الاقتصادية والاجتماعية في إثيوبيا بعد قرار تعويم "البير":

واجه إثيوبيا، وفقاً لستراتفور، موجة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية بعد قرار الحكومة بتعويم العملة "البير"، حيث من المتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتزايد الاضطرابات الداخلية، مما يعكس تأثيرات سلبية على الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، كما يُحتمل أن يظل رئيس الوزراء "آبي أحمد" ملتزماً باتفاقية الموانئ البحرية مع أرض الصومال، مما قد يؤدي إلى صدامات مع الصومال، ويُتوقع أن يرتفع التضخم في إثيوبيا على مدار الربع التالي لتعويم "البير" في 29 يوليو الماضي كجزء من حزمة دعم صندوق النقد الدولي للبلاد، والتي أدت إلى انخفاض قيمة العملة بشكل حاد مقابل الدولار، بينما بدأت الحكومة في طرح برنامج دعم لمنع زيادة المعاناة الاجتماعية والاقتصادية، فمن غير المرجح أن يخفف هذا البرنامج بشكل كامل من ارتفاع تكلفة المعيشة للعديد من الأسر، مما قد يؤدي إلى إضرابات واحتجاجات.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي المعاناة الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة إلى تغذية التجنيد من قبل المليشيات العرقية، مثل "فانو" في منطقة "أمهرة"، مما قد يؤدي إلى زيادة في الهجمات المسلحة وعمليات الخطف، كما أن التوترات في "تيجراي" بين الإدارة الإقليمية المؤقتة وجبهة "تحرير شعب تيجراي" قد تهدد بتجدد العنف في المنطقة، وقد تؤدي التطورات الجديدة لقوات الدعم السريع السودانية في شرق السودان إلى تفاقم المخاطر الأمنية في شمال إثيوبيا.

 

2- ترجيحات بتهديد فيروس جدري القرود سلاسل التوريد في أفريقيا:

 من المرجح أن تستمر حالات الإصابة بمرض جدري القردة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الارتفاع وسط حملات التطعيم البطيئة، الأمر الذي قد يؤدي إلى ظهور سلالات فيروسية أكثر فتكاً وعدوى، ويدفع البلدان إلى فرض تدابير فحص قد تسبب اضطرابات تجارية محدودة، ومن المقرر أن يزداد عدد حالات الإصابة بمرض الجدري في العديد من البلدان الأفريقية نتيجةً لنقص اللقاحات المتاحة محلياً، مع احتمال أن تظل غالبية الحالات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ولكن قد يتوسع النطاق الجغرافي للمرض، مع إمكانية ظهور بؤر جديدة لمرض الجدري خارج وسط أفريقيا.

وثمة ترجيحات بأن النمو في الحالات سيزيد من احتمالية فرض البلدان لآليات فحص قد تعيق الحركة، وهو الخطر الذي سيتفاقم في حالة ظهور سلالات جديدة أكثر فتكاً أو عدوى من مرض الجدري، ورغم أنه من غير المرجح أن تكون هذه التدابير صارمة مثل القيود التي فرضت أثناء جائحة كوفيد-19، فإنها قد تتسبب في حدوث اضطرابات في سلاسل التوريد، لا سيما من خلال التأخير، مع كون البلدان في وسط أفريقيا الأكثر عرضة للخطر، وقد تؤدي تدابير الفحص إلى إثارة النزاعات التجارية، مما يضع ضغوطاً على النمو الاقتصادي للبلدان المتضررة، ومن شأن تفشي جدري القردة المستمر أن يزيد من الضغوط الدولية على الكونغو ورواندا للالتزام بوقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أغسطس الماضي في شرق الكونغو، وبينما قد يعزز هذا من احتمالات تعزيز وقف إطلاق النار، فإن خطر انهياره سيظل مرتفعاً طوال الربع، مما قد يعقد بشكل كبير عملية طرح لقاحات جدري القردة في الكونغو.

 

3- إعطاء جنوب أفريقيا الأولوية لإصلاحات قطاع الطاقة والنقل:

تسعى حكومة جنوب أفريقيا لتعزيز الإصلاحات في قطاعي الطاقة والنقل، مع التركيز على تحقيق الاستدامة المالية وتوسيع مشاركة القطاع الخاص، ومن المرجح أن تعمل حكومة الائتلاف في جنوب أفريقيا على تعزيز الإصلاحات في قطاعي الطاقة والسكك الحديدية، مع الحفاظ على خطط ضبط الأوضاع المالية التي بدأت خلال فترة ولاية الرئيس "سيريل رامافوزا" الأولى، وتهدف إصلاحات الحكومة إلى توسيع مشاركة القطاع الخاص واستثماراته في هذين القطاعين، ومن المحتمل أن يتحقق ذلك من خلال شركة النقل المملوكة للدولة "ترانسنت"، وقد يشمل ذلك أيضاً إدخال إصلاحات على حوكمة الشركات المملوكة للدولة في البرلمان.

وعلى الرغم من أن مشاركة الأطراف الثالثة ستلعب دوراً مهماً في تحسين أداء نظام السكك الحديدية في جنوب أفريقيا على المدى المتوسط، إلا أنه من غير المرجح أن تتحقق تحسينات ملحوظة وسط التحديات الأمنية المستمرة.

ويضيف التقرير أنه من المتوقع أن تعطي أحزاب المعارضة اليسارية الأولوية لتعزيز هياكلها التنظيمية بدلاً من معارضة الحكومة الائتلافية بشكل نشط، وثمة احتمالات أن تكون النقابات العمالية هي القوى المعارضة الرائدة للحكومة خلال الربع القادم، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة الإضرابات.

 

4- احتمالات تصاعد التوترات الداخلية إثر الانتخابات في غانا والسنغال وتنزانيا:

قد تؤدي الانتخابات في السنغال وغانا إلى شلل سياسي وعنف ما بعد الانتخابات، بينما قد تؤدي انتخابات تنزانيا إلى تفاقم التوترات الداخلية داخل حزب "تشاما تشا مابيندوزي" الحاكم، مما قد يؤخر وتيرة الإصلاحات. وأجريت في غانا انتخابات عامة في 7 ديسمبر الماضي، وقد اتهم حزب "المؤتمر الوطني الديمقراطي" المعارض المحكمة الانتخابية بالتواطؤ مع الحزب "الوطني الجديد الحاكم"، مما يفتح الباب أمام الطعن في نتائج الانتخابات، وهو ما قد يؤدي إلى أعمال عنف واسعة النطاق. وحتى في حال عدم الطعن في الانتخابات، قد تظل نتائجها مصدر قلق للمستثمرين، حيث تعهد حزب المؤتمر بإعادة التفاوض بشأن برنامج صندوق النقد الدولي، بينما تعهد الحزب الوطني التقدمي بتوقيع قانون مكافحة المثليين، مما قد يهدد الدعم الدولي للبلاد.

ومن المقرر أن تعقد انتخابات تشريعية مبكرة في 17 نوفمبر القادم في السنغال، بعد أن قام الرئيس "باسيرو ديوماي فاي" بحل الجمعية الوطنية في محاولة لتأمين أغلبية برلمانية لتمرير سياساته، ومع ذلك فإن تراجع شعبية الحكومة قد يؤدي إلى فشل حزب "باستيف" الذي يتزعمه "فاي" في تأمين الأغلبية البرلمانية، مما قد ينذر بحدوث شلل سياسي وتوترات مستمرة، من شأنها أن تقوض ثقة المستثمرين.

وستُعقد في تنزانيا، انتخابات الحكومات المحلية في 27 نوفمبر 2024، ومن المرجح أن تحاول الحكومة تعطيل الحملة الانتخابية لحزب "شاديما" المعارض، لكن الأداء الانتخابي القوي لحزب المعارضة قد يدفع المتشددين داخل حزب "تشاما تشا مابيندوزي" الحاكم إلى زيادة الانتقادات للرئيسة "سامية صولحو حسن"، مع تهديد الصراع الداخلي بتأخير الإصلاحات الاقتصادية.

 

خلاصة القول،

 يبدو أن سمة عدم الاستقرار ستظل واحدة من السمات الرئيسية للتفاعلات في المناطق المختلفة في ظل مواصلة الصراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا، ناهيك عن ترقب ما ستؤول إليه الانتخابات الأمريكية وحدود تأثيرها على النظام الدولي. وعلى الرغم من أن التوترات بين الصين والولايات المتحدة ستظل مرتفعة خلال هذا الربع، فإن بكين لن تكون معزولة على الإطلاق، ففي الواقع من المرجح أن تقوم الصين والبرازيل بتوسيع علاقاتهما التجارية والاستثمارية، وقد تذهب البرازيل إلى حد الإعلان عن العضوية في مبادرة "الحزام والطريق" الرائدة في الصين.


09/10/2024