*جانيت أبو إلياس
موسوعة ناشيونال انتريست/الترجمة :محمد شيخ عثمان
في الأسبوع الماضي، توسع غزو إسرائيل للبنان بشكل كبير، حيث أعلنت قوات الدفاع الإسرائيلية أن قواتها استولت على قاعدة لحزب الله في قرية مارون الراس الحدودية.
كما كشفت لقطات من طائرات بدون طيار عن الدمار في قرية يارون القريبة. ويثير هذا التصعيد مخاوف جدية بشأن الأزمة الإنسانية المتنامية واحتمال اندلاع المزيد من العنف في المنطقة.
إن أي شخص ينتبه إلى ما يجري في لبنان لابد وأن يشعر بقلق عميق إزاء الغزو البري الإسرائيلي للبنان.
ورغم أن إسرائيل تصف نشاطها بأنه "غارات محلية" و"محدودة النطاق للغاية ونطاق العمليات محدود للغاية"، فإن الحكومة اللبنانية قالت إن مليون شخص ، أي خمس السكان وعدد أكبر من النازحين في حرب 2006 ، فروا من منازلهم.
إن المعاناة الإنسانية مدمرة، وقد تكون إمكانية استمرار الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران بمثابة " مفاجأة أكتوبر " للانتخابات الأمريكية المقبلة.
إن خطر اندلاع صراع أوسع نطاقًا بين إسرائيل وإيران ليس تهديدًا بعيدًا أو مجردًا؛ إنه حقيقة تتكشف بسرعة. ومع مرور كل يوم، تنمو فرص التصعيد ، مما يجر ليس فقط الجهات الفاعلة الإقليمية ولكن أيضًا الولايات المتحدة إلى عمق المعركة.
أكد مسؤول أمريكي كبير أن البنتاغون يخطط لإرسال آلاف القوات الإضافية إلى الشرق الأوسط ردًا على التوترات المتزايدة، مما يؤكد التزام واشنطن المستمر بأمن إسرائيل على الرغم من انتهاكاتها للقانون الإنساني الدولي على مدار العام الماضي.
إن التصعيدات الأخيرة، مثل مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله والرد الإيراني اللاحق بأكثر من 180 ضربة صاروخية على إسرائيل، تظهر مدى السرعة التي يمكن أن يتحول بها الوضع إلى حريق أكبر.
وقد أشارت القيادة الإيرانية بالفعل إلى موقف متشدد. وهناك خطر حقيقي يتمثل في أن تهديدات إسرائيل بإجبار إيران على "الدفع" سوف تمهد الطريق لتصعيد أكبر.
المخاطر كبيرة، ونافذة العمل تضيق بسرعة. ويتعين على صناع القرار أن يدركوا أن استمرار التصعيد دون رادع يعني زيادة خطر اضطرار الولايات المتحدة إلى اتخاذ موقف أكثر خطورة في الشرق الأوسط.
من المفيد أن نستعرض التأثير الدائم لحرب 2006، والتي خلفت في غضون أربعة وثلاثين يوماً فقط ندوباً دائمة على الشعب اللبناني وعلى نفسية المنطقة وبيئتها، الأمر الذي أدى إلى تأجيج المزيد من العداوة والصدمة وساهم في التوترات المستمرة التي تبتلي المشهد السياسي الإقليمي.
الصراع يخدم كتذكير بتكلفة العمليات العسكرية في المناطق المكتظة بالسكان، حيث الخسائر المدنية وتدمير البنية الأساسية أمر لا مفر منه. وقد يتبع أي غزو جديد مساراً مماثلاً، وخاصة في جنوب لبنان والضواحي المكتظة بالسكان في بيروت.
لقد أسقطت إسرائيل بالفعل قنابل زنة 2000 رطل من إنتاج الولايات المتحدة مباشرة على بيروت، متبعة نفس النهج الذي اتبعته في عملياتها في غزة.
وفي حين أوقفت إدارة بايدن شحنات هذه الذخائر لفترة وجيزة في شهر مايو/أيار، فقد استؤنفت عمليات التسليم منذ ذلك الحين .
إن العقيدة العسكرية الإسرائيلية، التي تعرضت لانتقادات واسعة النطاق بسبب استخدامها غير المتناسب للقوة، تشكل مخاطر جدية فيما يتعلق بانتهاك القانون الدولي الإنساني.
فبموجب مبدأ التمييز، يتعين على الأطراف المتحاربة التمييز بين المقاتلين والمدنيين، وهو مبدأ تجاهلته إسرائيل طوال حربها في غزة والصراعات الإقليمية السابقة. وقد انتهك الجيش الإسرائيلي بانتظام مبادئ التناسب والضرورة، بما في ذلك خلال حرب عام 2006 عندما تعرضت المناطق المدنية لقصف مكثف .
وقد يرقى الحصار ونيران المدفعية المستخدمة جنبًا إلى جنب مع العمليات البرية، وقطع الغذاء والماء والإمدادات الطبية عن المدنيين، إلى مستوى العقاب الجماعي ، وهو انتهاك خطير بموجب اتفاقية جنيف الرابعة .
إن النظام الصحي الهش في لبنان يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية المحتملة.
فما زالت البلاد تعاني من آثار الانفجارات التي ضربت البلاد مؤخرا لأجهزة النداء واللاسلكي، والتي أسفرت عن مقتل اثنين وثلاثين شخصا على الأقل وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين. ومن شأن الغزو البري الإسرائيلي أن يؤدي إلى تفاقم هذه الأزمة، وترك السكان المعرضين للخطر دون أي دعم أساسي.
إن لبنان يستضيف بالفعل أكبر عدد من اللاجئين في العالم لكل فرد ولكل كيلومتر مربع ، حيث يبلغ عدد اللاجئين السوريين وحدهم 1.5 مليون لاجئ.
ويهدد تجدد الصراع بإضافة ضغوط كبيرة على موارد لبنان، وخاصة بالنسبة للمدنيين في جنوب لبنان، حيث ستكون منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم في مقدمة خطوط النار.
وتتجاوز العواقب المحتملة المخاوف الإنسانية إلى حد كبير. فقد عانت البلاد من التضخم المفرط والشلل السياسي، وفشلت في انتخاب رئيس منذ أكثر من عام.
وقد تعهد زعيم حزب الله المؤقت الجديد، نعيم قاسم، بالرد إذا صعدت إسرائيل من تصعيدها، الأمر الذي يهدد بتورط المنطقة في صراع دموي طويل الأمد من المرجح أن ينتشر إلى ما هو أبعد من حدود لبنان .
تلعب الولايات المتحدة دوراً رئيسياً في العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل، وخاصة من خلال توفير الأسلحة والذخائر. فقد أعلن السيناتور بيرني ساندرز (ديمقراطي من ولاية فيرمونت) مؤخراً عن نيته منع بيع أسلحة بقيمة 20 مليار دولار لإسرائيل، بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز إف-15 وخراطيش دبابات.
إن حجة ساندرز بأن الأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة لا ينبغي أن تؤدي إلى إدامة العنف ضد المدنيين لا تنطبق فقط على غزة، بل وأيضاً على الغزو البري الإسرائيلي للبنان.
ويبدو أن الأسلحة الأميركية من شأنها أن تغذي صراعاً مدمراً آخر حيث تصبح معاناة المدنيين أمراً لا مفر منه؛ صراع لا يملك الشعب الأميركي سوى القليل من الصبر أو الرغبة في تحمله .
إن احتمالات الغزو البري المستمر للبنان تشكل واقعاً قاتماً بالنسبة للمنطقة.
فبعيداً عن العواقب الإنسانية المباشرة، فإن الغزو يهدد بزعزعة استقرار لبنان وإشعال صراع أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط.
ويتعين على الكونجرس أن يتحرك بسرعة وحسم لمنع المزيد من التصعيد من خلال وقف تدفق الأسلحة التي قد تؤدي إلى المزيد من العنف. فقد أثبت التاريخ أنه في غياب المساءلة، فإن دورات العنف هذه من المحتم أن تتكرر.
*جانيت أبو إلياس هي أحد مؤسسي منظمة "نساء من أجل شفافية تجارة الأسلحة" وزميلة بحثية في مركز السياسة الدولية.