*د. محمد عباس ناجي
*انترريجيونال للدراسات الاستراتيجية
تكتسب زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى إيران، التي بدأت في 8 يناير 2025، أهميتها من التوقيت الذي تُجرَى فيه؛ إذ إنها تتوافق مع التطورات الإقليمية المتلاحقة التي فرضت وما زالت تفرض ضغوطاً قوية على كل من إيران والعراق، على غرار سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر 2024، وتزايد احتمالات توجيه إسرائيل، وربما الولايات المتحدة الأمريكية، ضربات عسكرية قوية للميليشيات الشيعية في العراق، خاصةً الموالية لإيران، لا سيما مع اقتراب موعد وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في 20 يناير 2025. كما أنها تستبق إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية هذا العام؛ حيث يسعى السوداني إلى تأمين حصة وازنة له داخل البرلمان العراقي القادم، على نحوٍ لا ينفصل عن اتجاهات علاقاته مع طهران، وموقف الأخيرة من السياسات التي يتبعها في التعامل مع الملفات التي تحظى باهتمام مشترك من الجانبين.
أهداف عديدة
يمثل التعاون المشترك سمة رئيسية للعلاقات بين حكومتَي شياع السوداني ومسعود بزشكيان الذي سبق أن زار العراق في سبتمبر 2024. ويمكن القول إن إيران والعراق تسعيان عبر الزيارة التي يجريها السوداني إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها فيما يلي:
1– تنسيق ملف الميليشيات الشيعية في العراق:
يبدو أن ثمة مخاوف تنتاب طهران وبغداد من أن الميليشيات الشيعية الموالية للأولى داخل الثانية قد تتعرض لضربات أمريكية أو إسرائيلية خلال المرحلة القادمة، كأحد ارتدادات الحرب الحالية التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة، منذ أكتوبر 2023؛ إذ أشارت تقارير عديدة إلى أن رسائل تهديد مباشرة تلقتها حكومة السوداني من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بأن عدم معالجة ملف الميليشيات عبر إدماج بعضها داخل مؤسسات الدولة ومصادرة أسلحتها بالكامل، قد يدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى توجيه ضربة قوية لها سوف تختلف إلى حد كبير عن الضربات السابقة التي شنتها إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن خلال الفترة الماضية.
وهنا لا يمكن استبعاد أن يكون من ضمن أجندة السوداني في طهران محاولة إقناع الأخيرة بضرورة الضغط على الميليشيات، لا سيما كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وحركة النجباء، بتسليم أسلحتها إلى الحكومة، بدلاً من التعرض لضربة عسكرية قوية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، لكن لا يبدو أن هذا الخيار يتوافق مع حسابات إيران في الوقت الحالي، التي ما زالت تسعى إلى الحفاظ على ما تبقى لديها من أوراق ضغط قبل استشراف المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها العلاقات مع إدارة ترامب خلال الفترة القادمة.
ومن هنا، فإن الخيار المتاح أمام طهران حالياً – الذي ربما يحظى بقبول نسبي من جانب بغداد – هو ممارسة ضغوط على الميليشيات من أجل عدم بدء جولة جديدة من التصعيد العسكري ضد إسرائيل خلال المرحلة القادمة، وهو ما يبدو أنه السبب الذي دفع قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري إسماعيل قاآني إلى زيارة بغداد، في 6 يناير 2025؛ لمطالبة قادة الميليشيات بعدم منح الفرصة لواشنطن وتل أبيب من أجل تنفيذ هذه التهديدات.
2– مناقشة تداعيات ما بعد حقبة الأسد:
من دون شك، فإن التطورات التي شهدتها سوريا خلال الشهر الأخير، وتحديداً منذ الثامن من ديسمبر 2024، عندما أعلنت هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري والفصائل المسلحة الأخرى إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، كانت أحد المحاور الرئيسية في زيارة السوداني إلى طهران؛ إذ تبدي طهران وبغداد قلقاً واضحاً إزاء التداعيات المحتملة التي يمكن أن تنجم عن ذلك، خاصةً فيما يتعلق بتزايد احتمالات تصاعد نشاط تنظيم "داعش" من جديد عبر استغلال حالة الفوضى وعدم الاستقرار على المستويَين السياسي والأمني في سوريا من أجل إعادة التمدد داخل العراق، وربما داخل إيران أيضاً.
بجانب ذلك، فإن الحاجة تبدو ماسة لدى طهران وبغداد إلى رفع مستوى التنسيق إزاء التعامل مع الإدارة السورية الجديدة التي يقودها زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، أو أحمد الشرع؛ حيث تخشى طهران أن تتبع تلك الإدارة – بهدف استقطاب دعم عربي ودولي – نهجاً عدائياً ضدها. وربما لا يمكن استبعاد أن تسعى بغداد إلى التوسط بين طهران والإدارة السورية الجديدة، خاصةً بعد أن كانت بغداد من العواصم العربية التي فتحت قنوات تواصل جديدة مع هذه الإدارة؛ حيث قام رئيس جهاز الاستخبارات العراقية حميد الشطري بزيارة دمشق، وعقد لقاء مع أحمد الشرع في السابع والعشرين من ديسمبر 2024.
3– ممارسة ضغوط مزدوجة على تركيا:
لا تستبعد طهران وبغداد أن تسعى تركيا إلى توظيف التطورات الجديدة التي طرأت على الساحة السورية من أجل تعزيز نفوذها الإقليمي، خاصةً أن هذه التطورات أسفرت عن وصول القوى والميليشيات المسلحة الموالية لأنقرة إلى السلطة في دمشق، فضلاً عن أنها مكَّنتها من العمل على ملء الفراغ الاستراتيجي الذي نتج عن انسحاب إيران والميليشيات الشيعية الموالية لها من سوريا.
ومن دون شك، فإن أكثر ما يثير قلق طهران وبغداد هو أن تسعى أنقرة إلى تعزيز هذا النفوذ في مناطق وأقاليم تحظى باهتمام خاص من جانب العاصمتين، سواء في سوريا أو في شمال العراق، لكن في مقابل ذلك، ربما لا يمكن استبعاد أن تتجه إيران – في محاولة لموازنة التحركات التركية في سوريا بعد سقوط الأسد – إلى ممارسة ضغوط على تركيا عبر تهديد مصالحها ونفوذها في شمال العراق، خاصةً في ظل التجاذبات الشديدة بين طهران وأنقرة عقب سقوط الأسد؛ حيث ما زالت الأولى ترى أن الثانية مارست دوراً في خدمة مخطط أمريكي إسرائيلي كان يهدف في المقام الأول إلى إخراج إيران من سوريا.
4– احتواء ضغوط ملف الطاقة في العراق:
تتعرض العراق حالياً لضغوط شديدة بسبب تراجع إمدادات الغاز الإيراني الذي يُقدَّر بنحو 50 مليون متر مكعب يومياً، ويعادل ثُلث احتياجات العراق لتوليد الطاقة الكهربائية. وقد أدت أزمة الطاقة التي تواجهها إيران بدورها في الوقت الحالي، بسبب تزايد الطلب على الكهرباء في فصل الشتاء، إلى انقطاع تلك الإمدادات، على نحوٍ ساهم في تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء في العراق أيضاً. ومن هنا، يسعى السوداني، خلال زيارته إلى إيران، إلى الوصول لتسوية لهذه المشكلة التي يمكن أن تفرض تداعيات سلبية على المستوى السياسي داخل العراق خلال المرحلة القادمة.
5– استقطاب دعم طهران لأجندة "السوداني":
يسعى رئيس الوزراء العراقي إلى تأمين حصة وازنة له خلال الانتخابات البرلمانية التي سوف تجرى في عام 2025، على نحوٍ قد يُمكِّنه من تكوين ظهير سياسي يستطيع من خلاله مواجهة ضغوط القوى السياسية الأخرى النافذة في "الإطار التنسيقي". وبالطبع، فإن السوداني يدرك أن هذا الهدف قد لا يتحقق إلا من خلال ضوء أخضر إيراني، وهو متغير مهم لا يستطيع السوداني تجاهله، رغم تراجع النفوذ الإيراني على مستوى الإقليم بشكل عام، لكن هذا الدعم المطلوب من إيران لا يبدو أنه تبلور بعد، في ضوء التحفظات التي تبديها الأخيرة إزاء بعض السياسات التي يتبناها السوداني، خاصةً فيما يتعلق بحرصه على تطوير علاقات العراق مع الدول العربية، لا سيما بعض دول مجلس التعاون الخليجي، بجانب سعيه إلى تأمين الدعم الأمريكي له أيضاً.
ختاماً،
يمكن القول في النهاية إن العنوان الرئيسي للزيارة التي يجريها السوداني إلى إيران يتمثل في استمرار التنسيق بين طهران وبغداد؛ ليس فقط إزاء التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية خلال الفترة الماضية، وبدأت تفرض تداعيات مباشرة على أمن ومصالح العاصمتَين، وإنما أيضاً إزاء بعض الملفات الثنائية، بجانب التوازنات الداخلية العراقية التي يبدو أنها مقبلة على استحقاقات مهمة سوف يكون لإيران دور في بلورتها.