×

  کل الاخبار

  دعم الخصوم ..تزايد الخلافات التركية الإيرانية حول الملف الكردي



 

* إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

فيما ينذر بتعقد العلاقات التركية الإيرانية، كشفت وسائل إعلام تركية، في 15 يناير 2025، عن استعدادات إيرانية لتزويد كرد سوريا بطائرات مسيرة في وقت تضغط فيه تركيا لنزع سلاح التنظيمات الكردية. وبحسب صحيفة "يني شفق" التركية فإن إيران وافقت على تزويد وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا بـ1500 طائرة مسيرة لصد هجوم الفصائل السورية الموالية لتركيا.

وبرغم نفي الإدارة الذاتية الكردية، فإن ذلك يشير، بحسب مراقبين، إلى مساعي طهران لإعادة تموضعها على الساحة السورية بعد سقوط نظام الأسد، وضمان الإبقاء على نفوذها، من خلال توظيف الورقة الكردية عبر تقديم الدعم العسكري لتنظيم قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

 وعلى ضوء ذلك، فإن زيادة التقارب العسكري المحتمل بين طهران وروافد حزب العمال الكردستاني في الإقليم في التوقيت الحالي، يُثير مخاوف تركيا؛ لأسباب واعتبارات عديدة؛ وذلك بالنظر إلى ما سيترتب عليه من تداعيات على مساعي تركيا إلى تقطيع أوصال المشروع الكردي في الإقليم.

 

سياسات محفزة

 

وفقاً للعديد من التقديرات، فإن ثمة سياقات محفزة لإمكانية توجه طهران نحو توظيف الورقة الكردية لإعادة فاعليتها في المشهد السوري، ويتمثل أبرزها فيما يلي:

 

1– ارتباك الغرب إزاء عمليات الفصائل الموالية لتركيا ضد كرد سوريا:

 ربما يرتبط الحديث عن تحرك إيراني لدعم كرد سوريا، بارتباك مواقف القوى الغربية من العمليات العسكرية التي تقودها الفصائل الموالية لتركيا ضد كرد سوريا في الوقت الحالي، وهو ما ظهر في تردد إدارة "بايدن" في التعامل مع التهديدات التركية للإدارة الذاتية الكردية، وعجزها عن إلجام التدخلات التركية شمال شرق سوريا، كما تباينت مواقف بعض القوى الغربية من الملف الكردي السوري بعد سقوط الأسد؛ فبينما دعت ألمانيا كرد سوريا إلى إلقاء السلاح، دعا وزير الخارجية الفرنسي، في 3 يناير 2025، الفصائل الكردية إلى الاندماج في الحياة السياسية في سوريا.

 

2– قلق "ترامب" بشأن استمرار الوجود العسكري الأمريكي بسوريا:

 تعي إيران أن وصول ترامب إلى صدارة السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، يعني احتمال إعادة طرح قرار انسحاب واشنطن من سوريا، وترك الكرد وجهاً لوجه مع القوة العسكرية التركية، خصوصاً أنه أعرب، خلال الأيام الماضية، عن قلقه بشأن الوجود العسكري الأمريكي الطويل الأمد في سوريا، بالإضافة إلى أنه سعى، خلال ولايته الأولى، إلى الانسحاب من شمال سوريا.

 

3– التوقعات بطول أمد المواجهات المسلحة في شمال شرق سوريا:

 على الرغم من تعرُّض قوات "قسد" لخسائر كبيرة على خلفية المواجهات الحالية مع الفصائل الموالية لتركيا، فإن كل المسارات الآن تشير إلى مواجهات طويلة شمال شرق سوريا، خصوصاً بعد إعلان "قسد" الاستمرار في المواجهات حتى النهاية ضد تركيا وأذرعها المحلية في الداخل السوري، وهو ما تراه إيران، بحسب تقديرات، فرصة يجب أخذها في الاعتبار لإعادة التموضع على الساحة السورية من جهة، ووقف تمدد أنقرة (لخصم الإقليمي) من جهة أخرى.

 

4– استياء إيران من الدور التركي في إسقاط نظام الأسد:

ترتبط إيران وتركيا بعلاقات واسعة برغم الخلافات العقائدية والسياسية التي تعود إلى زمن الدولة الصفوية والخلافة العثمانية، لا سيما في ظل ارتباط البلدين بمصالح اقتصادية هائلة؛ حيث تأتي تركيا في صدارة الشركاء التجاريين لإيران، واعتماد أنقرة على تلبية جانب من احتياجاتها النفطية من طهران، وكذلك ارتباطهما بحدود مُشتركة يصل طولها إلى نحو 560 كيلومتراً. ومع ذلك، برزت مؤخراً بعض المؤشرات والدلائل على غضب إيران إزاء تحركات تركيا لإسقاط نظام الأسد، ودعمها الفصائل المسلحة المناهضة للنظام السوري، وهو ما أدى إلى خسارة طهران جانباً معتبراً من نفوذها الاستراتيجي والجيوسياسي في المنطقة. وفي رسالة في 11 ديسمبر 2024، وجه المرشد الإيراني اتهامات غير مباشرة لتركيا بالتورط في سقوط الأسد. ووصف خامنئي سقوط النظام السوري بالقول: "لعبت إحدى الحكومات المجاورة لسوريا – ولا تزال – دوراً واضحاً فيما حدث في سوريا".

 

5– تراجع نفوذ التحالفات التقليدية نتيجة تأثيرات حرب غزة:

 أدت التغيرات الإقليمية الأخيرة بفعل العمليات العسكرية الإسرائيلية المدعومة أمريكياً في غزة ولبنان واليمن، بالإضافة إلى سقوط النظام السوري، إلى خسارة طهران وكلاءها المحليين في مناطق نفوذها الإقليمي، وهو ما ظهر في تراجع قدرات حزب الله اللبناني، وتآكل جانب من قدرات الحوثيين في اليمن، ناهيك عن تعرض أذرعها في العراق لضغوط غير مسبوقة، قد تنتهي إلى تفككها أو على الأقل إدماجها في الكيان العسكري الرسمي للدولة العراقية. وعلى ضوء ذلك، ربما ترغب إيران في التوقيت الحالي في الانفتاح على قوى سياسية محلية مغايرة لتطوير تحالفات جديدة في المنطقة، وخاصةً في سوريا. ويمثل التيار الكردي مدخلاً مفتاحياً مناسباً للولوج مجدداً في الساحة السورية، لا سيما في ظل حاجته إلى تطوير قدراته الدفاعية لمواجهة الضغوط العسكرية التركية.

 

بين التصعيد والاحتواء

على ضوء تململ أنقرة من إمكانية دعم إيراني للفصائل الكردية في سوريا، فإن ذلك قد يضع العلاقات الإيرانية التركية أمام مسارَين محتملين؛ أولهما تصاعد التوتر المكتوم بين أنقرة وطهران؛ حيث يشير هذا السيناريو إلى احتمال ظهور التوتر على السطح خلال المرحلة المقبلة.

ويغذي هذا السيناريو 3 اعتبارات مهمة:

أولها تأكيد وسائل إعلام تركية أن طهران قدمت مؤخراً بعض التجهيزات العسكرية لقوات "قسد" لمساعدتها في حسم المعارك الدائرة حالياً مع الفصائل الموالية لتركيا قرب سد تشرين بريف منبج شرق حلب.

ويشار إلى أن أنقرة تعي أن ثمة علاقة بين وحدات حماية الشعب الكردية وإيران، تعود إلى حقبة قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس.

 ثانيها تململ تركيا من الدعم الإيراني لحزب العمال الكردستاني شمال العراق طوال العامين الماضيين.

 ثالثها التهديدات التركية غير المعلنة لإيران وبعض القوى الداعمة للكرد. وتجلى ذلك في دعوة الرئيس التركي في 14 يناير 2025 الجميع إلى "رفع أياديهم عن سوريا"، وأضاف أنه على من يريدون لعب دور ما أن يأخذوا في الحسبان وجود تركيا ومصالحها.

وثاني المسارين المحتملين هو ضبط حدود الخلافات بين تركيا وإيران؛ إذ إنه على الرغم من الخلافات القائمة بين البلدين، التي وصلت إلى الذروة بعد سقوط الأسد، الذي أسفر عن صعود تركيا على الساحة السورية مقابل انهيار النفوذ الإيراني؛ يرجح أن يعمل البلدان على ضبط التوتر وعدم وصول العلاقة إلى حد القطيعة، والتعامل ببرجماتية مع التقارير التي كشفت عن تعاون إيراني مع كرد سوريا في التوقيت الحالي. ويرتبط هذا السيناريو بعدد من العوامل، في الصدارة منها رغبة الطرفين في الحفاظ على المصالح الاقتصادية المشتركة؛ حيث يُقدر حجم المبادلات التجارية بينهما بنحو 11 مليار دولار بنهاية عام 2024، كما أن إيران لا تريد تصعيد الخلاف مع أنقرة بقدر ما تسعى إلى العمل على منع تغيير موازين القوة في الإقليم أو على الأقل موازنة النفوذ التركي. وخلف ما سبق، ففي رؤية طهران، يمكن توظيف تركيا كرئة اقتصادية لطهران في الفترة المقبلة، خصوصاً بعد تهديد ترامب بالعودة إلى سياسة الضغوط القصوى على طهران.

 

ختاماً،

 يمكن القول إن العلاقات التركية الإيرانية مرشحة خلال المرحلة الحالية لبعض التوترات، لا سيما بعد لعب أنقرة دوراً محورياً في إسقاط الأسد، وكشف النقاب عن دعم إيراني لكرد سوريا، بيد أن ذلك لا يعني الوصول بالعلاقة إلى قطيعة تامة؛ إذ إن ثمة مصالح تدفع البلدين إلى التحايل على هذه الخلافات أو على الأقل تأجيل المواجهة بشأنها في التوقيت الحالي.


23/01/2025