في زيارته الثانية خارج سوريا، وصل الرئيس السوري، أحمد الشرع، رفقة زوجته لطيفة، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، ورئيس الاستخبارات أنس خطاب، أمس، إلى تركيا، حيث التقى الرئيس رجب طيب إردوغان، ووزير خارجيته حاقان فيدان، ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالين. وأعقب لقاء الرئيسَين، اجتماع مشترك للوزراء المشاركين في المحادثات، في ما يذكّر باجتماع مماثل مشترك لحكومتَي البلدَين في عام 2009.
وبعده، عقد الرئيسان مؤتمراً صحافياً مشتركاً، تحدّث فيه إردوغان أولاً، قائلاً إن «زيارة الشرع تشكّل فصلاً جديداً بدأ ليس فقط في تركيا، بل في المنطقة أيضاً»، مشيراً إلى أن «مناقشاتنا ركّزت على الأمن والاستقرار في سوريا، وكان التفاهم كاملاً، ولا سيما تجاه التنظيم الإرهابي، حزب العمال الكردستاني».
كذلك، أبدى الرئيس التركي استعداد بلاده للسيطرة على مخيمات «داعش» في شرق سوريا، مجدّداً التأكيد أنه «لا محلّ للإرهاب في منطقتنا».
وأكّد أن تركيا «تولي أهميّة كبيرة لنجاح الإدارة الجديدة، وهي مستعدّة لتقديم كل المساعدة لإعادة إعمار سوريا»، داعياً إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا، بعدما أعلن تحقيق تقدُّم طفيف في هذا المجال.
كما لفت إلى أن التعاون بين البلدين «سيشمل كل المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية وغيرها».
وقال أردوغان إن تركيا مستعدة لمساعدة القيادة السورية الجديدة في المعركة ضد تنظيم "داعش" والمسلحين الكرد، مضيفا أنه يرى أن العودة الطوعية للمهاجرين السوريين ستتسارع مع استقرار البلاد.
وأوضح أردوغان أن تركيا ستواصل جهودها لرفع العقوبات المفروضة على سوريا في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد وأن الدول العربية والإسلامية من المهم أن تدعم الحكومة الجديدة من الناحية المالية وغيرها خلال الفترة الانتقالية.
من جهته، شكر الشرع، إردوغان على دعوته لزيارة تركيا، مضيفاً أن الشعب السوري «لن ينسى الدور التاريخي لتركيا في تقديم المساعدة لملايين السوريين».
وإذ وصف العلاقات بين البلدَين بأنها تمتدّ عبر التاريخ، فقد أردف: «اليوم، العلاقات أخوية، وستمتدّ عبر الزمن».
وأوضح أن العمل يشمل كل المجالات، ولا سيما «الأمني ووحدة الأراضي السورية»، معلناً أنه يعمل مع تركيا على انسحاب إسرائيل من المنطقة العازلة في جنوب سوريا، وانتهى موجّهاً الدعوة إلى إردوغان لزيارة سوريا.
ووجه الشرع دعوة إلى أردوغان لزيارة سوريا قريباً، وتأتي الدعوة على خلفية تحسن العلاقات بين البلدين في ظل الإدارة السورية الجديدة.
وقال الشرع إن الحكومة السورية تسعى إلى "بناء استراتيجية مشتركة" مع تركيا، مضيفا: "نعمل على بناء استراتيجية مشتركة مع تركيا من أجل مواجهة التهديدات الأمنية في المنطقة بما يضمن الأمن والاستقرار الدائم لسوريا وتركيا".
وخلال زيارته لتركيا، ناقش الشرع أيضا العلاقات الاقتصادية وذلك في الوقت الذي تتطلع فيه شركات نقل ومصانع تركية إلى توسع كبير في سوريا في خطوة يتوقع البعض أن تزيد حجم التجارة إلى ثلاثة أمثال.
حديثهما في العموميات
وممّا لفت في كلمتَي إردوغان والشرع، حديثهما في العموميات، ولا سيما في الموضوع الأمني، إذ لم يأتِ الزعيمان على ذكر أيّ خطوات عملية لمواجهة «الوحدات» الكردية، ما قد يعني أن الأوضاع ليست ممهّدة بعد لخطوات عملية، في انتظار الموقف الأامريكي.
ولفت أيضاً أن الشرع تحدّث عن انسحاب إسرائيل من المنطقة العازلة التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد، في حين تجاهل تماماً احتلالها لهضبة الجولان. وفي المقابل، يبدو واضحاً أن تركيا تتهيّب التفرّد بمساعدة سوريا، لعدم قدرتها على ذلك بمفردها، وهو ما حدا بإردوغان إلى دعوة الدول العربية والإسلامية إلى المساعدة، في ما يمثّل إشارة إلى أن أنقرة ليست في وارد احتكار النفوذ هناك. ولم يفت المراقبين أن إردوغان والشرع أنهيا المؤتمر الصحافي وغادرا فوراً من دون تلقّي أيّ أسئلة من الصحافيين، الأمر الذي أدّى إلى عدم اتّضاح الرؤى بشكل تام.
أمة واحدة في دولتَين
من جهتها، رأت صحيفة «تركيا» الموالية أن أنقرة ودمشق تمضيان لتكون العلاقة بينهما كما هي الحال بين تركيا وآذربيجان، أي «أمة واحدة في دولتَين»، علماً أن التوصيف يتناقض وواقع أن الغالبية الساحقة من الشعب السوري ليست من جذور تركية، كما هو حال الشعب الآذربيجاني. ووفقاً لما رشح إلى وسائل الإعلام، فإن إردوغان والشرع وضعا اللمسات النهائية على الخريطة التي أعدّها مسؤولو البلدين حول إعمار سوريا، وإعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية.
ونُقل أن الشرع طرح مشاريع على الأتراك بقيمة مئة مليار دولار في المرحلة الأولى، و300 مليار دولار في المرحلة الثانية، في ما خصّ الإعمار والدفاع والأمن والجيش وقوى الشرطة.
على أن الموضوع الأبرز على جدول أعمال الزيارة، كان تصفية «حزب العمال الكردستاني»، وإدارة منابع النفط التي تسيطر عليها «الوحدات» الكردية، بعدما لقي هذا الموضوع دفعة قوية من الشرع الذي أعلن، قبل وصوله إلى تركيا، أنه قدّم وعداً بإنهاء «الكردستاني» في سوريا.
تأسيس علاقات مستقبلية
ويرى الكاتب والمحلل السياسي التركي علي الأسمر، أن زيارة أحمد الشرع إلى تركيا تحمل أبعادا كثيرة، على غرار البعد السياسي والأمني والدبلوماسي.
ففما يتعلق بالبعد السياسي، أكد علي الأسمر في حوار مع فرانس24 أن "دمشق وأنقرة ستقومان بتأسيس العلاقات المستقبلية فيما بينها"، مضيفا أن "تركيا يمكنها أن تقدم استشارات مهمة حول صياغة الدستور السوري القادم، فضلا عن دورها في إنجاح الانتخابات التي ستنظم بعد 4 أو 5 سنوات كونها (تركيا) تملك خبرة وتقاليد طويلة في هذا المجال".
ومن بين الملفات الأخرى التي سيناقشها الرئيسان وفق المحلل التركي، مسألة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم على المدى البعيد.وقال علي الأسمر لفرانس24: "هناك قسم من السوريين يجب أن يغادر تركيا، وفي مقدمتهم أولئك الذين لا يملكون منازل في تركيا ولم يتحصلوا على الجنسية التركية ولديهم فقط أوراق إقامة مؤقتة".
آفاق استثمارية جديدة
أما في يخص البعد الاقتصادي، فزيارة أحمد الشرع إلى أنقرة قد تفتح آفاقا استثمارية جديدة حسب علي الأسمر الذي يعتقد بأن تركيا "ستزود العديد من المدن السورية بالكهرباء كما ستشارك بشركاتها في إعادة إعمار سوريا"، منوها أن هذا "سيخلق جوا اجتماعيا إيجابيا وفرص عمل جديدة للسوريين وسيرفع من مستوى معيشتهم. لكن هذا يتطلب قبل كل شيء رفع العقوبات الدولية المسلطة على سوريا إبان النظام السابق، مما سيسمح للدول العربية والخليجية بالاستثمار وحتى الدول الغربية".
أما فيما يتعلق بالبعد الدولي والدبلوماسي، يرى نفس المحلل أن "تركيا بحكم موقعها الجيوسياسي ولأنها عضو ناشط في الحلف الأطلسي، فهي قادرة على التأثير على الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وتقنعها بضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا بسبب تصرفات نظام بشار الأسد".
أما الملف الأمني والعسكري، فيعتقد علي الأسمر بأن "تركيا تريد القضاء على قسد( قوات سوريا الديمقراطية) التي لا تزال تسيطر على الحدود بينها وبين سوريا وعلى مواقع نفطية عديدة. لذا فهي تحتاج أيضا إلى دعم من قبل السلطات الجديدة في دمشق"، موضحا في الوقت نفسه أنه لن "يكون أي تطور في المنطقة طالما لم يتم حل ملفي الكرد وداعش ( تنظيم 'الدولة الإسلامية')".
وفي سؤال كيف يمكن أن تتخلص سوريا وتركيا من الدعم الأمريكي لقوات قسد ( قوات سوريا الديمقراطية)، أجاب علي الأسمر أن "واشنطن لا تدعم قسد ( قوات سوريا الديمقراطية) ضد تركيا أو سوريا، بل فقط ضد داعش(تنظيم الدولة الإسلامية)".