*صحيفة"العرب" اللندنية
*اجرى الحوار :محمد شعير: تشهد الساحة السورية تطورات متسارعة من شأنها أن ترسم ملامح المشهد السياسي المليء بالظلال والأسئلة، بعد أن تم تنصيب أحمد الشرع رئيسا، وإعلان حل 18 فصيلا عسكريا لينضوي مقاتلوها تحت راية الجيش السوري الجديد المزمع تشكيله، وإصدار قرارات عدة بشأن المرحلة الانتقالية، بينها اعتزام تشكيل حكومة جديدة شاملة تعكس التنوع، للمشاركة في بناء سوريا الجديدة.
واتجهت الأنظار على الفور إلى الكرد الذين يسيطرون على مناطق عدة في شمال وشمال شرق البلاد من خلال الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية قسد، ولا تزال المفاوضات جارية معهم حول ملفات شائكة، بينما يواجهون حربا يقودها ضدهم مقاتلو ما يعرف باسم الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا. فما موقف الكرد من هذه التطورات، وما موقعهم في المشهد الذي يُرسم حاليا، وهل يمكن أن تقبل قسد بحل تشكيلاتها وتسليم أسلحتها؟
وبخلاف الكثير من القيادات الكردية التي تبدو تصريحاتها متحفظة على ما يجري بدبلوماسية، فتح القيادي الكردي صالح مسلم عضو الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي في حديثه لـ“العرب” الملفات الشائكة بصراحة، مستخدما مسمى “الجولاني” أكثر من مرة وليس “الشرع”، ما يشير إلى استمرار تعامل الكرد مع الرئيس السوري الجديد وفقا لصورته القديمة.
الاستيلاء على السلطة
قال صالح مسلم في حواره مع “العرب” نحن مستعدون للحوار، “ونريد أن نكون شركاء في بناء سوريا الجديدة بأي شكل من الأشكال، في ما يتعلق بالدستور والحكومة والقرارات والمنظومة الدفاعية والجيش، وعلى الجميع أن يفرقوا بين الاستسلام، والحوار من أجل الحل.”
وعبّر القيادي الكردي عن رفض ما سماه “الاستسلام” بشكل قاطع، قائلا “أنت عندما تصل إلى السلطة وتستطيع إسقاط النظام بمشاركة الشعب السوري كله، ثم تستولي على هذه السلطة وتحولها إلى سلطة تفرض الاستسلام على الآخرين فهذا غير مقبول.”
ورأى أن إسقاط النظام السابق شارك فيه جميع السوريين الذين خرجوا مطالبين بالحرية قبل 14 عاما، وليس ممكنا أن ينسب هذا العمل إلى هيئة تحرير الشام فقط، وإن كان هؤلاء الجهاديون قد جمعوا طرفا ما شملهم ودفعوا به إلى السلطة بعد تهيئة الأجواء فاستطاعوا إسقاط النظام.
وقال لـ“العرب” إن هؤلاء اعتبروا للأسف “إن من يحرر يقرر، وما زلنا نرى حتى الآن السيد الشرع، أبومحمد الجولاني، يستفرد بالمشهد ويجمع حوله الفصائل الجهادية التي تدعو إلى تأسيس الخلافة الإسلامية، أي أنهم تقاسموا السلطة دون اعتبار لأي طرف أو مكون آخر.”
ويعلن الكرد في خطابهم السياسي استعدادهم للمشاركة الجادة في بناء سوريا الجديدة، ويقبلون الحوار حول كل التفاصيل، الصغيرة والكبيرة، لكنهم يلقون بالكرة في ملعب سلطات دمشق وأسلوب تعاملها معهم.
وهو ما عبر عنه صالح مسلم قائلا “نحن مستعدون لكل شيء، وهذا يتوقف على الطرف الآخر عندما يقبل بنا شريكا لنجلس ونتحاور فيما هو صالح لسوريا ككل وكيفية الحفاظ على الأرض السورية والمكتسبات السورية والديمقراطية، أما فرض الاستسلام أو فرض الشريعة الإسلامية والإسلام السياسي فنحن نرفضه قطعا، وعلى الطرف الآخر ألا يحاول فرض الاستسلام علينا.”
وتشكلت قوات سوريا الديمقراطية عام 2014 من فصائل كردية، هي: وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، وفصائل أخرى من العرب في منبج والرقة وغيرها، للدفاع عن سكان المناطق التي تعمل بها إبان الحرب في سوريا، ولم تشمل الفصائل التي تم الإعلان عن حلها مؤخرا كلا من قسد، وقوات الدروز في جبل العرب، وقوات حوران، بالإضافة إلى فصائل أخرى صغيرة.
وذكر صالح مسلم أن قسد ليست كردية فقط وليست كباقي الفصائل الأخرى التي كانت تدعو إلى إسقاط النظام السابق دون أن يكون لها مشروع سياسي، فهي لديها مشروع “دمقرطة سوريا”، لذلك ستبقى حتى يكون هناك حل سياسي، وبعدها يتم الحوار حول كيفية انضمامها إلى المنظومة الدفاعية عن سوريا.
وأكد لـ“العرب” إننا “نعتقد أن قوات سوريا الديمقراطية يجب أن تكون جزءًا من منظومة الدفاع عن سوريا عندما تتشكل مستقبلا، لكن كيفية الانضمام يجب أن تكون وفق محادثات وحوار بعد الحل السياسي، فإذا لم يكن هناك حل سياسي يوضح المواقع والمهام فإن قسد ستبقى باعتبارها قوات دفاع مشروع عن النفس، وما دامت توجد تهديدات لن نتخلى عنها. وعندما ندرك تماما أن هناك من يحمينا وفق منظومة دستورية وقانونية ودفاعية عندئذ يمكن الحديث عن حلها فلسنا عشاق حمل السلاح.”
المواجهة قادمة
يبدو من خلال الإجراءات والتصريحات المتبادلة بين الكرد والسلطات السورية الجديدة أن مرحلة المودة الظاهرية بين الطرفين على وشك أن تنتهي، فهل تكون المواجهة قادمة لا محال؟
وذكر صالح مسلم لـ“العرب” أنهم لا يريدون أو يرغبون في الاشتباك، لكن من حقهم الدفاع المشروع عن الذات، فأي طرف يتجرأ ويحاول الاعتداء على مناطقهم، لن تقف قوات سوريا الديمقراطية مكتوفة الأيدي، ولديهم منظومة يعملون بها منذ عشر سنوات، هي الإدارة الذاتية الديمقراطية، ويملكون عقدا اجتماعيا ومؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية يعتمدون عليها بما فيها المنظومة الدفاعية، وهم مستعدون للحل السياسي بالحوار، “أن تفرض عليَّ إزالة هذه المنظومة أو حل القوات فذلك مستحيل.”