×

  کل الاخبار

  دور القضاء في محاربة الفساد



*زهير كاظم عبود

                   

يعد دور القضاء في محاربة الفساد عنصرا أساسيا من عناصر حماية المال العام، ويشكل ايضا التطبيق السليم للقانون، باعتبار أن السلطة القضائية ليس فقط تتمتع باستقلاليتها، إنما لا سلطة تعلو فوق سلطة القضاة غير سلطة القانون، وأنه لا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء وشؤون العدالة بأي شكل من الاشكال، وفي سبيل التصدي لكل أشكال الفساد في البلاد يواجه القضاء العراقي، تحديات عديدة وغياب الفهم القانوني للعمل القضائي، عند بعض الشخصيات السياسية والتنظيمات السياسية، نتيجة ضعف الثقافة القانونية في المجتمع بشكل عام.

وفي سبيل أن يأخذ القضاء العراقي دوره الفاعل والمهم في ملاحقة الفاسدين، لا بد أن يتم تفعيل القوانين الرادعة، التي تساند مهمة التصدي للفساد، ولا بد من تفعيل الظروف القضائية المشددة للفعل عند فرض العقوبة، ولا بد من نشر الثقافة القانونية التي توضح طبيعة العمل القضائي، فجريمة الرشوة تعد من الجنايات، التي تعاقب مرتكبها بالسجن والغرامة، وتمثل ليس فقط إخلالا بالواجبات الوظيفية، بل خيانة وخسة في استغلال الموقع الوظيفي ليس فقط لمن طلب الرشوة، إنما تنسحب على من وافق على إعطاء الرشوة برضاه أو عرض الرشوة، مقابل أداء عمل أو الامتناع عنه ساعيا لإفساد ذمة الاخر، أما جرائم الاختلاس فتشكل ضررا جسيما للمال العام وخيانة للمجتمع واستغلالا للمركز التنفيذي وانتفاعا في غير محله القانوني والشرعي، وهي من الجرائم العمدية التي وضع لها المشرع عقوبة مشددة، أما جرائم الاضرار بالمال العام والمصالح العامة، فهي يشكل جريمة مثلما تشكل فشلا في أداء المهمة، التي عهدت الى الموظف لتأديتها، بالإضافة الى جرائم غسيل الأموال، التي أضرت كثيرا بالاقتصاد الوطني ولم نتلمس تصديا يتناسب مع حجم خطورتها تحقيقا ومحاكمة، كما لم نلمس جدية محاربة الكسب غير المشروع للأموال المتكدسة والضخمة، التي حصل عليها بعض الافراد دون معرفة مصدرها أو الكشف عن حقيقة هذه الأموال، خصوصا أن القانون ألزم الوظائف التنفيذية والقضائية والتشريعية على تقديم الإقرار المالي عن الذمة المالية.

وامام انتشار مثل هذه الظواهر الدخيلة على المجتمع، وانسجاما مع دور السلطات التشريعية والتنفيذية، فإن التطبيق القضائي الذي يفرضه الواقع على مرتكبي مثل هذه الجرائم، ألّا يتم اخلاء سبيل المتهمين بكفالة، ومع أن إخلاء السبيل بكفالة لا يعني غلق القضية التحقيقية أو الإفراج عن المتهم، الآن التحقيق يوجب أن يبقي المتهم قيد التحقيق وألّا يتم منحه الفرصة للإفلات من المحاكمة والتحقيق بالسفر الى خارج العراق بالطريق الرسمي أو غير الرسمي، وأن يتم حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة ضمانا للمال العام، وفي جميع الأحوال فان الظروف القضائية المشددة للفعل عند فرض العقوبات تتناقض وتتقاطع مع قرارات إيقاف تنفيذ العقوبات بحق الجناة عند فرض العقوبات عليهم، وإيقاف التنفيذ يتم اعتماده من قبل محكمة الموضوع، حين تجد أن المتهم غير محكوم سابقا عن جريمة عمدية وأن أخلاقه وماضيه وسنه وظروف جريمته تبعث على الاعتقاد، أنه لن يكرر مثل هذه الجريمة.

 وأمام الظروف التي يمر بها العراق وهو يسعى بشكل جاد أن يؤسس دولة للقانون، ورصانة في جميع قرارات السلطات، التي تنسجم في أداء دور كل منها، وأن يتم تفعيل دور هيئة النزاهة، باعتبارها هيئة تنفيذية تتبع مجلس النواب وتأخذ دور المحقق امام سلطة التحقيق القضائية. تفعيل دور القضاء في محاربة الفساد في تبسيط الإجراءات، التي تتخذها السلطة القضائية ويؤديها القضاة، وخصوصا منهم قضاة التحقيق، ولذلك فإن عرض الأمور بعد انتهاء التحقيقات وإحالتها على المحكمة المختصة يجعل السلطة في منأى عن الطعون والاستنتاجات، ولأن الناس تثق بالقضاء وتعتبره الجدار الحامي للحقوق والحريات، فإن تفعيل العلاقة بين السلطة القضائية ومنظمات المجتمع المدني والاعلام لها التأثير الإيجابي والفاعل في محاربة الفساد.

كما أن تفعيل ملفات الاسترداد للمتهمين ومتابعة ملاحقتهم لعادتهم ومحاكمتهم بشكل قانوني مع توفر الضمانات القانونية، يشكل نقطة أساسية مهمة في ملف محاربة الفساد،

ونجد أن التفكير بجعل ارتباط هيئة النزاهة مع تمتعها بالاستقلالية التي نص عليها الدستور عمليا بمجلس القضاء الأعلى اكثر فاعلية وجدوى، باعتبار انها تخضع لرقابة مجلس النواب، بينما تقوم بكامل عمل التحقيق الأولى، الذي يوجبه التحقيق الابتدائي في قضايا النزاهة والتي تؤدي دورها القانوني في مكافحة الفساد بالتعاون مع ديوان الرقابة المالية وتعمل بالتنسيق مع قضاة التحقيق المختصين في هذا الجانب، ونجد ان مزيدا من الثقة بقضاة السلطة القضائية وبشكل شفاف يعزز من دورهم ويدفعهم للمزيد من المواقف التي تتصدى لكل اشكال الفساد.


06/02/2025