×

  کل الاخبار

  مكانة الرئيس مام جلال في مذكرات نصير الجادرجي



*د. ژینۆ عبدالله  

زعيم سياسي محنك وكتلة وفاء لا تتغير

 

استغليت فرصة عدم انشغالي بالدروس في وقت امتحانات الفصل الأول في الجامعة، ودخلت مكتبي لأتجول بين كتبي، وكما هو الحال دائمًا، جذبتني مذكرات أحد الشخصيات السياسية البارزة، فبدأت بقراءة كتاب "مذكرات نصير الجادرجي:طفولة متناقضة، شباب متمرد، طريق المتاعب". وأثناء تصفحي للكتاب، لفتت انتباهي بشكل خاص مكانة وفاء  الرئيس مام جلال وأهمية دوره في مجريات الأحداث السياسية، حتى في اللحظات التي لم يكن فيها حاضراً جسديًا. هذه الأهمية تتجسد في قول الشاعر: "وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر". هذا البيت الشعري يعكس تمامًا مكانة مام جلال، حيث كان حضوره كالنور الذي يضيء الطريق، حتى في غيابه الجسدي.

 

الرئيس مام جلال: وفاء لا يتغير

من بين الشخصيات البارزة التي ورد ذكرها في المذكرات، يبرز الرئيس مام جلال الذي يظهر في الكتاب ليس فقط كزعيم سياسي محنك، بل كإنسان يحمل في قلبه قيم الوفاء والاعتراف بالجميل، يشير نصير الجادرجي إلى أن مام جلال كان من القلائل الذين لم تغيرهم المناصب ولم تبعدهم بروتوكولات الرئاسة عن أصدقائهم ورفاقهم القدامى.

يصف الجادرجي كيف كان مام جلال دومًا يسأل عنه ويطمئن عليه في أصعب الظروف، وخاصة بعد الغزو الأمريكي عام 2003، حيث كانت بغداد تعيش أوقاتًا عصيبة. كما يذكر أن الرئيس طالباني كان أول من شجعه على دخول الحكومة، مؤمنًا بأهمية الخبرات الوطنية في بناء الدولة. وليس هذا فحسب، بل كان دائم الذكر لوالده كامل الجادرجي (1897-1968)، أحد رموز السياسة العراقية، وجريدته "الأهالي"، وحزب "الوطني الديمقراطي"، مما يعكس إخلاصه وتقديره لمن ساهموا في بناء الفكر السياسي الحديث في العراق.

 

صانع التوافقات

تُظهر المذكرات جوانب قيادية أخرى لرئيس مام جلال، فهو لم يكن مجرد سياسي يسعى لتحقيق مكاسب حزبية، بل كان رجل دولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فقد كان صاحب رؤية استراتيجية استطاع من خلالها توحيد الفرقاء السياسيين، وإقناع الجميع بضرورة التعايش المشترك واحترام الحقوق. ووفقًا لنصير الجادرجي، فإن مام جلال لم ينسَ يومًا شركاءه السياسيين، بل ظل وفيًا لعهوده وتحالفاته، يدافع عن القضية الكردية، وفي الوقت ذاته، يعمل على ضمان التوازن داخل المشهد السياسي العراقي بعد 2003.

 

بين التناقضات والتمرد

الكتاب، الذي يمتد إلى 494 صفحة، ليس مجرد سيرة ذاتية، بل هو شهادة حية على العقود المتغيرة التي مر بها العراق، من العهد الملكي إلى الجمهوري، ومن حقبة الديكتاتورية إلى مرحلة ما بعد 2003. يروي الجادرجي، المولود عام 1933، كيف كانت طفولته مزيجًا من التناقضات، وكيف تمرد شبابه على الواقع السياسي، ليجد نفسه لاحقًا في "طريق المتاعب"، وهو العنوان الذي يلخص مسيرته السياسية والمهنية.

 

الحنكة والإنسانية

يبقى "الرئيس مام جلال" أحد النماذج السياسية النادرة التي توازن بين الحنكة والإنسانية، فهو لم يكن فقط زعيمًا سياسيًا، بل كان مثالًا للوفاء لمن ساندوه، وعاملًا على لمّ شمل الفرقاء. وبين صفحات "مذكرات نصير الجادرجي"، يظهر هذا الجانب جليًا، ليؤكد أن السياسة ليست مجرد لعبة مصالح، بل قد تكون أيضًا ساحة للمبادئ والوفاء. يُعد هذا الكتاب شهادة تاريخية قيّمة، تسلط الضوء على شخصيات صنعت تاريخ العراق الحديث، وتدعونا إلى التأمل في أدوارهم، وربما استلهام الدروس من رحلتهم.


06/02/2025