في تحول مفاجئ أعاد تسليط الضوء على أكثر الأحداث إثارة للجدل في تاريخ تركيا الحديث، شهد مجمع سجن سينجان في أنقرة جلسة جديدة من “القضية الرئيسية” لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو 2016، وذلك بعد أن أبطلت محكمة التمييز أحكامًا بحق 199 متهمًا بسبب ثغرات إجرائية وفنية تتعلق بعدم فحص الأدلة أو إجراء التحاليل الباليستية للأسلحة المستخدمة.
وفي شهادة نارية، اتهم العقيد المتقاعد أورهان ييكيلكان، المستشار السابق لرئيس الأركان حينها خلوصي أكار، الأخيرَ، بتدبير الانقلاب بنفسه، مدعيًا أن أكار كان يرأس ما يسمى بـ”مجلس السلام في الوطن”، وهو الكيان الذي قيل إنه قاد المحاولة الانقلابية. ييكيلكان أكد أن رسائل “MEDAS” العسكرية تتضمن وثائق تثبت تورط أكار وقادة القوات الآخرين، مشددًا على أن إنكار وجود هذه الوثائق يمثل إخلالًا خطيرًا بالعدالة.
شهادات المتهمين: سرديات متضاربة وتأكيدات على محاكمات غير عادلة
عدد من المتهمين طالبوا بإعادة المحاكمة بحجة أن الإجراءات القضائية السابقة تجاهلت شهودًا رئيسيين ولم تفحص الأدلة كما ينبغي. ومن بينهم الضابط السابق علي شاكر، الذي قال إنه سمع داخل السجن من أشخاص اعتقلوا بتهمة الانتماء إلى عصابة “آيهان بورا كابلان” الإجرامية أنهم قتلوا مدنيين ليلة الانقلاب ووضعوا جثثهم أمام الثكنات العسكرية لإلصاق التهمة بالانقلابيين، مطالبًا بالتحقيق في هذه المزاعم. كما أشار العقيد المتقاعد جمال تورغوت إلى إطلاق الشرطة 4000 طلقة عشـوائية ليلية، رغم أن الجيش لا يستخدم الكلاشينكوف أو القناصة، مطالبًا بسماع أقوال عناصر الأمن.
تساؤلات حول القيادة العسكرية: لماذا لم يتم منع الانقلاب؟
العقيد المتقاعد عثمان كردال، الذي شغل منصبًا حساسًا في مركز عمليات هيئة الأركان، تساءل عن غياب أي إجراءات وقائية من قِبل خلوصي أكار ونائبه يشار غولر، على الرغم من موقعهما الذي كان يفترض أن يكون “ضامنًا” لاستقرار الجيش. كما كشف أنه تعرض للتعذيب، وأن اعترافاته أُخذت دون حضور محامٍ، وهو ما اعتبره خرقًا قانونيًا يستوجب إعادة المحاكمة.
خلوصي أكار: ضحية مؤامرة أم صانعها؟
المتهمون انقسموا في مواقفهم تجاه أكار؛ فبينما أكد البعض أنه خان رفاقه العسكريين واتفق مع حكومة أردوغان بعد أن دبر الانقلاب، رأى آخرون أنه كان مجرد ضحية لخطة سياسية أكبر. اللواء المتقاعد محمد ديشلي، الذي اتُّهم بالمشاركة في احتجاز أكار ليلة الانقلاب، أشار إلى أنه لا يزال لا يفهم سبب سجنه، واعتبر القرارات القضائية “غير واقعية”. في المقابل، أعلن العقيد السابق كوبلاي سيلجوق أنه لو كان يعلم حينها أن أكار لن يتخذ أي خطوة لمنع الانقلاب، لكان تصرف ضده فورًا.
هل كان أكار المرشح الحقيقي لحكم تركيا؟
اللواء المتقاعد جوكهان شاهين سونمز آتيش أثار تساؤلًا جوهريًا حين قال: “من كان سيتولى رئاسة الدولة لو نجح الانقلاب؟”، مشيرًا إلى أن كثيرين في المحكمة يرون أن خلوصي أكار كان أبرز المرشحين، وكان يحظى بدعم من قوى داخل الدولة، بما في ذلك الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان. كما تحدث عن تعذيب بعض القادة العسكريين بعد فشل الانقلاب، مؤكدًا أن تبرير ذلك أمام الرأي العام أمر غير مقبول.
قضية لا تنتهي: غموض قضائي واستقطاب سياسي
تعكس جلسات إعادة المحاكمة مدى التعقيد الذي يلف ملف انقلاب 2016، وسط تضارب الروايات وتشكيك واسع النطاق في استقلالية القضاء ونزاهة الإجراءات القانونية. شهادات العسكريين، بما تحمله من اتهامات صريحة لخلوصي أكار ودور محتمل له في هندسة الانقلاب، تفتح الباب على مصراعيه أمام إعادة النظر في واحدة من أكثر القضايا حساسية في التاريخ التركي المعاصر، في وقت لم تصدر فيه المحكمة الدستورية بعد أي تعليق رسمي.
*المصدر:موقع" تركيا تودي"