فتحت السلطات التركية دعوى قضائية جديدة ضد الزعيم الكردي المسجون صلاح الدين دميرتاش، في خطوة تثير تساؤلات حول جدية التوجه نحو "السلام الكردي" الذي تُكثّف بعض الأطراف الدعوات إليه مؤخراً.
وافتتحت النيابة العامة في ديار بكر دعوى قضائية جديدة ضد الزعيم الكردي المسجون صلاح الدين دميرتاش، تطالب فيها بعقوبة سجن تصل إلى 15 عامًا، فضلاً عن حظر سياسي، على خلفية سبع خطابات ألقاها في مناسبات مختلفة. وتم تحديد 24 أيلول/سبتمبر 2025 موعدًا للجلسة الأولى من المحاكمة.
وعلى الرغم من أن دميرتاش، المحتجز منذ قرابة تسع سنوات، يواجه بشكل دوري دعاوى جديدة بسبب تصريحاته ومواقفه السياسية، إلا أن توقيت هذه القضية يثير الانتباه، إذ تزامن مع لقاء سياسي بارز في أنقرة، جمع وفدًا من “حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب” بوزير العدل التركي يلماز تونتش.
وقد ضم الوفد كلاً من نائبي رئيس الكتلة البرلمانية للحزب غولستان كوجييت وسزائي تمللي، ونائب الرئيس المشارك للشؤون القانونية أوزتورك توركدوغان.
وبحسب ما تسرّب من فحوى اللقاء، فقد ركّز الوفد الكردي على مسألة تحسين ظروف احتجاز زعيم حزب العمال الكردستاني المحظور عبد الله أوجلان في سجن إمرالي، ضمن مسار تفاوضي غير معلن يُعتقد أنه يشكّل مدخلًا إلى مسار حل سياسي جديد.
وتفيد المعلومات بأن وزير العدل يتحرك في هذا الملف بتكليف مباشر من الرئيس رجب طيب أردوغان، وتُتوقع خطوات ملموسة في هذا الاتجاه قريبًا، خصوصًا في ظل الحديث عن إمكانية توجه حزب العمال الكردستاني إلى عقد “مؤتمر عام” للإعلان عن حل الحزب شريطة تحسين ظروف سجن أوجلان.
والمثير أن لائحة الاتهام الجديدة ضد دميرتاش تتضمن تصريحات له ينتقد فيها بشدة سياسة العزلة المفروضة على أوجلان، ويؤكد أن استمرار احتجازه كـ”أسير معزول” يعرقل طريق السلام.
وتستند النيابة إلى هذه العبارات لتوجيه تهمة “الترويج لعبد الله أوجلان” إلى دميرتاش، في وقت تدرس فيه الحكومة تخفيف القيود المفروضة على أوجلان وفتح سجن إمرالي أمام زيارات صحفية وأكاديمية وحتى سياسية.
هذا التناقض في السياسات أثار تحليلات متباينة، إذ اعتبر بعض المراقبين أن فتح دعوى ضد دميرتاش في هذا التوقيت قد يكون محاولة من بعض الأطراف، مثل حزب العدالة والتنمية الحاكم، لإعاقة مسار التفاوض الذي أطلقه حليفه السياسي حزب الحركة القومية.
ويشير آخرون إلى أن هذه الإجراءات قد تكون ببساطة “تزامنًا غير مقصود”، نتيجة تحقيقات سابقة كانت مفتوحة لدى النيابة.
غير أن مراقبين يبدون تشكيكهم في فرضية “الصدفة”، مؤكدين أن في بلد مثل تركيا، حيث تتقاطع السياسة مع القضاء بشكل وثيق، يصعب تصور فتح ملفات قضائية بحق شخصية بارزة مثل دميرتاش دون علم أو موافقة سياسية مسبقة.
واللافت أن دميرتاش، رغم كل ما يواجهه، التزم الصمت خلال الأزمة الأخيرة المتعلقة بـ”أزمة اعتقال أكرم إمام أوغلو في 19 مارس” ، ما فُسر على أنه رغبة منه بعدم الإضرار بأي مسار تفاوضي محتمل حول السلام الكردي. إذ إن أي تصريح منه قد يُفسر كموقف ضد أحد أطراف المشهد السياسي، ما قد يعرقل أي جهود باتجاه السلام.
في العمق، تكمن معضلة حقيقية في كون الشخصيات السياسية الكردية المنخرطة في العمل السياسي الشرعي والمؤسسي، مثل دميرتاش ورفاقه في حزب الشعوب الديمقراطي (سابقًا)، يُلاحقون قضائيًا، في حين تُدار قنوات تفاوض مع شخصيات مرتبطة مباشرة بتنظيم العمال الكردستاني دون مساءلة.
ويخلص محللون إلى أن أي مسار حقيقي لحل القضية الكردية لا يمكن أن يتحقق دون “المصالحة” مع الفاعلين في السياسة الشرعية الكردية، وفي مقدمتهم صلاح الدين دميرتاش، الذي يُعتبر – بعد عبد الله أوجلان – الشخصية الأكثر تأثيرًا في الأوساط الكردية، وصاحب حضور جماهيري بارز ظهر بوضوح في انتخابات يونيو 2015.
ومن ثمّ، فإن تجاهل دور دميرتاش أو الإصرار على إقصائه قد يقوض مصداقية أي محاولة سلام، خصوصًا وأن الهدف المُعلن يتمثل في نقل الحركة الكردية إلى الفضاء السياسي الشرعي، الأمر الذي يتطلب بطبيعة الحال وجود شخصيات تملك الشرعية الجماهيرية والخبرة السياسية، ودميرتاش على رأس هؤلاء.