×

  کل الاخبار

  اتفاق واشنطن- طهران وانعكاساته على بغداد



*عادل الجبوري

  

خلال الشهور القلائل الماضية، اكد اكثر من مسؤول عراقي رفيع المستوى، أهمية التوصل الى تفاهمات واتفاقات رصينة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحددة الامريكية، بالنسبة للعراق خصوصا، والمنطقة على وجه العموم.

   وتنطلق تلك التأكيدات “التمنيات” من حقيقة أن العراق قد يكون اكثر البلدان تأثرا، سلبا أو إيجابا، بمسارات وتفاعلات العلاقات والأزمات بين واشنطن وطهران، بحكم عوامل عديدة، راكمتها وقائع واحداث ومواقف، جعلت الملف العراقي في شتى أبعاده السياسية والأمنية والاقتصادية مرتهنا بمديات ومستويات الصدام الإيراني الامريكي.   

  وما يسجل للدبلوماسية العراقية انها نجحت خلال الأعوام الستة الماضية في حلحلة جملة من ملفات المنطقة الشائكة، من قبيل ملف العلاقات الإيرانية-السعودية، إذ احتضنت بغداد عدداً من جولات الحوار بين الطرفين المتخاصمين، وساهمت مع مسقط في تقريب وجهات النظر وكسر العديد من الحواجز بين طهران والرياض، ولم تكن بشكل أو بآخر بعيدة عن ترتيبات الهدنة بين السعودية وحركة أنصار الله اليمنية (الحوثيين)، وهي، اي بغداد، بذلت جهوداً ومساعي حثيثة من أجل الإسراع في إعادة إحياء الاتفاق النووي، انطلاقاً من رؤية مفادها، بأن أي حلحلة لأزمات المنطقة، أو الأزمات الدولية، التي تعدّ المنطقة أحد ميادينها وساحاتها، لا بد أن تكون لها انعكاسات إيجابية على مجمل الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية العراقية.

   وتعود خلفيات الاهتمام العراقي بإبرام اتفاق إيراني- دولي حول برنامجها النووي إلى عام 2012 في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، حينما استضافت ورعت بغداد مباحثات بين طهران ومجموعة خمس زائد واحد، من أجل تقريب المواقف والتأسيس لأجواء حوار إيجابي مثمر يفضي إلى نتائج ومخرجات عملية. وبالفعل، كان ذلك الاجتماع بداية لانخراط العراق في العمل الجاد للتوصل إلى اتفاق واقعي يرضي الفرقاء، ويسهم في خفض حدة التوتر والتصعيد في المنطقة، وابعاد العراق عن شبح حروب وصراعات دامية أخرى.  

   ومما لا شك فيه أن هناك تأثيراً متبادلاً على نطاق واسع وكبير بين الشأنين العراقي والإيراني، ذلك التأثير الذي فرضته عوامل جغرافية وتاريخية وسياسية وأمنية واقتصادية وثقافية ودينية، من الصعب بمكان تجاهلها والتغافل عنها مهما كانت الظروف والأحوال. وما يمكن تأكيده هنا هو أن إيران منذ سقوط نظام صدام في ربيع عام 2003، تعاطت بصورة إيجابية مع العراق، رغم التراكمات السلبية لمرحلة حرب الثمانية أعوام (1980- 1988) بين الطرفين، فقد كانت في مقدمة الدول التي فعّلت ونشطت تمثيلها الدبلوماسي في بغداد، ووسعته لاحقاً عبر فتح قنصليات لها في المحافظات الأساسية في الجنوب والوسط والشمال، كالبصرة والنجف وكربلاء وأربيل والسليمانية، ودعمت العملية السياسية، رغم ملاحظاتها وتحفظاتها على الوجود والدور الامريكي السلبي فيها، وعززت علاقاتها الاقتصادية مع العراق، وقدمت له الإسناد والدعم الضروري في مجالات الطاقة والإعمار، والأهم من ذلك كله، ألقت بكل ثقلها إلى جانبه حينما اجتاح تنظيم “داعش” الإرهابي في صيف عام 2014 مدينة الموصل ومناطق ومدنً عراقية أخرى، وكاد أن يستبيح العاصمة بغداد والمدن الدينية لولا فتوى الجهاد الكفائي للمرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني.

   وبما أن إعادة إحياء الاتفاق النووي، سيعود على إيران بمنافع ومكاسب سياسية واقتصادية كبيرة، لعلّ أبرزها التخفيف من الضغوط والأزمات الاقتصادية التي ألقت بظلالها الثقيلة على الشارع الإيراني خلال الأعوام  الماضية، وتحريك عجلة الاقتصاد بوتيرة أسرع، وفتح آفاق جديدة له، فإن العراق سيكون أحد أبرز الأطراف التي سوف تستفيد من تفاهمات طهران مع واشنطن والأطراف الأخرى للاتفاق النووي، لأن ذلك من شأنه أن ينشط مجمل حركة التبادل التجاري، والتعاون الاقتصادي، وتعزيز المشاريع والخطط الاستثمارية، علماً أن حجم التبادل التجاري بين البلدين تجاوز الاثني عشر مليار دولار سنوياً، ويؤمل أن يصل في غضون بضعة أعوام إلى عشرين مليار دولار.

 فضلاً عن ذلك، فإن إعادة إحياء الاتفاق النووي، من شأنه أن يضمن تزويد إيران للعراق بكميات الغاز المطلوبة لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية. في ذات الوقت الذي يتيح الاستفادة من خبرات وامكانيات وتجارب الشركات الامريكية في قطاعات حيوية مهمة، وهو ما لاحت مؤشراته مؤخرا من خلال زيارة وفد اقتصادي امريكي كبير للعراق، ضم العشرات من رجال الاعمال والمستثمرين الأمريكان، اذ تمخضت تلك الزيارة عن ابرام حزمة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم.     

   وعلى الصعيد السياسي، فإن إعادة إحياء الاتفاق النووي، يعني نزع فتيل التوتر، وخفض مستويات التأزيم والاحتقان إلى حد كبير، وتعزيز ذلك، بالمصالحات والتسويات الإقليمية بين الفرقاء، كالتقارب السعودي- الإيراني، والتقارب الإماراتي-الإيراني، وذلك وغيره لا بد أن ينعكس على عموم الواقع السياسي والامني العراقي بتعقيداته وتشابكاته وتناقضاته وتنوّع أولوياته.

   ورغم ان مسقط تبنت هذه المرة، ربط خيوط الوصل بين واشنطن وطهران، وتهيئة الارضيات للحوار المباشر او غير المباشر، والسعي الجاد لتقريب وجهات النظر وتجسير المواقف بينهما، الا ان الوصول الى هذه المرحلة، لم يأت من فراغ، وربما كانت بعضا من مقدماته واولياته انطلقت من بغداد في أوقات سابقة-كما اشرنا انفا- لا سيما أن العراق بات اليوم جزءا من الحلول بعدما كان مصدرا للازمات.    


27/04/2025