*د. عادل عبدالمهدي
الاتحاد الوطني الكردستاني ليس ضرورة كردستانية فقط بل ضرورة عراقية واقليمية وعالمية ايضا، لقد رافقت - وانا أتشرف بذلك – هذه المسيرة منذ ايامها ومنذ لحظة تأسيسها بل قبل ذلك بكثير واشهد انه لولا عمل وتضحيات الاتحاد الوطني الكردستاني لما تحقق ما اصبحنا ننعم به اليوم، اقول وبشكل سريع ان هذه المسيرة قد تكون مرت بـ(5) مراحل بدءا من عام 1975 اي قبل (34) عاما كانت المرحلة الاولى مرحلة التأسيس خصوصا بعد المؤامرة الكبرى التي ادت الى ضربة قوية موجعة للثورة الكردية.
كان لابد من التأسيس وفق معطيات جديدة، فنهض الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة مام جلال يقف بجانبه اخوة له من بقية الكرد وفي مقدمتهم الاستاذ مسعود بارزاني والمرحوم ادريس بارزاني، كانت المرحلة الاولى هي مرحلة التأسيس وانني شاهد على الوثائق الاولى التأسيسية التي كتبت في ظروف غاية في العزلة، في ظروف كانت كل القوى الاقليمية والدولية تتآمر على الثورة الكردية وعلى الشعب العراقي وبجهود مضنية بنيت اللبنات الاولى من مناضلين اشداء آلوا على انفسهم الا ان ينتقلوا الى المرحلة الثانية وهي اعادة حيوية الثورة الكردية ثم اعادة وحدة الشعب العراقي في جبهة عريضة.
قلة من الاخوة والرفاق نجدهم هنا، نراهم امامنا، هناك من استشهد وفي مقدمتهم الاخ الغالي عمر مصطفى وغيره من الشهداء كيف استطاعوا فعلا ان ينتقلوا ويعبروا الحدود الممنوعة عليهم من كافة الاطراف ومن الجهات الاربع الى كردستان ليؤسسوا القواعد الاولى لانبثاق الثورة من جديد.
اندلعت الثورة او تجددت الثورة الممتدة عميقا في التاريخ لكي تدخل المرحلة اللاحقة وهي مرحلة وحدة القوى الكردستانية ووحدة القوى العراقية والتي تداخلت مع المرحلة الرابعة وهي السعي لاسقاط النظام الطائفي الشوفيني العنصري المستبد، هذه المرحلة كانت لها مخاضات عديدة وصعوبات كثيرة لكنها في النهاية قد انجزت على احسن ما تكون فتمت الانتفاضة الكبيرة في اوائل التسعينيات حيث استطاعت الادارة الكردية ان تبدأ ببناء اولى مؤسساتها والتي شكلت اساسا عميقا لبناء تجربة كردستان المعاصرة بل تجربة العراق الحديث.
لولا تلك الوحدة التي تأسست بين القوى الكردستانية لما كانت ارض كردستان ارضا محررة يمكن الانطلاق منها لتحرير بقية العراق، هذه حقيقة تاريخية يجب ان لا يغفلها من يريد غبن الكرد وتضحيات الكرد فيما قاموا به من اجل العراق، ليقف الانسان في حلبجة ويتصور تلك القنابل الكيمياوية تسقط على رأسه ثم يتكلم عن العدل والظلم، ليقف الانسان في حملات الانفال والتهجير حيث يساق مئات الآلاف الى منافيهم الجديدة والى موتهم البطيء ثم يتكلم عن العدل والظلم، ليقف الانسان عند حملات النابالم وحملات القتل الجماعي والقبور الجماعية ليتحدث بعد ذلك عن العدل والظلم، كردستان قدمت ما لم يقدمه أحد للعراق، كردستان كانت في طليعة المضحين ومن حق العراق ومن حق الكردستانيين على العراق ان ينصفوا وان ترفع المظالم والا ينظر الى الاخطاء التي تقع هنا وهناك وكأنها جرائم كبرى يجب ان يعاقب عليها الشعب الكردي.
دخلنا المرحلة الخامسة بعد كل تلك التضحيات لبناء دولة العراق الجديدة بعد ان اتحدنا لاسقاط الطاغية ولولا الوحدة التي تشكلت بين العرب والكرد، بين الشيعة والسنة، بين الكرد والتركمان والكلدوآشوريين، بين المسلمين والمسيحيين، لما كان بالامكان تشكيل الاسس او توفير الشروط التي يمكن فيها ان تتم عملية التغيير وعملية بناء العراق الجديد.
يتكلمون عن تحالف ووحدة الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني، وبشكل أخص عن وحدة المجلس الاعلى والحزبين الكرديين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني كتحالفات تكتيكية، كتحالفات سياسية مؤقتة، هذه التحالفات ايها الاخوة والاخوات قد بنتها سنوات المنافي، قد بنتها سنوات السجون، قد بنتها سنوات المظالم، فهي وحدة المظلومين ووحدة المضطهدين الذين انتصروا للحق وسيستمرون في النضال والكفاح من اجل انتصار الحق، فهي ليست وحدة تكتيكية وليست وحدة بالمنفعة السياسية للكلمة، بل هي ركن اساسي في كفاح وجهاد شعبنا لولاها ما سقط الطاغية ولولاها ما اسس العراق الحديث ولولاها ما استفتي على الدستور، ولولاها ما اقمنا دولة ديمقراطية اتحادية تعددية، حيث مشاركة الجميع وحيث هناك حق على الجميع وواجب على الجميع.
المشاركة ان كانت على صعيد محلي هنا في كردستان او في الموصل او في كركوك او على الصعيد الاتحادي لا تعني الالحاق او احتلال المقعد بقدر ما تعني المشاركة في القرار والتنفيذ وهذا امر ملزم في اتجاهين وجانبين، مشاركة جدية وحقيقية وعميقة في الحكومة الاتحادية ومشاركة جدية وحقيقية وعميقة في الحكومات المحلية، لا يؤخذ بجانب بدون الجانب الآخر.
سمعت ان الكثيرين يقولون للاخ المناضل الكبير الاستاذ جلال طالباني انك تقضي وقتا طويلا في بغداد وتهمل كردستان، لننظر جديا الى هذا الامر، كيف تخدم كردستان وكيف يخدم العراق، كردستان اليوم لم تعد تخدم من الجبال كما ذكر الاخ العزيز برهم صالح، كردستان تخدم اليوم من العراق كله، حلول كردستان هي حلول في بغداد، اذا لم يكن الرئيس جلال طالباني في بغداد لنتصور حجم المشاكل التي يمكن ان تعيشها كردستان، فجلال طالباني هو حل، عندما يكون في بغداد هو حل عراقي وهو حل كردستاني في آن واحد.
هذه العلاقة الجدلية يجب ان تتعزز لانه لا تقدم اليوم وفي ظروفنا المعاصرة لكردستان بدون الاندكاك في الحالة العراقية، والعراق بدون كردستان سيكون ضعيفا، كردستان القوية قوة للعراق، والعراق القوي قوة لكردستان، هذه العلاقة يجب ان نفهمها جيدا.
لا يسعني في الختام الا ان أحيي الرئيس الكبير، الاستاذ الكبير، الاخ الكبير، الاستاذ مام جلال وان احيي المكتب السياسي ومئات آلاف المناضلين في الاتحاد الوطني الكردستاني كذلك متمنيا لهم النجاح على الصعيد الوطني وان ما تحقق اليوم من انتاج النفط في كردستان لا شك سيكون عاملا مهما لإقرار قانون النفط والغاز الذي انتظره وينتظره العراق.
* رئيس الوزراء العراق الاسبق والمقال ماخوذ من خطابه في الذكرى الرابعة والثلاثين لتأسيس الاتحاد الوطني في السليمانية 1/6/2009