×

  کل الاخبار

  حــــرب الشــــرق الأوســــط الجديــــد



*ريتشارد هاس

مؤسسة "بروجيكت سنديكيت" البحثية

نيويورك ــ في غاراتها الجوية التي شنتها ضد أهداف في مختلف أنحاء إيران، أفادت التقارير أن إسرائيل قتلت قادة عسكريين كبار فضلا عن شخصيات بارزة في البرنامج النووي الإيراني. يبدو أيضا أن إسرائيل قد زادت الدفاعات الجوية الإيرانية ضَـعفا، وضربت أهدافا عسكرية إضافية، وهاجمت منشأة واحدة على الأقل ذات صلة بالبرنامج النووي ــ وربما أكثر من ذلك.

على الرغم من ادّعاء إسرائيل أنها كانت تتصرف بشكل استباقي، فإن الهجمات تشكل عملا وقائيا ردعيا كلاسيكيا شُـنّ ضد تهديد متنام، وليس ضد خطر وشيك. وهذا الاختلاف ينطوي على عواقب قانونية ودبلوماسية، حيث تميل الهجمات العسكرية الوقائية الردعية إلى أن تكون مثيرة للجدال بدرجة أكبر كثيرا، وتندرج تحت عنوان الحروب الاختيارية. أما الهجمات الاستباقية فيُنظر إليها على أنها شكل من أشكال الدفاع عن النفس، وتميل إلى أن تكون مقبولة باعتبارها ضرورية.

هذه فروق دقيقة لا تنطوي على اختلافات حقيقية من منظور إسرائيل، التي نفذت مثل هذه الضربات (وإن كانت محدودة) ضد برامج نووية عراقية وسورية وليدة في الماضي. والتحرك ضد إيران، فضلا عن ذلك، له مردود إيجابي على المستوى المحلي: فهي واحدة من القضايا القليلة التي قد يتفق عليها معظم الإسرائيليين ــ المنقسمين بشدة حول الحرب في غزة، ودور المحاكم في ديمقراطيتهم، والتوازن العلماني-الديني في إسرائيل.

لكن اختيار إسرائيل القيام بهذه العملية الآن يظل في احتياج إلى تفسير مُـرض. وفقا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، " في الأشهر الأخيرة، اتخذت إيران خطوات غير مسبوقة، فسَـعَـت إلى تحويل اليورانيوم المخصب إلى سلاح". ولكن يظل من المهم أن نعرف ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تلقت معلومات استخباراتية جديدة أو طورت تقييما جديدا للقدرات والنوايا الإيرانية.

نحن نعلم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) أن إيران كانت تنتج بنشاط يورانيوم عالي التخصيب ولم تكن صريحة بشأن أنشطتها المرتبطة بالبرنامج النووي. إلا أن مسؤولين في الاستخبارات الامريكية أكدوا في الأسابيع الأخيرة أن تقييمهم يتلخص في أن إيران لم تقرر بعد إنتاج سلاح نووي.

وفقا لتقارير تستند إلى حد كبير إلى تصريحات مسؤولين إسرائيليين، كانت الولايات المتحدة على علم مسبق بالهجوم المزمع ولم تحاول إيقافه. وفي حين أننا سنعرف في الأرجح ما إذا كانت أعطت حقا ضوءا أخضر بدلا من الضوء الأصفر، فيبدو من المؤكد أنها لم تعطِ ضوءا أحمر كما فعلت في أوقات أخرى على مر السنين.

بيد أن مسؤولين امريكيين سعوا إلى النأي بامريكا عن العمل الإسرائيلي، مشيرين إلى أن إسرائيل تصرفت من جانب واحد وأوضحوا أنه لا ينبغي لإيران أن تهاجم القوات الامريكية ردا على ذلك. ومن غير الواضح مدى استعداد الولايات المتحدة لمساعدة إسرائيل في أي عمل عسكري ضد إيران في المستقبل، أو في دعم قدرتها على الدفاع عن نفسها في مواجهة عمل انتقامي من جانب إيران. والآن، تبدو احتمالات إحياء المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، التي اقترح الرئيس دونالد ترمب ضرورة استمرارها، نائية.

من السابق للأوان الآن تقديم تقييم نهائي لمدى نجاح هذه العملية. سوف يعتمد هذا التقييم على عدة عوامل، بدءا من مدى الضرر والعواقب المترتبة عليه. فلا يزال من غير المعلوم حجم ما أُنـجِـز بالفعل، ومقدار الوقت الذي ستحتاج إليه إيران لإعادة بناء ما خسرته، ومدى عمق تعطل القيادة العسكرية والنووية في إيران. يتعلق سؤال آخر مهم بما إذا كان الهجوم ليؤثر على قبضة النظام الإيراني على البلاد، والتي ربما كان الهدف من الهجوم الإسرائيلي إضعافها، وكيف قد يكون حجم هذا التأثير.

يتمثل اعتبار ثان في نطاق الرد الانتقامي الإيراني في المستقبل. كان رد إيران الأولي متواضعا نسبيا: حوالي مئة طائرة مُـسَـيَّـرة آليا أطلقتها إيران باتجاه إسرائيل، والتي كانت إسرائيل مجهزة لصدها. ولكن بعد ذلك أطلقت إيران عدة موجات من الصواريخ الباليستية (الذاتية الدفع). السؤال الواضح هو ماذا غير هذا قد تختار إيران القيام به ضد إسرائيل وأهداف إسرائيلية في مختلف أنحاء العالم. ولكن من غير الواضح على الإطلاق ما إذا كان لدى إيران مجموعة جذابة من الخيارات، نظرا لنقاط ضعفها الواضحة.

يتبقى لنا أن نرى أيضا ما إذا كانت إيران لتتحرك ضد الولايات المتحدة، التي سحبت عددا كبيرا من أفرادها من المنطقة تحسبا لأي عمل انتقامي ضدها، أو ضد واحد أو أكثر من جيرانها العرب. على الرغم من جهود إيران المستمرة لتحسين العلاقات مع دول الخليج، فلا يجوز لنا أن نستبعد محاولة إيرانية لإعاقة صناعة الطاقة في المنطقة. هذا من شأنه أن يعرّض مكانتها في الخليج للخطر لكنه سيرفع سعر النفط (الذي ارتفع بالفعل في أعقاب الهجوم الإسرائيلي)، فيتسبب هذا في إلحاق الضرر بالغرب وربما زيادة الإيرادات الإيرانية في وقت حيث لم يعد رفع العقوبات، وهو موضوع المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، وشيكا.

ينطوي الأمر أيضا على احتمال توجيه ضربات عسكرية إسرائيلية إضافية ضد مواقع نووية معروفة ومشتبه بها، وهي الخطوة التي حَـذَّر كل من نتنياهو وترمب من أنها قادمة. وهذا، أيضا، يتطلب تقييما لما جرى إنجازه وما هي العواقب التي قد تترتب عليه.

سيكون لزاما على إيران، التي تسعى إلى ردع هجوم مماثل لذلك الذي وقع للتو، أن تقرر ما إذا كانت لتضاعف جهودها النووية، وتعيد بناء برنامجها في منشآت يكون تدميرها أصعب، وتواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ما يزيد الأمر تعقيدا هو ما إذا كان شركاء خارجيون ــ مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية، وجميعهم لديهم خبرة في تطوير الأسلحة النووية ــ ليقدموا يد العون، وكيف قد ترد الولايات المتحدة وإسرائيل إذا ما فعلوا.

قبل تحديد ما إذا كان العمل العسكري هو أفضل سياسة متاحة، نحتاج أيضا إلى معرفة المزيد حول ما كان من الممكن التفاوض عليه والتحقق منه بين الولايات المتحدة وإيران. فقد يؤثر هذا على ردود الفعل السياسية في كل من إسرائيل وإيران فيما يتعلق بما إذا كان من الممكن أو كان ينبغي تجنب الهجمات.

في الوقت الحالي، التساؤلات أكثر من الإجابات حول ما حدث أو قد يحدث بعد ذلك. الأمر الوحيد المؤكد هو أن هذا الفصل الأحدث في الشرق الأوسط الذي مزقه الصراع ما زال في بدايته.


19/06/2025