*د.راز زيمت
معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)/الترجمة والتحرير: محمد شيخ عثمان
بعد ثلاثة أيام من بدء الحملة بين إسرائيل وإيران، تقترب طهران من مفترق طرق فيما يتعلق باستمرار الأعمال العدائية، واستراتيجية الخروج المحتملة، وترتيبات ما بعد الصراع. في الوقت الحالي، لا تزال إيران تركز على إدارة الحرب.
ومع ذلك، مع استمرار الحملة وتراكم الأضرار، سيتعين على طهران الاختيار بين الحفاظ على مستوى المواجهة الحالي، أو إنهاء القتال من خلال تسوية سياسية، أو التصعيد أكثر - ربما بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.
سيسترشد هذا القرار بتقييم طهران لأفضل مسار للحفاظ على بقاء النظام، وبرنامجه النووي، وقدراته الاستراتيجية الأوسع.
ستواجه القيادة الإيرانية معضلة حرجة بمجرد انتهاء الحملة: هل تخاطر باستقرار النظام على المدى القصير بإطالة أمد المواجهة - لا سيما في ظل احتمال التدخل الأمريكي المباشر - أم تتخلى عن تخصيب اليورانيوم محليا، الذي يعتبره النظام "بوليصة تأمين" حيوية لبقائه.
من جانبها، تواجه إسرائيل خيارين رئيسيين:
إما مواصلة الحملة وتوسيعها لتعزيز مكاسبها العملياتية - على الرغم من التكلفة المحتملة للخسائر البشرية والأضرار التي تلحق بالجبهة الداخلية - أو السعي إلى وقف إطلاق النار بمجرد أن تتأكد من تحقيق أهدافها الرئيسية، وخاصة تلك المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.
في كلتا الحالتين، يجب على إسرائيل أن تظل مستعدة للصراع المستمر للحفاظ على إنجازاتها، وقبل كل شيء، لمنع إيران من استعادة قدراتها النووية - أو الأسوأ من ذلك، الوصول إلى مرحلة امتلاك الأسلحة النووية بناء على القدرات التي لا تزال تحتفظ بها.
بعد ثلاثة أيام من اندلاع الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل، تقترب إيران من مفترق طرق حاسم. يأتي هذا في أعقاب الضربات الإسرائيلية المستمرة والكبيرة التي ألحقت أضرارا تراكمية بأصول إيران وقدراتها الاستراتيجية.
من وجهة نظر طهران، لا تزال الصورة مختلطة ومعقدة. من ناحية أخرى، تعرضت إيران لضربة أولية قاسية استهدفت قيادتها العسكرية العليا.
لم تكن هذه الضربة مفاجأة استراتيجية وإهانة وطنية فحسب، بل كانت أيضا دليلا إضافيا على اختراق إسرائيل الاستخباراتي والعملياتي لمراكز قوة النظام.
كما أدت إلى تعطيل مؤقت وجزئي لقدرة طهران على إدارة الحملة بفعالية، بسبب القضاء على شخصيات رئيسية في القوات المسلحة الإيرانية: رئيس الأركان، وقائد الحرس الثوري الإسلامي، ورؤساء أقسام الاستخبارات والعمليات، وقائد القوة الجوية الفضائية التابعة للحرس الثوري الإسلامي.
علاوة على ذلك، واصل سلاح الجو الإسرائيلي خلال الأيام القليلة الماضية تحقيق نجاحات عملياتية كبيرة، مُلحقا المزيد من الضرر بالبرنامج النووي الإيراني.
ويشمل ذلك إلحاق أضرار جزئية (وإن لم تكن كلية) بمنشأة نطنز للتخصيب، والاغتيال المُستهدف لأكثر من عشرة علماء يُعتقد أنهم مرتبطون ببرنامج التسلح النووي ويُعتبرون أساسيين في تطويره.
علاوة على ذلك، أصابت الضربات الإسرائيلية أيضا البنية التحتية العسكرية والأمنية الإيرانية: مراكز القيادة، وأنظمة الدفاع الصاروخي والجوي، وشبكات استخبارات الحرس الثوري الإيراني، وبعض منشآت الطاقة الاستراتيجية.
قد تُؤدي الهجمات الإسرائيلية المستمرة إلى تآكل نظام القيادة والسيطرة الإيراني، وتُضعف تدريجيا قدرة النظام على إدارة التحديات الداخلية، مما قد يُهدد استقراره العام.
من ناحية أخرى، يمكن للقيادة الإيرانية الإشارة إلى بعض الإنجازات المحدودة. فرغم تضرر برنامجها النووي، إلا أن الضربة لم تُحدث تأثيرا حاسما بعد، لا سيما وأن منشأة فوردو للتخصيب لا تزال سليمة. إضافة إلى ذلك، لا يوجد حاليا أي تهديد مباشر أو خطير للاستقرار الداخلي للنظام.
تواصل القيادة إظهار الوحدة والعزيمة والحيوية، ويبدو أنها تتكاتف في مواجهة التهديد الخارجي. وبينما أعرب الجمهور الإيراني - الذي لا شك في عدائه للنظام - عن إحباطه من فشل السلطات في حماية المدنيين، إلا أنه لم يُبدِ، في هذه المرحلة، مقاومة نشطة للنظام.
ويبدو أن المشاعر العامة قد تشكلت، جزئيا، من خلال الصور المروعة للدمار في الأحياء السكنية التي ضربتها الضربات الإسرائيلية، والتي عززت، على نحو متناقض، التماسك الداخلي وعززت الشعور بالتضامن الوطني.
علاوة على ذلك، نجحت إيران في إلحاق بعض الضرر بالداخل الإسرائيلي، ورغم محدودية نطاق هذه الهجمات، استخدمت الحكومة الإيرانية ووسائل الإعلام توثيقها لتعزيز رواية الصمود النفسي والتوازن الاستراتيجي طويل الأمد، مؤكدة قدرة الجمهورية الإسلامية على الصمود وإلحاق الأذى بإسرائيل مع مرور الوقت.
من المنطقي الاستنتاج أن القيادة الإيرانية تسعى للحفاظ على العديد من الإنجازات الرئيسية بعد انتهاء الحملة: بقاء النظام - أولويتها القصوى في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية؛ واستمرارية برنامجها النووي - الذي يُعتبر "بوليصة تأمين" أساسية لبقاء النظام؛ والحفاظ على الأصول الاستراتيجية الحيوية - مثل أنظمة الصواريخ، والبنية التحتية الاستخباراتية، وشبكات القيادة والتحكم - الضرورية لمواجهة التحديات الأمنية المستقبلية.
وستُحدد القرارات المتعلقة بكيفية إدارة الحملة، وموعد إنهائها، وما إذا كانت ستسعى إلى اتفاق ما بعد الصراع أو تُراجع استراتيجيتها النووية، في الأسابيع المقبلة، بناء على قدرة طهران على الحفاظ على هذه الأهداف الأساسية.
في الوقت الحاضر، لا تزال إيران تُركز على شن الحرب، محاولة التقليل من أثر الضربات الإسرائيلية مع إلحاق أقصى ضرر بإسرائيل.
طهران و خيارات رئيسية
ومع ذلك، مع استمرار الحملة وتراكم الخسائر، ستواجه قيادة طهران عدة خيارات رئيسية: مواصلة أسلوب الحرب الحالي في محاولة لجر إسرائيل إلى حرب استنزاف مطولة؛ والسعي لإنهاء الحملة من خلال تسوية سياسية؛ وتصعيد الصراع - ربما بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي أو محاولة الوصول إلى مرحلة متقدمة من الأسلحة النووية، ربما في منشأة سرية، لاستفزاز تدخل دولي قد يُنهي الحرب.
قد يسمح استمرار الحملة لإيران بمواصلة استهداف الجبهة الداخلية لإسرائيل، ولكنه سيتطلب منها أيضا تحمل أضرار متزايدة الشدة، مما قد يعرض للخطر أصولها الاستراتيجية وبنيتها التحتية الحيوية وعناصر أخرى من قدراتها النووية.
بمرور الوقت، قد يُقوّض هذا الضرر قدرة طهران على حماية الإنجازات التي تسعى للحفاظ عليها بعد الحرب. علاوة على ذلك، فإن قدرة إيران على الحفاظ على وتيرة إطلاق الصواريخ الحالية غير مؤكدة.
إذا أُجبرت على تبني "اقتصاد حرب" - لا سيما مع تدهور قدراتها بسبب العمليات الإسرائيلية - فقد لا تتمكن من تشكيل تهديد حقيقي لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، معتمدة بدلا من ذلك على عمليات إطلاق متفرقة ومعزولة.
أي قرار إيراني بإنهاء الحملة والعودة إلى المفاوضات سيعتمد على موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار، وربما على استعداد الولايات المتحدة لتلبية بعض الشروط الإيرانية المسبقة مسبقا. مع ذلك، من المشكوك فيه أن تكون إيران مستعدة حاليا لإبداء المرونة والاستعداد للعودة إلى المفاوضات.
في حين أعرب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن انفتاح عام على وقف إطلاق النار، فقد صرّحت وزارة الخارجية بالفعل بأن استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة أمرٌ غير مجدٍ، إذ ترفض طهران الاعتقاد بأن إسرائيل تصرفت بشكل مستقل، بل فعلت ذلك بتعاون أمريكي، أو على الأقل بموافقة ضمنية من واشنطن.
الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي - وهي خطوة سبق أن اقترحها عدد من أعضاء مجلس الشورى الإيراني - أو الشروع في تجاوزٍ للحدود النووية قد يُشكلان تكتيكات ضغطٍ تؤدي إلى تدخل دولي.
مع ذلك، فإن قدرة إيران على تجاوز الحدود النووية سرا موضع شكٍّ كبير، بالنظر إلى الاختراق الاستخباراتي الموثّق لبرنامجها النووي واستمرار كثافة عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي داخل المجال الجوي الإيراني. علاوة على ذلك، تنطوي هذه الخطوة على مخاطر كبيرة: فقد تُثير تدخلا عسكريا أمريكيا مباشرا، وهو ما تحرص إيران على تجنبه، وقد تُقوّض أيضا الشرعية الدولية التي اكتسبتها إيران بعد الضربة الاستباقية الإسرائيلية.
معضلة استراتيجية عميقة
حتى لو تم التوصل إلى وقف إطلاق النار، ستواجه القيادة الإيرانية معضلة استراتيجية عميقة فيما يتعلق بمسارها المستقبلي،فمن ناحية، قد يؤدي استمرار تخصيب اليورانيوم محليا إلى إعادة إشعال الصراع وربما يؤدي إلى تورط الولايات المتحدة في الحرب - مما يشكل تهديدا وجوديا للنظام. ومن ناحية أخرى، فإن الموافقة على التفاوض ستجبر إيران على التفكير مجددا في التخلي عن قدراتها على التخصيب.
وعندها سيواجه المرشد الأعلى الإيراني خامنئي خيارا بالغ الصعوبة: إما المخاطرة ببقاء النظام على المدى القصير بمواصلة الحملة وجر الولايات المتحدة إلى الصراع، أو تعريض بقاءه على المدى الطويل للخطر بالتخلي عما يُعتبر حجر الزاوية في "بوليصة التأمين" للنظام. وبهذا المعنى، قد يكون القرار أصعب من القرار الذي واجهه آية الله الخميني عام ١٩٨٨، عندما وافق على وقف إطلاق النار مع العراق، مشبها إياه بـ"تجرع كأس السم". وقد يضطر الزعيم الحالي إلى الاختيار ليس فقط بين الشرب من هذا الكأس، بل بين خيارين قاتلين ــ أحدهما يهدد بانهيار النظام في الأمد القريب، والآخر قد يعرضه للخطر في الأمد الأبعد.
إذا خلص المرشد الأعلى الإيراني إلى أن استمرار الحرب يُشكل خطرا جسيما على النظام، وأن تجاوز مرحلة التصعيد النووي أمرٌ غير مُجدٍ - سواء لأسباب فنية أو بسبب مخاطر غير مقبولة - فقد يوافق على استئناف المفاوضات، وربما حتى تقديم تنازلات جوهرية، بما في ذلك بشأن تخصيب اليورانيوم.
وقد يقبل بتنازلات واسعة النطاق، على افتراض إمكانية الاستفادة من القدرات النووية المتبقية لاحقا في ظل ظروف أكثر ملاءمة وتحت ستار المفاوضات، كما فعلت كوريا الشمالية سابقا. وقد تُطالب طهران أيضا بإشراك جهات فاعلة أخرى - مثل روسيا أو الصين - في المفاوضات المُستقبلية، مما يعكس انعدام ثقتها العميق بالولايات المتحدة.
اسرائيل وخياران رئيسيان :
من وجهة نظر إسرائيل، هناك خياران استراتيجيان رئيسيان.
الأول هو مواصلة حملة ترسيخ المكاسب العسكرية وتوسيع نطاقها، والتي تشمل زيادة الضرر الذي يلحق بالبرنامج النووي الإيراني، واستهداف الأصول العسكرية والأمنية الاستراتيجية، وإضعاف النظام أكثر.
تكمن ميزة هذا النهج في تآكل قدرات إيران وزيادة زعزعة استقرار مؤسساتها. في حين أن قدرة إسرائيل على تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل أو القضاء على جميع القدرات المتبقية محدودة دون تدخل أمريكي نشط، فإن استمرار الضغط قد يزيد من فرص انتزاع تنازلات أكبر من طهران.
ومع ذلك، فإن هذا النهج ينطوي أيضا على تكاليف باهظة: هجمات مستمرة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وإصابات، وتدمير للبنية التحتية. كما أن إطالة أمد الحرب قد يؤدي إلى تآكل الشعور بالإنجازات الاستراتيجية بمرور الوقت، ويخلق إغراءات لتوسيع الحملة في اتجاهات قد لا تخدم الهدف الاستراتيجي الأساسي: منع إيران من امتلاك أسلحة نووية.
الخيار الآخر هو السعي إلى وقف إطلاق النار. في هذه المرحلة، إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار، فمن غير المرجح أن تحقق إسرائيل جميع النتائج المرجوة، وخاصة في المجال النووي. علاوة على ذلك، حتى لو أعقب وقف إطلاق النار مفاوضات (بافتراض موافقة إيران)، فمن المشكوك فيه أن تقدم إيران تنازلات إضافية ذات مغزى، نظرا لأن طهران قد لا تشعر بعدُ بتهديد جدي لقدراتها الاستراتيجية. لذلك، ينبغي على إسرائيل أن تسعى إلى وقف إطلاق النار (حتى في غياب اتفاق رسمي بشأن البرنامج النووي الإيراني) فقط عندما تحقق أقصى المكاسب الممكنة لدعم أهدافها الاستراتيجية، وعندما يكون استمرار القتال مردوده متناقصا. على أي حال، سيتأثر موقف إسرائيل بشكل كبير بموقف الولايات المتحدة، سواء فيما يتعلق باستمرار الحملة أو باحتمال التوصل إلى اتفاق مستقبلي مع إيران.
بغض النظر عن كيفية انتهاء الحملة الحالية - سواء باتفاق رسمي أو وقف إطلاق نار غير رسمي - يجب على إسرائيل الاستعداد لاحتمال مواجهة مستمرة وطويلة الأمد مع إيران. قد يشمل ذلك استمرار العمليات العسكرية، والعمليات السرية (ربما بتنسيق أو بدعم من الولايات المتحدة)، وجهودا متواصلة للحفاظ على المكاسب الاستراتيجية، ومنع إيران من إعادة بناء بنيتها التحتية النووية، والأهم من ذلك، عرقلة أي محاولة إيرانية لاستغلال القدرات المتبقية لامتلاك أسلحة نووية.
*الدكتور راز تسيمت هو مدير برنامج أبحاث إيران والمحور الشيعي في معهد دراسات الأمن القومي (INSS). وهو أيضا المحرر المشارك لمجلة "التقييم الاستراتيجي" الصادرة عن المعهد. حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط من جامعة تل أبيب. ركزت أطروحته للدكتوراه على السياسة الإيرانية تجاه الناصرية والتطرف العربي بين عامي ١٩٥٤ و١٩٦٧. وهو أيضا زميل باحث في مركز التحالف للدراسات الإيرانية بجامعة تل أبيب.